طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    وليد كبير: النظام الجزائري يفشل في عرقلة التقارب المغربي-الموريتاني    11 قتيلا وعشرات المصابين بحادث دهس في سوق لعيد الميلاد بألمانيا    11 قتيلا وعشرات المصابين بحادث دهس في سوق لعيد الميلاد بألمانيا    الشعب الجزائري يثور تحت شعار #مانيش_راضي.. دعوة لإسقاط نظام العسكر واستعادة كرامة الجزائريين    النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية عزز ورش الجهوية المتقدمة في هذه الربوع من المملكة (الخطاط ينجا)    وقفات تضامنية بعدد من المدن المغربية تطالب بوقف التطبيع    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أشرف حكيمي ينال ثاني أفضل تنقيط في الليغ 1    جلالة الملك يستقبل رئيس جمهورية موريتانيا بالقصر الملكي بالدار البيضاء    واشنطن تلغي مكافأة اعتقال الشرع    ندوة حقوقية بالعرائش تسلط الضوء على تقييد حرية التعبير وملاحقة الصحفيين قضائيًا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    زينب أسامة تطلق أغنيتها الجديدة "حدك هنا"...    توقعات احوال الطقس ليوم السبت.. أمطار ضعيفة بالواحهة المتوسطية    تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800م يومي السبت والأحد    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة الكويت بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه مسند إمارة دولة الكويت    إسكوبار الصحراء.. القضاء يصدر قرارا جديدا في حق بعيوي ومن معه    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    دفاع بعيوي ينتقد محاضر الضابطة القضائية .. ومحامي الناصري يثير تقادم التهم    الدار البيضاء: جلسة تحقيق تفصيلية في قضية اغتصاب مثيرة للجدل        نيويورك: الجمعية العامة الأممية تتبنى القرار المغربي بشأن السياحة المستدامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    الأسود ينهون 2024 في المركز الأول قاريا وعربيا و14 عالميا    نيويورك: توجيه لوائح اتهام ل3 تجار مخدرات دوليين اعتقلتهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمغرب في أبريل الماضي    التامني: بعد المحروقات والأوكسجين جاء الدور على الماء ليستولي عليه أخنوش    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    هَنيئاً لِمَنْ دفَّأتْهُ الحُرُوبُ بِأشْلائِنَا!    التافه حين يصير رئيسًا: ملهاة مدينة في قبضة .. !    رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة المغربية ل " رسالة 24 ": التحدي السياسي هو أكبر تحدي يواجه اللغة العربية    مجلة دار النيابة تعود إلى الأكشاك بحلة جديدة بعد 40 سنة من إطلاقها    العصبة تكشف عن برنامج الجولة 16 أولى جولات الإياب    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    التجارة بين المغرب وإفريقيا تكشف إمكانات غير مستغلّة بالكامل    الملك: لا ينبغي على الجهات إغفال المخاطر والأزمات لأنها قد تواجه جملة من التهديدات المتنامية    7250 سوريا عادوا إلى بلدهم عبر الحدود الأردنية منذ سقوط الأسد    ريكاردو سابينتو يلوح بالرحيل: ظروف الرجاء لا تسمح بالاستمرار    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    السينغالي مباي نيانغ يعلن رحيله عن الوداد ويودع مكونات الفريق برسالة مؤثرة    رابطة الدوريات ترفض تقليص عدد الأندية    كأس الرابطة الانجليزية.. توتنهام يتأهل لنصف النهاية على حساب مانشستر يونايتد    سوريا إلى أين؟    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد وتكاليفه ومعالجته عبر المعاهدات
نشر في الوجدية يوم 16 - 11 - 2008

لماذا نكافح الفساد؟ في العديد من الإقتصادات، يكون طابع الفساد مترسّخا مؤسساتياً ويبدو أن التعامل معه على أساس يومي أكثر سهولة من مكافحته. لكن اعتبار الفساد مشكلة اقتصادية فيعني أن الفساد هو أكثر من مُجّرد سلوك خاطئ. فهو يعني أن الفساد، ولو أفاد عدداً قليلاً من الأفراد، مُكلف للمجتمع وللقطاع الخاص، وللحكومات على المدى الطويل، ويجب استئصاله لهذه الأسباب.

وثمة اتفاق شبه إجماعي اليوم على أن الفساد يُسبب أضراراً غير مقبولة وان التقصير في معالجته تصرّف غير مسئول. فبسبب ضغط المجتمع المدني، المؤلف من منظمات غير حكومية، ومن منظمات لا تبغي الربح ومستقلة، قامت الحكومات والمؤسسات الدولية بعقد اتفاقيات لمكافحة الفساد، والتزمت القيام بأمور أخرى لتحسين نظام الحكم والمساءلة. سوف يظل دور المجتمع المدني مركزياً لأجل تحويل هذه الإلتزامات إلى وقائع، كما أن مستقبل أجندة مكافحة الفساد سوف تتوقف على إيجاد تعهدات أعمق من جانب المجتمع المدني، والتأكد من أنه يملك القدرات الفنية والموارد المالية، وإمكانية الوصول إلى المعلومات، والمساحة السياسية المحميّة لتنفيذ رقابته الأساسية ودوره المناصر..
ويُشكِّل الفساد الواسع النطاق على يد المسئولين الرفيعي المستوى، أو الفساد على أعلى المستويات، تهديداً خاصاً للديمقراطية وحكم القانون في البلدان النامية. مثل هذا الفساد يقوّض المساءلة المالية، ويعيق تدفق الإستثمارات الأجنبية، ويعيق الأداء الإقتصادي، ويقلل الثقة بالنظامين القانوني والقضائي.
