مستوطنون في رغد ومغاربة في بؤس وحرمان ساعات من الزمن في ضيافة حي سيدي مومن مليلية كل الدلائل تؤشر على استئناف التعبير عن الغضب في منطقة (كانيادا دي لا موريطي) أو مدينة الموت بمليلية المحتلة، جميع شروط تجدد المواجهات متوفرة، والوضع يقترب جدا من حالة انتظار وترقب بيد أن طرفي المواجهات يجهزون أنفسهم ويلتقطون أنفاسهم بعد أيام من العنف الشديد، فالسكان يواصلون عقد اجتماعاتهم سواء من خلال الجمعيات المدنية التي تمثلهم أو عبر الاجتماعات الطارئة والتلقائية التي تجمع شباب الحي، وترى بذلك مجموعات متفرقة هنا وهناك. ومن جهة ثانية سلطات الأمن والجيش، وحدث أن حلت صباح يوم الأربعاء الماضي دفعة جديدة من قوات الجيش الإسباني ذكرت مصادر متعددة أن عددهم يصل هذه المرة إلى أربعمائة جندي إسباني جاؤوا لحماية المستعمرة من غضب الجائعين والعاطلين. كانيادا.. أو سيدي مومن الدارالبيضاء تماما وكأنك تجوب دروب وزقاق منطقة سيدي مومن بالدارالبيضاء وأنت تخترق شوارع ودروب وزقاق حي كانيادا بمليلية المحتلة جميع عناوين الميز العنصري و(الحكرة) وانعدام المساواة تجدها مجسدة بارزة في هذا الحي الكبير جدا الذي ينتشر على جزء مهم من مليلية المحتلة، ولا يسكنه إلا المغاربة، بحيث يستحيل أن تجد ضمن قاطنيه أي إسباني، والغالبية الساحقة من سكانه عاطلون عن العمل إذ تؤكد بعض المصادر أنه إذا كان معدل البطالة في مليلية يصل إلى حوالي 17 بالمائة، فإن معدل البطالة في هذا الحي المغربي الذي يسكنه سكان مليلية المحتلة الأصليون يتجاوز 60 بالمائة، ولا غرابة في أن تنصت إلى فتيحة محند المغربية من ساكنة الحي تؤكد لممثلي وسائل الإعلام المغربية بكثير من الألم والحسرة أن عمرها الآن 37 سنة لكنها لم تشتغل طوال حياتها عدا ستة أشهر فقط؟ ولا تحتاج إلى جهد ليتأكد لك أن فلول الشباب المغربي المنتشرة في دروب وزقاق الحي إنما تعكس حالة الفراغ المطلق لهؤلاء. الظلم لا ينحصر في الحرمان من الشغل، هذه واحدة فقط، بل الجور يمتد إلى باقي تفاصيل أجزاء الحياة هناك حيث الغالبية من السكان تقطن في منازل ومساكن جد متردية، ولا غرابة في أن ترى أسرة كبيرة تقطن في بيت صغير معلق مهدد بالسقوط والانهيار في أية لحظة من اللحظات، حي وسخ حد القذارة بسبب إهمال السلطات المحلية، حي يفتقد إلى أي مرفق شبابي أو اجتماعي أواقتصادي، حيث يفتقد حتى إلى المؤسسات التعليمية الكافية، وليس غريبا أن يؤكد لك أحد العارفين أن نسبة الهدر المدرسي في هذا الحي تعتبر أعلى نسبة على المستوى الإسباني، وللتعليم هنا في كانيادا أو حي قاميو كما يسميه البعض حكاية أخرى ترويها لنا بعض المصادر، حيث تصر السلطات الإسبانية الاستعمارية أن تكلف أطرا إسبانية بالتدريس في المؤسسات القليلة الموجودة هناك وبث روح التنصير بهدف مواجهة حركات المد الاسلامي التي بدأت تكتسح هذا الحي والحد من خطورتها مستقبلا، لكن عددا من السكان يعارض هذا التوجه ويلح على أن تكون هيئة التدريس من المغاربة المسلمين.حي شاسع بهذه المواصفات والشروط كان من الطبيعي أن يمثل مستنبتا صالحا خصبا لمظاهر العنف والانحراف، الاستعمار الإسباني هناك أراد أن يكرس التهميش الاجتماعي ويجذر العوز الاقتصادي ويحاصر السكان بالفقر والحاجة والجهل، بهدف إضعاف حضور سكان مليلية الأصليين وفسح المجال أمام المستوطنين ولم تكن تدري هذه السلطات ربما أنها كانت بصدد صناعة القنبلة الفتاكة التي تكون قابلة للانفجار في أية لحظة من اللحظات، وقد يكون الوقت قد حان لتنفجر فعلا. حي بكل هذه الحمولة أضحى مستعصيا حتى على رجال الأمن الإسباني في هذا الثغر المحتل، فشباب الحي أضحت أعداده الآن بالآلاف ويستند إلى تضامن تلقائي يمثل، ردة فعل تجاه الأوضاع التي فرضت عليهم، لذلك لا يمكن لأي كائن أجنبي عن الحي خصوصا إسباني وبالأخص من عناصر أمن المدينة أن يلج هذا الحي، وحتى وإن قررت السلطات الأمنية الاستعمارية اعتقال أي منهم من هذا الحي، فإنها تنتظر موعد الفجر ويتم استقدام عناصر أمنية متخصصة من إسبانيا لإنجاز هذه المهمة (الانتحارية). كل هذه العوامل وغيرها كثير مثلت تفسيرات منطقية لانتفاضة شباب ولد في ظل الاحتلال، ولا يعرف عن المغرب غير بعض اللقطات التي تتداولها الأحاديث، ولايتقن غير اللغتين الإسبانية والأمازيغية، وجاء التوقيت المناسب لتفجير الغضب، إنه تلك القنبلة الخطيرة التي صنعتها سلطات الاحتلال الإسباني حينما مارست تمييزا عنصريا خطيرا، وفرت المساكن الراقية للمستوطنين ومنحتهم الأجور الخيالية، ووفرت لهم جميع سبل العيش الرغيد، إن سلطات الاستعمار الإسباني مارست مع هذه الفئة المحظوظة إغراء كبيراً لجلب المستوطنين وإقناعهم بالاستيطان والاستقرار بيد أنها ألقت بالسكان الأصليين إلى هوامش الفقر والانحراف والجريمة والتهميش، تماما كما يفعل الاحتلال الاسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني البطل... إن الاحتلال ملة واحدة.