ندوة دولية لإبراز الدور التاريخي والحضاري والعلمي والديني للعلامة الشيخ ماء العينين والدفاع عن الارتباط الوثيق بين شيوخ قبائل الصحراء والعرش العلوي المجيد وعن مغربية الصحراء.والمشاركون يبرزون دور تجربته الفقهية المتفاعلة مع الأحداث الاجتماعية والسياسية التي كان المغرب مسرحا لها إباء القرن ال` 19. شكل تخليد الذكرى المائوية لرحيل الشيخ ماء العينين مناسبة أكدت خلالها شخصيات مغربية وأجنبية اجتمعت في إطار ندوة دولية بتزنيت لاستحضار حياة وعمل وطني كبير وعالم بارز ونضاله ضد الاستعمار ومن أجل وحدة المغرب. وذكر وزير الدولة السيد محمد اليازغي في كلمة بهذه المناسبة بأن مسار الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل المزداد سنة 1831 يرمز لإحدى الصفحات المجيدة للمعركة ضد الاستعمار التي كانت حينها في ذروتها. وقال إن الشيخ ماء العينين رجل العلم والتصوف والجهاد نجح في توحيد صفوف مختلف القبائل لإسقاط المخططات الانفصالية التي حبكها المستعمرون جنوب وشمال المملكة. وأضاف السيد اليازغي أنه يتعين أن تشكل حياة هذا الوطني الكبير، الذي شارك في المعركة التي خاضتها المملكة ضد المستعمر الفرنسي والإسباني في جنوب ووسط وشمال المملكة، نموذجا بالنسبة لجميع المغاربة. وبعد أن ذكر الوزير بالتضامن التام والدعم اللامشروط للمغرب تجاه الجزائر طيلة فترة معركتها من أجل الاستقلال، أعرب عن أسفه لكون القادة الجزائريين اختاروا بعد ذلك معاكسة حقوق المملكة من خلال مواصلة السياسة التي كان يعتمدها المستعمر عبر تشجيع الانفصال بخلق "البوليساريو". ومن جانبه، وباسم العصبة العالمية للشرفاء الأدارسة، توقف السيد شهمومو إدريسي من ليبيا عند العمل الخصب للشيخ ماء العينين كتراث عالمي وكذا عند إشعاع الزاوية المعينية التي كان مؤسسا لها. وأشاد المتدخل بالمعركة التي خاضتها هذه الشخصية البارزة ضد المستعمر ومن أجل حماية وحدة الأمة والإسلام، مشددا على ضرورة استلهام المثل والقيم التي كان يدافع عنها الراحل، من خلال العمل من أجل الوحدة المغاربية عوض الاستسلام للمحاولات الانفصالية التي مصيرها الفشل لا محالة. وذكر السيد محمد فاضل ماء العينين، باسم التنسيقية الوطنية لتخليد الذكرى المائوية لرحيل الشيخ ماء العينين، بالروابط المتينة التي ظلت قائمة بين الفقيد، الذي دفن بمدينة تزنيت التي توفي بها سنة 1910، وبين العرش العلوي. وقال إن هذه الروابط تتجسد من خلال المعركة المشتركة ضد المستعمرين الفرنسي والإسباني، بالإضافة إلى العناية الموصولة لمختلف الملوك العلويين خلال بناء مدينة السمارة، ثم من أجل إشعاع الزاوية ونشر أعمال العالم الراحل. وشكلت هذه الندوة، التي ميزت تخليد الذكرى المائوية لرحيل الشيخ ماء العينين بتزنيت، مناسبة تمكن خلالها متدخلون بارزين من موريتانيا والسينغال وقطر والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا إلى جانب جامعيين مغاربة من الوقوف على مختلف أوجه حياة وأعمال هذا العالم المعروف بتمكنه من علوم الدين وشعب علمية أخرى. ويتضمن برنامج هذه التظاهرة معرضا لكتب ومخطوطات الكاتب وإحياء أمسية دينية بضريح الشيخ ماء العينين، إضافة إلى أمسية للأناشيد الصوفية بمشاركة مجموعات متنوعة من مختلف جهات المملكة. و أبرز المشاركون في ندوة (الشيخ ماء العينين .. مسيرة من النبوغ والتميز)، التي تواصلت أشغالها البارحة السبت بالرباط ، أن التجربة الفقهية لهذا العلامة تفاعلت مع كل الأحداث الاجتماعية والسياسية التي كان المغرب مسرحا لها إباء القرن ال` 19. وأكد المشاركون، خلال هذه الندوة التي ينظمها منتدى السمارة لحوار الحضارات والتي خصصت لإبراز الإسهامات الدينية والفكرية والاجتهادات الفقهية للشيخ ماء العينين بمناسبة الذكرى المائوية لرحيله، أن "الحركة الصوفية" التي قادها الشيخ ماء العنين، لم تكن بمعزل عن القضايا الأساسية للمجتمع المغربي. وشددوا على الدور البارز الذي اضطلع به الشيخ ماء العينين من خلال إسهاماته العلمية في مجال الفقه والأصول التي تنهل من المذهب المالكي السني الوسطي، مع النظر إلى قضايا عصره مثل قضايا الوحدة والسيادة والوطن والمرأة والتربية والتعليم واللغة العربية. كما أبرزوا خلال هذا اللقاء، الذي ينظم بشراكة مع وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وبتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ووكالة بيت مال القدس والرابطة المحمدية للعلماء، الدور الفعال للشيخ ماء العينين في نشر الإسلام في عدد من الدول الافريقية. وأكدوا على الطابع الإصلاحي والجهادي الذي تميز به الشيخ ماء العينين، حيث تحدى المد التبشيري لحركة " الآباء البيض "، التي كان يتزعمها الكاردينال لافيجري -أسقف الجزائر- بنشر الدعوة الإسلامية انطلاقا من الجنوب المغربي بمنطقة (التوات). وتناولت المداخلات أيضا سيرة العلامة الشيخ ماء العينين وعلاقاته بملوكه وأمرائه وأعيانه وعلمائه وصلاته بمختلف مكونات المجتمع المغربي. كما تطرق المشاركون إلى "الإسهامات الوحدوية" التي اضطلع بها العلامة الشيخ ماء العينين ودوره في خدمة ثوابت الأمة وترسيخ البيعة، حيث كان دائما ملتزما ببيعة الملوك العلويين في ارتباط دائم بين الصحراء المغربية والعرش العلوي المجيد. وتروم الندوة، التي تنظم على مدى يومين، الدفاع عن الارتباط الوثيق بين شيوخ قبائل الصحراء والعرش العلوي المجيد، والدفاع عن مغربية الصحراء، وكذا رد الاعتبار لمدينة السمارة بإعلانها عاصمة لحوار الحضارات على صعيد المملكة المغربية، حتى تكون فضاء للحوار الثقافي والروحي والفردي بين ممثلي الأديان والحضارات. كما استعرض المشاركون في الندوة الدولية حول موضوع "الشيخ ماء العينين .. الرمز الشامخ في ترسيخ وحدة الأمة"، مساء اليوم الجمعة بالرباط، دور الشيخ ماء العينين كرجل علم ودين وجهاد في الدفاع عن سيادة ووحدة الوطن. وأكد المشاركون خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة، التي حضرها أعضاء من الحكومة وزعماء أحزاب سياسية وسفراء، أن الشيخ ماء العينين يعد من أعلام المغرب وأقطابه الماهدين وعلمائه الأجلاء، كان عالما عاملا ومقاوما شجاعا ومجاهدا ألمعيا وقطبا ربانيا كرس حياته لنشر ثقافة الحوار بين الحضارات والأديان، وتجديد الحياة الدينية والعلمية والروحية بالصحراء. وبهذه المناسبة، قال الأستاذ عباس الجراري، عضو أكاديمية المملكة المغربية، إن الشيخ ماء العينين من أبرز الشخصيات التي عرفها المغرب في تاريخه الحديث، مشيرا إلى تجند الراحل للجهاد الوطني المتمثل في العمل السياسي والمقاومة المسلحة والإيمان بالدفاع عن حوزة الوطن ضد ما يتهدده من عدوان وتحرشات. وأضاف الأستاذ الجراري أن الشيخ ماء العينين قاد حركة صوفية سنية سلوكية معتدلة ضد كل الانحرافات التي تعرضت لها الصوفية، وذلك من خلال إنشاء زوايا في الصحراء وفي شمال المغرب، مشيرا إلى أن إحياء الذكرى المائوية لرحيله تعد مناسبة لاستحضار شخصيته متعددة الجوانب، واستلهام القيم التي كان يدافع عنها وخاصة الدفاع عن حوزة الوطن. من جهته، قال السيد فتح الله ولعلو، رئيس مجلس مدينة الرباط، إن الاحتفال بذكرى رحيل العلامة المجاهد الشيخ ماء العينين يدل على أن الأمة المغربية ساهرة على الحفاظ على ذاكرتها الوطنية، حاضرة تذكي روح الاعتزاز بالوطن والدفاع عنه. وأضاف السيد ولعلو أن الرسالة الخالدة للراحل ما تزال قائمة إلى الآن في نفوس جميع المغاربة، ويتعين نشرها والتعريف بها، مشيرا إلى أن آراء الشيخ ماء العينين الفكرية المعتدلة التي تنادي بالتسامح والسلام عمت ربوع المغرب والعالم. من جانبه، أبرز السيد أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء أن الشيخ ماء العينين كان يتحلى بخصال عديدة من بينها نسبه الكريم وشرفه التليد الذي يمتح من المعين النبوي الصافي، وتجسيده للعالم العضوي على اعتبار أنه لم يكن منفصلا عن هموم محيطه، وكذا مقارنته للعلم بالعمل. وأضاف السيد العبادي أن الشيخ ماء العينين كان يحمل هما وحدويا بامتياز قبلي وجهوي ووطني وقاري، تشهد على ذلك رحلته الحجازية، مبرزا أن الراحل ذو كفايات نادرة في التأليف والتصنيف في مجال الطرح والنشر واكبها بمهارات البيان والتوضيح، فكان بذلك توحيديا حتى في التأليف. من ناحيته، أبرز السيد مصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في كلمة تليت بالنيابة عنه، أن الشيخ ماء العينين، الرمز المشع، تعددت مناقبه ومآثره على كافة الأصعدة إعلاء للعقيدة الإسلامية ولراية الوطن والذي سجل أروع