وهناك، وفقاً للبنك الدولي، ألف مليار دولار تدفع سنوياً كرشاوى، وهناك، وفقاً للأمم المتحدة، أكثر من 400 مليار دولار سُرقت من إفريقيا وحدها وتمت تخبئتها في بلدان أجنبية. الفساد على أعلى المستويات العالمية هو قضية إنمائية لأن هذا النوع من الفساد يُقوّض التنمية الإقتصادية ويجعل قضايا ذات شأن، مثل مكافحة الفقر، فاقدة الفعالية. في أنحاء كثيرة من العالم، ملأ الفاسدون الكبار جيوبهم الخاصة بدلاً من تمويل التنمية، أي بناء الطرقات الجديدة، والمدارس، والمستشفيات.
وخلال السنوات الأخيرة، عملت الأسرة الدولية على تطوير طرقٍ جديدة لمنع المسؤولين الفاسدين من الوصول إلى الثروات التي جمعوها عبر نشاطاتهم الفاسدة، كما استخدمت طرقاً جديدة لاستهداف أموالهم..
ثمة مظهران أساسيان للكفاح ضد الفساد على أعلى المستويات، هما حجب الملاذ الآمن عن المسؤولين الفاسدين، والإسترجاع وإعادة التوزيع الصحيح لأموال الأعمال الفاسدة.
كما أنه من المستحيل، حسب الكاتب دونالد إف. كِتَل، استئصال الفساد بالكامل. هناك العديد من الفرص لإدارة العمليات الحكومية بطرق تشوه أغراضها العامة في سبيل الربح الخاص، كما من المستحيل القضاء على الفساد عن طريق وضع الأنظمة. لكن، كما أوحت بذلك المقاربة الأميركية في السبعينات من القرن الماضي، قد يكون من الممكن خفض الفساد عن طريق فتح أبواب الحكومة، وتسليط الأضواء المُشعّة داخلها، وعن طريق إعطاء المحققين سلطات مراقبة ورصد للحكومة عن كثب لمنع الهدر، والاحتيال، وإساءة الاستخدام. لهذه المقاربة جذور عميقة في التقليد السياسي الأميركي، وهي تُردّد صدى ما كتبه جيمس ماديسون، رابع رئيس للولايات المتحدة، سنة 1822: "الحكومة الشعبية بدون معلومات شعبية، أو وسائل الحصول على هذه المعلومات، ما هي إلاّ تمهيد لمسرحية هزلية أو لمسرحية مأسوية، أو ربما للاثنتين معاً. المعرفة سوف تحكم الجهل دائماً وأبداً، والشعب الذي يبتغي حكم نفسه بنفسه عليه أن يتسلح بالقوة التي توفرها له المعرفة".
وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي، أطلقت احتجاجات المواطنين ضد الحكومات والشركات الفاسدة بداية حركة مكافحة الفساد. آنذاك، لم يكن هناك سوى القليل من التفهم للمدى الكامل للأضرار التي يُسببها الفساد وكان هناك تقبّل ضمني لحتميته. فالتفهم الواسع الإنتشار أن الفساد يُعيق التنمية، ويشوّه المنافسة، ويحرم الفقراء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، ويخلق المخاطر للأمن السياسي والشخصي، هذا التفهم حديث العهد نسبياً.
مثلاً، وبعد عقود من الإنكار، اعترف البنك الدولي تحت رئاسة جيمس وولفنسون آنذاك، أن الفساد هو العقبة الفردية الأكبر بوجه التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وبالتالي بوجه الحدّ من الفقر. اليوم، تقوم الإستراتيجية الحالية للبنك حول نظام الحكم ومكافحة الفساد بوصف الألوف المؤلفة من الطرق التي يُلحق فيها الفساد الأضرار بالإقتصاد والحياة السياسية، وبنوع خاص الفقراء.
فلا يستطيع الناس الفقراء حول العالم الوصول، على أساس يومي، إلى العيادات الصحية، والمدارس، أو الخدمات الأساسية الأخرى لأن أنظمتهم العامة غير متجاوبة، أو لأنهم لا يستطيعون أو لا يريدون دفع الرشاوى. فالفساد وأنظمة الحكم الضعيفة يعنيان، في أحيان كثيرة، أن الموارد التي يجب أن تُغذي محرك النمو الإقتصادي وتخلق الفرص للفقراء للخلاص من الفقر، تغني بدلاً من ذلك النُخب الفاسدة. في بعض الحالات، ساهم نظام الحكم البالغ السوء والفساد في الإنهيار المالي والإقتصادي، وفي نفور الجمهور، بل وحتى في العنف والدول الفاشلة، مع عواقب كارثية بالنسبة للفقراء.
ومع الموافقة شبه الإجماعية على الأضرار التي يُسببها الفساد، اتخذت الحكومات تشكيلة من المبادرات لتحسين الحكم. لكنها كانت بطيئة في إدراك الدور الحيوي للمجتمع المدني ودعمه للتأكد من تحقيق هذه المبادرات لأهدافها.
مثلاً، وافقت الحكومات في الأميركيتين على ميثاق إقليمي ضد الفساد سنة 1996، لكن مضت بعد ذلك عدة سنوات قبل أن يوافق الفرقاء المشاركون في ميثاق المجموعة الأميركية (إنتر أميركان) لمكافحة الفساد، وبِحَضّ من منظمات المجتمع
المدني بزعامة ترانسبيرانسي الدولية، على آلية متابعة لتعزيز التطبيق. منذ إنشاء الآلية، حثّ المجتمع المدني الفرقاء لأجل الحصول على فرص أوسع فأوسع لعرض وجهات نظره وللمشاركة مع الحكومات في تعزيز التطبيق. واستطاع بفضل هذه الفرص تأمين رؤية أساسية غير حكومية وتقديم الزخم للإصلاح. ولعب المجتمع المدني دوراً مماثلاً في مراجعة فرض التطبيق الذي قام به ميثاق منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية حول رشوة الرسميين الحكوميين الأجانب، ومواثيق المجلس الأوروبي لمكافحة الفساد، ومجموعة دوله المضادة للفساد.
ومن الواضح من خلال هذه وغيرها من مواثيق مكافحة الفساد، أن المجتمع المدني يلعب دوراً أساسياً في تعزيز العمل الميداني. ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، الذي صادقت عليه 80 بلداً لغاية هذا التاريخ، يمتلك طاقة كامنة هائلة لخلق إطار عمل عالمي وقومي للإصلاح. غير أن التجارب مع المواثيق الأخرى تُظهر بوضوح أن ميثاق الأمم المتحدة سوف يحتاج إلى عملية متابعة فعلية لتعزيز التطبيق. فكما أشارت إلى ذلك ترانسبيرانسي الدولية في توصياتها إلى مؤتمر فرقاء الدول، أن المكوّن الأساسي لمثل هذه العملية سوف يكون الشفافية والفرص الواسعة والموثوقة لمشاركة المجتمع المدني.
كما طور البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى، خلال السنوات الأخيرة، استراتيجيات لمكافحة الفساد، وهي في طريقها إلى إدراك أهمية المجتمع المدني في مطالبته بالمساءلة الحكومية وتأمينها. لكن كون هذه المؤسسات مصارف تشترك معها الحكومات كمساهمين، لا زالت تكافح لإيجاد السبل للإنخراط بنشاط أكبر مع المجتمع المدني، ولتعزيز مثل هذا الإنخراط من جانب الحكومات نفسها. فوفقاً لاستراتيجية البنك نفسها، "فإن إحدى الأولويات الأساسية تكمن في مساعدة الدول لكي تصبح أكثر شفافية عن طريق تسهيل المشاركة والإشراف الواسع النطاق من جانب المنظمات المدنية ووسائل الإعلام. فالمواطنون ووسائل الإعلام المتاح لها الوصول الواسع إلى المعلومات حول عمليات مؤسسات الدول، يشكلان عنصران أساسيان لمساءلة تلك الدول."
وفي حين أن هذا المبدأ صريح، ولا يدع مجالاً للجدل، فان الشفافية وفرص المشاركة لا تزال صعبة المنال في العديد من البلدان. أضف إلى ذلك أن قدرات المؤسسات المتعددة الأطراف محدودة بالإرادة السياسة لأعضاء هذه المؤسسات. مثلاً، قواعد صندوق النقد الدولي حول الممارسات الجيدة والشفافية المالية أو "القواعد" تعلن بصورة ملائمة أن نشر المعلومات المالية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالموازنات والمشتريات، هي واجب حكومي وأنه يجب أن يتم في الوقت المناسب مع تسهيل الوصول إليها. لكن، لا تلتزم كل الحكومات هذه الممارسة، وتحتفظ جميعها بحق رفض نشر التقارير عن امتثالها لهذه "القواعد" على الرغم من الجهود التي تدعوها إلى عكس ذلك.
ومن الجدير بالذكر أن "القواعد" تدرك بأن توجيه اهتمام خاص للشفافية أمر أساسي في مجال الموارد الطبيعية والصناعات الإستخراجية لأن هذه القطاعات مُعرضة بنوع خاص للفساد. لا تحتاج الدول الغنية بالموارد إلى الإعتماد على عامة الناس لتأمين وارداتها. كما أنه تبين تاريخياً، أن تلك الدول التي كانت الأقل تقبّلاً لمفاهيم الشفافية والمساءلة كانت بين الدول الأكثر فقراً على الرغم من ثرواتها الطبيعية. تدعو "القواعد" إلى "ترتيبات تعاقدية واضحة وشفافة" وتشدد على الحاجة إلى الرقابة العامة للعمل الحكومي، ومنح الإمتيازات، والوسائل الأخرى لاستثمار الأصول العامة.
هذا المبدأ يُشكِّل الأساس لمبادرة الشفافية في الصناعات الإستخراجية التي تسعى إلى زيادة شفافية المدفوعات والإيرادات من النفط والغاز والتعدين. فوفقاً للمملكة المتحدة التي أطلقت المبادرة سنة 2002، "فإن زيادة الشفافية ومعرفة العائدات سوف تقوّيان المواطنين والمؤسسات في مساءلة الحكومات. إن سوء إدارة أو تحويل الأموال عن التنمية المستدامة سوف يصبحان أكثر صعوبة".
والذي يؤكد ذلك، والتشكيلة المتنامية من مبادرات الشفافية ومكافحة الفساد، هو إدراك المملكة المتحدة بان "دور المجتمع المدني سوف يكون حيوياً بأهميته من حيث استخدام المعطيات التي تكشفها الحكومات لمساءلتها عن إنفاقاتها".