الصفحات في ملحمة الكفاح الوطني في مواجهة الأطماع الاستعمارية والتصدي للاحتلال الأجنبي في ملحمة بطولية تحريرية ووحدوية بين مكونات الشعب المغربي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بقيادة العرش العلوي المنيف دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية والذود عن المقومات الراسخة والهوية المغربية المتأصلة والمتجذرة. وذكر السيد الكثيري بأن الشيخ ماء العينين كرس حياته للدفاع عن حوزة الأمة وسيادتها الوطنية بالتحام مع الملوك العلويين الأماجد، حيث كلفه السلطان مولاي عبد الرحمان سنة 1870 بتوطيد جسور التواصل مع القبائل الصحراوية، كما تولى الشيخ أمور الأقاليم الصحراوية بمقتضى ظهير صادر عن السلطان مولاي الحسن الأول، وجدد السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1896 ما كان بحوزة هذا المجاهد من ظهائر وفتح له زاوية بمراكش. وأبرز السيد الكثيري أن استعراض روائع الكفاح البطولي الوطني والوحدوي للشيخ ماء العينين طافح بالدلالات العميقة والإشارات القوية والأبعاد الوحدوية للمقاومة وحركة التحرير وما اتسمت به من مظاهر الوحدة والتلاحم بين أبناء المغرب قاطبة في أقصى تخوم الصحراء إلى أقصى ربوع الشمال في انسجام تام وتواصل تفاعلي وتكاملي منقطع النظير لمواجهة الاحتلال الأجنبي. من جهته، أبرز السيد عبد الإله بن عرفة، في كلمة باسم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) أن الشيخ المحتفى به رجل في أمة، فهو صاحب مدرسة إحسانية كان لها الفضل الكبير في توحيد القبائل الصحراوية ومواجهة المستعمر الأجنبي وإحياء الحياة الفكرية والدينية بالصحراء المغربية. وأضاف أن الشيخ ماء العينين كان قائدا محنكا وزعيما مهابا وعالما موقرا وشيخا ربانيا، مشيرا إلى أن دعوته الوحدوية بين الطرق الصوفية تجلت في شعاره الذي جعله عنوان لأحد منظوماته بقوله "إني مخاو لجميع الطرق"، وهو الأمر الذي جعل من دعوته للإخاء هذه بابا من أبواب توحيد قبائل المغرب في وجه المستعمر، لكونه كان يدرك دور التربية الروحية في استنهاض الهمم وشحذ القلوب وتزكية النفس. بدوره، قال الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، إن الراحل يعد أحد العلماء الذين ساهموا بعلمهم وجهادهم من أجل الحفاظ على سيادة الوطن ووحدته، كما أنه ساهم في إذكاء روح الحوار بين الحضارات والثقافات مما يدل على عمقه الفكري، معتبرا أن تكريم العلماء هو تنويه بالفكر والنهج وهو صورة للوفاء لمن قدموا خدمات جليلة لدينهم وبلدهم. واستعرض الشيخ محمد الحسن ولد الددو، رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، في مداخلته، المناقب العلمية والأخلاقية للشيخ ماء العينين وشخصيته السياسية الساعية إلى توحيد الأمة، معتبرا إياه من رموز توحيد الأمة المغربية في التصدي لأعدائها. من جانبه، قال الشيخ يوسف جمعة سلامة، النائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك، إن الشيخ ماء العينين حرص على جمع الشمل وتوحيد الكلمة وإزالة أسباب الفرقة والخصام، مشيرا إلى أنه إذا كان الشيخ ماء العينين قد رحل بجسده، فإن أعماله وآثاره بقيت جالية من خلال كتبه وتراثه والزوايا التي أنشأها. وأشاد الشيخ جمعة سلامة، بالمناسبة، بالدور الذي يضطلع به المغرب في المحافل الدولية من أجل الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وخاصة مسألة القدس الشريف، تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. يشار إلى أنه تم خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة الدولية، التي نظمها منتدى السمارة لحوار الحضارات، بشراكة مع وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وبتعاون مع منظمة (الإيسيسكو)، والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، والرابطة المحمدية للعلماء، في إطار إحياء الذكرى المائوية لرحيل الشيخ ماء العينين، عرض شريط وثائقي عن سيرة العلامة الشيخ ماء العينين. وانكب المشاركون في أشغال هذه الندوة على دراسة ثلاثة محاور تتعلق ب`"الاسهامات الدينية والاجتهادات الفقهية للعلامة الشيخ ماء العينين" و"الأبعاد التاريخية والحضارية في سيرة الشيخ ماء العينين" و"قضايا حوار الأديان والحضارات والثقافات".