لكن، ورغم كون الشفافية وفرص المشاركة والرقابة للمجتمع المدني ضروريين، إلا أن هناك افتراضاً بأنه، متى حقق المجتمع المدني ذلك، سوف يملك القدرة على القيام بوظائفه الحيوية. وعلى الرغم من الجهود الرامية إلى تعزيز القدرة الفنية والمالية الحكومية، فإن الجهود المماثلة لدعم المجتمع المدني، بالمعنى الأوسع، لا تزال بعيدة عن حجم النطاق المطلوب. فثمة مزيد من العمل الضروري في الميادين التالية:
الشفافية في الوظائف الحكومية، وصنع القرارات، والنفقات؛ الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك الوصول غير المُقيّد إلى الإنترنت؛ وفرص المشاركة والتعليق يجب ان تصبح مؤسساتية ومُزوّدة بصورة روتينية.
التدريب اللازم لكي يتمكن المجتمع المدني، ومن ضمنه المنظمات المدنية، والجمعيات المهنية، ووسائل الإعلام، من استخدام المعلومات بصورة فعالة.
التدريب هام أيضاً لتعزيز الحكم الصالح والشفافية والمساءلة داخل المنظمات المدنية.
الموارد المالية، بدون قيود سياسية، ضرورية لتمكين المجتمع المدني من القيام بوظائفه: جمع المعلومات، وتثقيف الناس، وبناء التحالفات، والاستفادة من مستوى الخبرات المطلوبة لتحليل المعلومات مثل عائدات الصناعات الاستخراجية، والموازنات القومية، والمشتريات العامة.
منظمات المجتمع المدني المسؤولة يجب ان تكون حرة في التنظيم والخطاب العام، دون حظر قانوني يقيد قدرتها في العمل أو في تأمين التمويل من مصادر قانونية.
نشطاء المجتمع المدني المنخرطون في الإشراف، ومن ضمنهم وسائل الإعلام، يجب حمايتهم من دعاوى القدح والذم، ومن تهديدات العنف، والتوقيف.

سوف يساعد الإهتمام بهذه القضايا في التأكد من أن المجتمع المدني يفي بوعده. حتى أن هذا الأمر هام أكثر في البلدان حيث أن المصالح المكتسبة المتحصنة بعمق، أي مصالح الفاسدين، والذين يفسدونهم، والذين يسهلون الفساد، تجعل جهود المجتمع المدني أكثر ضرورة وأكثر صعوبة. مع الإشارات الكثيرة عن المقاومة الحكومية، بل وحتى العداء المكشوف للحقوق الديمقراطية الأساسية في عدد متنامٍ من البلدان، حان الوقت لكي يقدم جميع أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي، الدعم للمجتمع المدني. وسوف يساعد ذلك في تأمين الحافز المحلي اللازم للإصلاح الفعال والمستدام.
فإساءة تخصيص الموارد الموارد التي كان يمكن توجيهها نحو إنتاج السلع والخدمات، تُكرّس أحياناً كثيرة للفساد. يشمل ذلك الموارد المباشرة كالمدفوعات النقدية، وكذلك الموارد غير المباشرة، مثل التواصل المستمر مع الرسميين الحكوميين، أو إعطاء رخصة لعملية أو لإنتاج ما لشركة أقل فعالية. يُسيء الفساد أيضاً تخصيص الموارد التي كان يمكن استخدامها لتوفير الخدمات العامة. فبدلاً من أن تساهم رسوم التراخيص أو واردات الضرائب في تعزيز الموازنة، فإنها تستقر بكل بساطة في جيوب موظفي الحكومة الفاسدين. ولا تُستخدم الموارد أيضاً بالطريقة الأكثر فعالية لأن الشركات التي تحصل على العقود الحكومية لا تكون بالضرورة الشركات الأكثر فعالية، بل تلك التي تملك العلاقات الأوثق مع الحكومة.
والفساد يُنمّي سياسات وأنظمة مُضلَّلة وغير متجاوبة في الأنظمة الفاسدة، كثيراً ما يُولّد المشرعون سياسات وأنظمة لا تهدف إلى تحسين الاقتصاد بوجه عام أو البيئة السياسة، بل تفيد القلائل القريبين من المشرعين أو أولئك الذين يرشون الرسميين الحكوميين لتمرير أنظمة مواتية لهم.
وللفساد آثار سلبية على مستويات الاستثمار الخارجي والداخلي في آن واحد. فالمستثمرون سوف يتجّنبون، في نهاية المطاف، البيئة التي يكون الفساد فيها مستشرياً لأنه يزيد تكاليف القيام بالأعمال ويقوّض حكم القانون. كما كثيراً ما ارتبط الفساد بدرجة عالية من الريبة، الأمر الذي يُبعد دائماً المستثمرين.
كما أن الفساد يحّد من المنافسة والفعالية الرسميون الحكوميون الذين يطالبون برشاوى لتأمين أو رفض الخدمات، مثل الرخص أو الإجازات، يحدّون من عدد الشركات القادرة على دخول السوق، موجدين بالتالي بيئة "تسعى إلى الإيجار" تجبر الشركات التي لا ترغب أو لا تستطيع دفع الرشاوى إلى اللجوء إلى الإقتصاد غير الرسمي. يقود "السعي إلى الإيجار" أحياناً إلى سياسة الحماية التجارية، وأيضاً إلى واقع أنها تؤدي إلى مدخلات إنتاجية من نوعية سيئة أو غير فعالة، الأمر الذي يقلل بدوره من الفعالية، والإنتاجية، والقدرة التنافسية. بالإجمال، فغياب المنافسة يؤذي المستهلكين الذين يتلقون سلعاً أقل تطوراً من الناحية التكنولوجية، وسلعاً من نوعية أدنى، ويدفعون أسعاراً مرتفعة لتلك السلع.
والفساد يُخفض الواردات العامة للسلع والخدمات الأساسية التهرب من الضرائب، الذي هو أحد أكبر التهديدات لتدفق الواردات الحكومية، واسع الإنتشار في البلدان الفاسدة لأن الشركات الرسمية لا تعلن عن أرباحها الحقيقية وبالتالي لا تدفع الضرائب. كما أن الشركات أيضاً التي تعمل ضمن الإقتصاد الرسمي، سوف تدفع رشاوى بدلاً من الضرائب عندما تكون إدارة الضرائب فاسدة، أو عندما تتوافر الفرص لإساءة استخدام القوانين الضرائبية بشكل واسع النطاق. علاوة على ذلك، يأخذ عملاء الحكومة الفاسدون لأنفسهم الرسوم والمدفوعات التي يجمعونها من الشركات على شكل واردات لموازنة الدولة، ويحرمون بذلك الحكومة من الأموال اللازمة لتوفير السلع والخدمات الأساسية.
والفساد يزيد الإنفاق الحكومي كثيراً ما توفر مشاريع الإستثمارات العامة للرسميين الحكوميين فرص الحصول على الرشاوى. بكل بساطة عندما يواجه هؤلاء إمكانية الإستفادة المباشرة من منح العقود للمحاسيب، فإنهم يشجعون إقامة أكبر عدد ممكن من مشاريع الإستثمار الحكومية. والحقيقة أن هذه الفضائح لا تظهر فقط في البلدان النامية الفاسدة بل أيضاً في دول أكثر تطوراً حيث الفساد أقل استشراءً. في العديد من البلدان، يحدث أحياناً أن المشاريع الممنوحة إلى الأهل والمعرفة قد لا تنجز أبداً لأن الأموال تُسرق بكل بساطة. يسبّب الفساد أيضاً سوء إدارة مشاريع الإستثمار العامة ويساهم بالتالي في عجز أكبر في المالية العامة، معرضاً بذلك السياسة المالية السليمة للخطر.
وفي الأنظمة الفاسدة، يصرف الأفراد والشركات الوقت والموارد في الأعمال الفاسدة (يدفعون الرشاوى، ويُقيمون علاقات مع العملاء الفاسدين، الخ...) بدلاً من النشاطات التي تعزز النمو. ويثبط الفساد أيضاً همّة الإبداع، لأن الأنظمة الفاسدة تفتقر إلى مؤسسات حكم القانون التي تحمي حقوق الملكية.
والوقت والمال المُنفق على رشوة الرسميين الحكوميين والتعامل مع أنظمة مُعقّدة يزيدان من نفقات شركات الأعمال. هذه التكاليف تحوّل إما إلى المستهلكين عبر زيادة الأسعار، أو إلى إنتاج سلع من نوعيات أدنى، أو تخدم كحاجز لدخول السوق بوجه الشركات. كذلك، فإن الأنظمة القضائية الفاسدة تقيّد قدرة شركات الأعمال على تنفيذ العقود، فتعيق العمليات الإعتيادية وتُوصِد الأبواب بوجه الفرص الجديدة.
والفساد يُخفض مستويات النمو الفساد يؤذي المشاريع الصغيرة لأن تحمّل تكاليف الفساد المرتفعة (الوقت والمال) أشد بالنسبة للشركات الصغرى منه على الشركات الكبرى. فالشركات الصغرى تملك، بوجه عام، سلطات أقل لتجنب الفساد، وهي تميل إلى العمل في بيئات عالية التنافسية. وبالتالي فهي لا تستطيع تحميل المستهلكين تكاليف الفساد. وهكذا، تواجه الشركات الصغرى في البيئات الفاسدة ظروفاً أصعب للبقاء، وهذا يؤذي معدل النمو الاقتصادي لأن الشركات الصغرى تشكل مُحّرك النمو في معظم الاقتصادات.
والفساد يُخفّض مستويات التوظيف في القطاع الخاص يُخفّض الفساد التوظيف في القطاع الخاص عن طريق إجبار شركات الأعمال على الإنتقال إلى القطاع غير الرسمي، وعن طريق إقامة الحواجز أمام دخولها، وزيادة نفقات القيام بالأعمال، لأن الشركات لن تكون قادرة على النمو والتوسّع.
والفساد يُخفّض عدد الوظائف النوعية في القطاع العام تعرض الحكومات الفاسدة أحياناً كثيرة العديد من الوظائف ذات الأجور المتدنية لإرضاء الناخبين الرئيسيين. كما أن نوعية الوظائف العامة تعاني في الأنظمة الفاسدة لأن الرسميين الحكوميين ينفقون الموارد لابتزاز الرشاوى بدلاً من توفير الخدمات. مثلاً، في العديد من الحالات، داخل الوكالات التي تمنح الرُخص، يُعطل الرسميون بكل بساطة عملية الترخيص إذا لم يتلقّوا مدفوعات إضافية أو هدايا.
والفساد يُساهم في تفاقم الفقر وعدم المساواة الفساد يُخفّض الطاقة الكامنة لذوي الدخل المتدني من الفقراء لتوفير فرص أقل في القطاع الخاص. كذلك، فإن الفساد بتحديده مستوى الإنفاق على خدمات القطاع العام يعزز عدم المساواة، أي يُحدّد مجال الوصول إلى تلك الموارد الأساسية مثل العناية الصحية والتعليم.
والفساد يُقوّض حكم القانون يخلق الفساد ثقافة حيث لا يكون الرسميون الحكوميون مسؤولين عن أعمالهم. كذلك فإن القوانين والأنظمة على الورق في الأنظمة الفاسدة لا يفرض تطبيقها بصورة دائمة ونزيهة. لذلك، لا يكون القانون هو المهم بل الشخص الذي تعرفه، وكم أنت مستعد أن تدفع له.
والفساد يعيق الديمقراطية والإصلاحات الموجَّهة نحو السوق على البلدان، إذا أرادت أن تكون ناجحة في بناء اقتصادات السوق والمجتمعات الديمقراطية، أن تبني وتطور مؤسسات تؤمن فرض تطبيق القوانين وتوفّر عملية شفافة وشاملة في صنع السياسة. إن تطوير مثل هذه المؤسسات السليمة المصممة بصورة جيدة في الأنظمة الفاسدة هي مهمة شاقة. فالرسميون الحكوميون المسئولون عن الإصلاحات من غير المُرجح أنهم سيتخذون الإجراءات التي ستحد مباشرة من قدرتهم على الاستفادة شخصياً من الرشاوى والعمولات. يقوّض الفساد أيضاً شرعية الوظائف الرسمية ويؤذي العملية الديمقراطية عن طريق تثبيط همّة الناس للمشاركة فيها.
و يساهم الفساد على نطاق واسع في عدم الإستقرار السياسي لأن المواطنين يُشجعون على العمل لطرد القادة الفاسدين والذين لا يستطيعون فعلاً تمثيل مصالح الناس.
و الفساد يشجع نظاماً يتغاضى كثيراً عن حكم القانون ويخلق مجتمعاً حيث تكون المؤسسات القانونية والقضائية التي تفرض تطبيق القوانين غير فاعلة. ففي الأنظمة الفاسدة، من السهل على النصّابين شراء طريقة التهرب من العقاب. لا يقود الفساد إلى الجريمة السياسية وجريمة الشركات وحسب، بل هو مسؤول أيضاً عن تشجيع الجريمة المنظمة.
وكان الفساد يعتبر في الماضي ظاهرة متفشية لدرجة أن معالجتها كادت تُشكِّل تحدياً لا يمكن التغلب عليه. غير أن المجتمع الدولي شهد، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، تغيراً ملحوظاً وإيجابياً في الكفاح العالمي ضد الفساد. قبل هذا التغيير الهائل، لم تكن البلدان راغبة حتى في البحث بأمر الفساد، وكانت تعتبره مشكلة داخلية ليس إلا. هناك اليوم عدد كبير من التجمعات والآليات المتعددة الأطراف التي أنشئت خصيصاً لمعالجة مشكلة الفساد. قبل خمس عشرة سنة، كانت الدول تسمح باقتطاع ضريبي للرشاوى المدفوعة للرسميين الأجانب. أما اليوم، فيعمل عدد متزايد من الدول معاً لمقاضاة هذه الرشاوى. والحقيقة، أن بعض البلدان كانت تقول، عن خطأ، قبل خمس عشرة سنة، إن الفساد كان في الواقع أمراً مقبولاً في بعض الأجواء الثقافية، أو لهدف تسهيل الأعمال في البلدان النامية. لا أحد يجرؤ اليوم على قول ذلك.
منذ 1996، خدمت الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد في رفع الالتزامات السياسية لمكافحة الفساد، وعيّنت المعايير والممارسات الدولية الأساسية لمعالجة الفساد. كان يُعتقد في ما مضى، أن مكافحة الفساد موضوع يخص كل حكومة بمفردها. لكن أصبح من المُتفق عليه عالمياً الآن، جزئياً بفضل اتفاقيات مكافحة الفساد، التي عززتها البيانات المتنامية حول الإرادة السياسة، أن بوسع المجتمع الدولي استكمال ومساعدة جهود الحكومات في محاربة الفساد، وأن للمجتمع الدولي مصلحة حقيقية في رؤية الفساد يُعالج محلياً كما على المستوى العالمي.
ففي موافقته على آليات مكافحة الفساد، يفتح المجتمع الدولي الأبواب أمام مزيد من التعاون المتعدد الأطراف والثنائي على جبهات ذات شأن، لكنها تبقى محلية تقليدياً. وهذا، يشجع بدوره مشاطرة الممارسات الفضلى، ويبني الثقة والعلاقات بين الدول المتعاونة، ويزيد، في نهاية المطاف، فعالية الجهود الثنائية والمتعددة الأطراف، كما برامج المساعدات الإنمائية.
فالإتفاقيات المتعددة الأطراف لمكافحة الفساد تجمع معاً المبادئ المعترف بها دولياً لمكافحة الفساد وتعطي شكلاً رسمياً لالتزام الحكومات تطبيق هذه المبادئ. هذه المبادئ، التي تضمّنها مؤخراً ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، تذهب إلى أبعد من مّجرّد مناشدة الحكومات تجريم الأعمال المفسدة المختلفة. فهي تعترف أن الكفاح ضد الفساد يتطلب عملاً مُنسقاً على عدد من الجبهات.
وهذه الاتفاقيات تعالج جبهة أو أكثر من الأعمال المضادة للفساد، بما فيها ما يلي:
تطبيق القانون
سلطات التحقيق والمقاضاة، والسلطات القضائية، تُشكِّل عناصر أساسية للكشف عن الفساد العام ومقاضاته. وهي بهذه الصفة، تُلزم الحكومات سن قوانين جنائية فعالة، وعقوبات، وأجهزة تطبيق القانون، لاكتشاف وردع الرشاوى وممارسات الفساد الأساسية الأخرى.
منع الفساد في القطاع العام
العديد من الإتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد تُلزم الحكومات اتخاذ تشكيلة عريضة من الإجراءات، مثل الحفاظ على معايير عالية من السلوك لدى الموظفين الرسميين، وإقامة أنظمة شفافة للمشتريات، وللإدارة المالية، وتجنب تضارب المصالح، والمطالبة بالكشف المالي عن الأصول الشخصية، وحماية الوشاة الذين يكشفون عن الفاسدين، وإنشاء مؤسسات وإجراءات محاسبية فعالة داخل الحكومة وخارجها، وتأمين الوصول إلى المعلومات الحكومية.
منع الفساد في القطاع الخاص
العديد من الإتفاقيات الدولية المضادة للفساد تسلط أيضاً الأضواء على الإجراءات التي تؤثر بصورة بناءة على سلوك القطاع الخاص وتلزم الحكومات باتخاذها، مثل الحفاظ على إطار عمل قانوني فعال لمنع إخفاء المدفوعات غير المشروعة أو الرشاوى في حسابات الشركات، واحتيال الشركات، وحظر اقتطاع مدفوعات الرشاوى من الضرائب.
آليات المتابعة
في سياق بعض الأدوات المتعددة الأطراف المضادة للفساد، بإمكان مراجعات المتابعة أو آليات التقييم تسهيل التعاون الدولي وتوفير المساعدة الفنية لمعالجة نقاط الضعف. هناك في الوقت الحاضر أربع آليات نشطة للتقييمات المتبادلة المضادة للفساد التي تعتمد على مراجعة النظراء من أجل رصد وتعزيز التطبيق: آلية المتابعة التابعة لمنظمة الدول الأميركية، ومجموعة دول مجلس أوروبا المضادة للفساد، ومجموعة العمل حول الرشاوى التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومبادرة ميثاق الإستقرار لمكافحة الفساد.
من جهة أخرى،الإتفاقية الأكثر شمولية، والقابلة للتطبيق عالمياً، لغاية هذا التاريخ تم تطويرها تحت رعاية الأمم المتحدة. شارك في المفاوضات الخاصة بميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي دامت سنتين والتي دخلت حيّز التنفيذ في دجنبر 2005، أكثر من 130 بلداً. تغطي الاتفاقية جميع مجالات العمل المذكورة أعلاه، وتُقيّم، لأول مرة، إطار عمل للتعاون في حالات استرجاع الأموال. وهي أيضاً في طريقها لأن تكون أول اتفاقية دولية حقيقية لمكافحة الفساد تُطبق عالمياً، حيث وقّع عليها 140 فرداً و80 فريقاً لغاية هذا التاريخ.
وفي أوروبا، طوّر مجلس أوروبا (COE) ثلاث أدوات أولية لإرشاد الأعضاء في مكافحة الفساد. شكّلت اثنتان من هذه الوثائق ميثاقين (ميثاق القانون الجنائي ضد الفساد الصادر سنة 1997 عن مجلس أوروبا، وميثاق القانون المدني ضد الفساد الصادر عن مجلس أوروبا)، وكانت واحدة عبارة عن مبادئ غير مُلزمة (المبادئ العشرون الإرشادية لمكافحة الفساد الصادرة عن مجلس أوروبا). طوّر مجلس أوروبا أيضاً آلية مراجعة النظراء لرصد تطبيق تلك المبادئ والمواثيق بما يخص 42 دولة، بما فيها الولايات المتحدة. وطوّر الإتحاد الأوروبي أيضاً عدة وثائق لإرشاد الأعضاء. تشمل هذه الوثائق ميثاق الإتحاد الأوروبي حول الكفاح ضد الفساد الصادر سنة 1997، ويخص الرسميين في المجتمعات الأوروبية أو الرسميين من الدول الأعضاء، والعمل المشترك للإتحاد الأوروبي سنة 1998 حول الفساد في القطاع الخاص. وهناك أيضاً إطار عمل الإتحاد الأوروبي لسنة 2002 حول مكافحة الفساد في القطاع الخاص. ميثاق الاستقرار الذي طُوّر سنة 2000، والذي وقعته سبع دول أوروبية جنوبية، مع آلية مراجعة النظراء الناتجة عنه لرصد التطبيق، يُعرف بمبادرة ميثاق الإستقرار لمكافحة الفساد (SPAI).
في أميركا اللاتينية، تم التفاوض سنة 1996 بشأن الميثاق بين الدول الأميركية ضد الفساد برعاية منظمة الدول الأميركية (OAS) التي أنشأت سنة 2001 آلية مراجعة النظراء لرصد التطبيق. حالياً، هناك 33 دولة،مشاركة في هذه الإتفاقية.
في آسيا، تبنّت 21 دولة في منطقة آسيا – المحيط الهادئ مجموعة مبادئ غير مُلزمة ضد الفساد. هذه المجموعة المعروفة بخطة عمل البنك الآسيوي للتنمية/منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (ADB/OECD) لمكافحة الفساد في آسيا والمحيط الهادئ، تم تطويرها برعاية البنك الآسيوي للتنمية ومنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (ADB/OECD)، كما أن مراجعة النظراء ملحوظة ضمنها للمستقبل. سنة 2004، وافق قادة منظمة التعاون الإقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) على برنامج عمل لمكافحة الفساد وضعته المنظمة، شمل التزاماً قوياً بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة ضد الفساد، والعمل على النطاق الإقليمي لحجب الملاذ الآمن عن الرسميين الفاسدين، وعن الذين رشوهم، وعن أموالهم المكتسبة بصورة غير مشروعة.
في أفريقيا، تم تبني ميثاق الإتحاد الأفريقي لمنع ومكافحة الفساد، من جانب رؤساء الدول في اجتماع القمة الإفريقية الذي عقد في مابوتو، عاصمة موزامبيق، في يونيو 2003. بروتوكول مجموعة التنمية الأفريقية الجنوبية (SADC) ضد الفساد لسنة 2001، الذي يشتمل على إجراءات تبنتها الدول الأربع عشرة في المجموعة المذكورة. سنة 1999، طوّر التحالف العالمي لإفريقيا (GCA) مبادئ غير مُلزمة لمكافحة الفساد تم تبنيها من قِبَل الأعضاء الأحد عشر في التحالف المذكور.
في الشرق الأوسط، تعمل الدول العربية عبر شبكة إقليمية، هي مبادرة الحكم الجيد للتنمية (GfD)، لتقديم الدعم إلى العملية الجارية لإصلاح الحكم وتحديث القطاع العام، ولخلق الظروف اللازمة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية في المنطقة. تُشكِّل محاربة الفساد ركناً أساسياً من العمل، وعلى الأخص بالنسبة للجهود الرامية إلى تطبيق ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
والدول ال37 التي وقعّت سنة 1997 على ميثاق منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OECD) لمكافحة رشاوى الرسميين الأجانب في الصفقات التجارية الدولية، أنشأت آلية مراجعة النظراء لرصد التطبيق. ميثاق منظمة التعاون ضيّق نسبياً وذو نطاق مُحدّد، فهو يُركّز في الدرجة الأولى على استخدام القانون المحلي لتجريم رشوة الرسميين الأجانب.
وأعمال ومبادئ فريق مهمة العمل المالي (FATF) تساهم بشكل كبير بالأجندة الدولية لمكافحة الفساد. فقد وضع الفريق معايير عالمية لمكافحة تبييض الأموال والجرائم المالية في توصياته 40+9، وهو يرصد تطبيق هذه التوصيات. هذه الهيئة ما بين الحكومات تجمع الممثلين عن السلطات المشرفة والنظامية، والمؤسسات المالية لمعالجة إساءة استخدام النظام المالي، ومن ضمنها الإساءة الناجمة عن الفساد.
وخلال السنوات الأخيرة، جعلت مجموعة الثماني (G8)، وهي مجموعة غير رسمية مؤلفة من ثماني دول، هي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، التي اجتمعت لمناقشة السياسات الإقتصادية والخارجية العريضة، جعلت الكفاح ضد الفساد في رأس أولوياتها، بما في ذلك الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد على أعلى المستويات (kleptocracy)، وحجب الملاذ الآمن عن الرسميين الفاسدين، والتنسيق لاسترجاع الأموال المكتسبة بصورة غير مشروعة، ودعم مرشدي الشفافية لتحسين الموازنات، والمشتريات، ومنح الامتيازات، للمحاسبة والشفافية.
وتواصل الإتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد لعب دور أساسي في الإدانة الدولية المتنامية للفساد. فهي تُلزم الحكومات اتخاذ الإجراءات والمساعدة في تسهيل التعاون الدولي والمساعدة الفنية.
وميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) يمثل تطوراً بارزاً في هيكلية الإتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد. فهو يأخذ المواضيع التي قامت بتغطيتها المواثيق الإقليمية والدولية السابقة، وغيرها أكثر، ويجمعها في مجموعة واحدة متكاملة من الإلتزامات. إنها أول اتفاقية دولية تجتذب أكثر من 40 دولةً، مع أكثر من 80 موقّعاً لغاية هذا التاريخ، وسوف تصبح، على الأرجح، أول أداة دولية قابلة للتطبيق عالمياً لا تتعاطى بغير موضوع الفساد. المبادئ التي تم اختبارها لمكافحة الفساد، بما في ذلك أهمية التعاون الدولي، أصبحت الآن مكرّسة كمبادئ عالمية التي يمكن اعتبارها صادرة عن مجموعة من البلدان أو المناطق ذات الميول والتفكير المتشابه.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحكومات تتبنى ببطء ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وترسم عملية المتابعة لتعزيز الميثاق وتسهيل المساعدة الفنية، فإن الإلتزامات والآليات الإقليمية القائمة لا زالت ذات شأن في جعل الحكومات تعمل سوية حول قضايا الفساد، وضمن تركيبة مألوفة ومع شركاء معروفين. علاوة على ذلك، على المُصدّرين العالميين الرئيسيين مواصلة تعاونهم الوثيق والمكثف عبر ميثاق منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية لمكافحة الرشوة، وآليته الراصدة، للحد من ممارسات رشوة الرسميين الأجانب في صفقات الأعمال الدولية. وعلى بلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية ان تبرهن على وجود إرادة سياسية عن طريق فرض قوانينها التي تجرّم مثل هذه الرشاوى.
وفي حين تقدم الأدوات الدولية وأطر العمل المتعددة الأطراف أداة لا تقدر بثمن في الكفاح العالمي ضد الفساد، فان المهمة الشاقة في ترجمة الإرادة السياسية إلى أعمال قابلة للإثبات سوف تظل أساسية.
............ ......... ......... ......... ......... ......... ......
ترانسبيرانسي الدولية شبكة من منظمات المجتمع المدني في أكثر من 90 بلداً تعمل مع الحكومات، والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص للحدّ من الفساد والرشاوى.
الكاتب دونالد إف. كِتَل، هو مدير معهد فلس لأنظمة الحكم في جامعة بنسلفانيا، ومؤلف كتاب النظام تحت الضغط: الأمن القومي والسياسة الأميركية، الطبعة الثانية (2007).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.