.......................................................................... سامية الكعواشي وزهرة زاوي ومارية دادي وجميلة بويدوح أربع حكايات متشابكة لنساء توحدن في الفعل، وفي الاصرار على تغيير معالم الشأن الاجتماعي في مجتمع محافظ ، كل واحدة منهن اختارت خانة ودربا لفعلها: سامية الكعواشي نذرت نفسها لصناعة الفرح، بأن تسلخ العتمة عن مدشر تمده بطريق تكون سالكة لسيارة إسعاف، وفي أن تعيد للعيون صفائها... وزهرة زاوي جعلت من "عين الغزال" مركزا إجتماعيا لفك حالة التهميش عن المرأة بجهة أنكاد، ووهبت نفسها للدفاع عن حق الإنسان، فيما اختارت أستاذة التاريخ مارية دادي مدينة وجدة لإعادة صياغة سيرتها من خلال الوثائق والتراث والطرب الغرناطي والعمران ومباهج الحياة. جميلة بويدوح اقترنت بعالم الجمال وشغف الألوان تحتسي منها وتأمل في تغيير واقع لايبعث إلا على الإحباط. "لالة فاطمة" رسمت صورا قلمية لهؤلاء النساء اللواتي لهن حضورا في قلب الحدث ومظاهر الحياة الوجدية. سيدة لا تتصدر نشرة الأخبار سامية كعواشي طبيبة ورئيسة جمعية الصفاء، سيدة لا تتصدر واجهة نشرة الأخبار لأنها إختارت أن تعمل في صمت، نذرت نفسها لصناعة الفرح، وأن تفتح فسحة أمل لمجهولي العناوين المنفيين في الحياة، تسلخ عنهم العتمة بمد طريق تكون سالكة لسيارة إسعاف تحمل وليدا يريد أن يرى النور. تخيط المسافات رفقة فريقها صوب بوعرفة أوفكيك، لتتفقد أحوال حالات إجتماعية وتجدها في أقصى عزلة، وفي أشد حالات الإحساس بلا جدوى، لتكون نصوصها الأولى سجل الإحتياجات، وتعكف على وضع المشاريع وتعيد تأسيس الحلم، تلوح بيدها لأفق جديد.... هي الآن تبحث عمن يمول مشروعا، ينتهي المشروع وتبدأ مشروعا جديدا، قد يكون مركزا لترويض المعاقين، أو مقرا إجتماعيا للجمعية، أو إقامة خيمة طبية في بادية إقليموجدة تعيد للعيون صفاءها. وفي تخوم هذا العالم تهب المدينة نفقا تضيئه إمرأة، حتى وإن حاذرتها بأدب القرية وأخلاقيات المنع بتمائمها وعاداتها، لكن سامية آمنت بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ، وأن الشارع المقرون في ذهنية المحافظين بالإثم هو طريق نحو الله، ونحو الإنسان، وسامية بقدر ما آمنت بالله وآمنت بالإنسان كان ذلك حافزها نحو الخير ونزوعا نحوه، تجسد الأفكار أفعالا وبثبات الصادق تعد ولاتكذب. لم تذهب للسياسة حتى لا تصاب بداء إسمه الدجل و الكذب و النفاق، لأنها طبيبة تعي حكمة الوقاية أحسن من العلاج"، وبهذه الحكمة أرخت لسياسة جميلة تمنح العزم للرحيل نحو الأقاصي لتوفر للناس هامشا للعبور وتمحي ما فعله السفهاء من إغلاق للأقواس على المداشر. سامية تسعفها المواقيت، توفر من سماء روحها وقتا لمائدة الإفطار والغذاء و النزهة ولمسرات الزوج وطفلين كبرا وشد ساعدهما وتوجا مسارهما الدراسي بنجاح لتوفر وقتا إضافيا يمتصه أطفال قادمون من كل تخوم أنجاد، لتبقى سامية موصولة بالإنسان، وفي قلب هذه الصلات علاقات صداقة متجددة على الدوام، خاصة إذا كانت عميقة وتنتمي الى مقعد الدراسة كما هو الحال مع أمينة بن خضرا وشكيب بن موسى، إذ لا زال الود وتبادل الزيارات متبادلا منذ" ليسي ديكارت" حتى وإن تفرقت السبل والمواقع ، لأن الصداقة الحقيقية لا تضيع في جغرافية حروب الزمن إذ تظل حية في القلب. مؤرخة وجدة مارية دادي، سيدة تشبه الوداعة كما قال الشاعر وتصغي الى سرديات المؤرخ، وتقرأ ليل الحكاية الذي دثر مدينة وجدة من التأسيس إلى سنة 1830، ولتمسح عن تسمياتها مالحقها من تفسيرات سطحية تعود إلى أقدم المصادر التى ذكرت مدينة وجدة، وتحيلنا على مارمول الذي يقول:" إن بطليموس يجعل هذه المدينة في الدرجة التانية عشر طولا والثالثة و الثلاثين عرضا ، ويسميها لانكار"، تقف مارية على تحريف الإسم من أنكاد إلى أنكار، وتسافر بنا في جغرافية الخرائط والسكان وتصاميم الأحياء والأحداث التى طبعت سيرة المدينة، وتتبع عمرانها والتعريف برجالاتها، لأن عقل دادي موشوم بالأسئلة فهي لا تحاصر سيرة المدينة في البحث الأكاديمي، ولا تبحث عنها في الوثائق فقط فتنطلق لتتلمس دروبها، أحجارها، أشجارها، في رقرقات الجداول، في الطرب الغرناطي، في مباهج الحياة، في مراسم الصوفية... هكذا علمت الرحلات دادي أن ما درسته مثلا عن أهرامات مصر ليس ما شاهدته بأم عينها، وراحت تردد "من رأى ليس هو من سمع أو قرأ" ومن أجل متعة المعرفة لا تجد حرجا في أن تصعد أسوار المدينة أو إلى مئدنة المسجد لتأخذ مقاساتها، وفي أن تعقد حوارات مع الرجال بحثا عن معلومة وأن تحضر محاضرة أو نشاطا ثقافيا قد تكون فيه هي المرأة الوحيدة، وفي أن تخالط آلاف الرجال من أساتذة وطلبة دون أن تفقد هيبتها في مدينة محافظة كانت هي المولد والمنشأ، وبها درست ومنها هاجرت لتعود إليها أستاذة في شعبة التاريخ بكلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الأول. تحمل دادي الفاسية الأصل حبا كبيرا لهذه المدينة التى زجت بها في متعة البحث وهي مدينة لزواجها المبكر من فاسي الذي حررها من آسار أجواء عائلة محافظة، فالأب رحمة الله عليه كان رجلا مثقفا ورجل دين لا يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، لكن الزوج كان أكثر إنفتاحا من الوالد إقتنع بموهبتها وكان لها خير سند، رزقت منه بثلاث أطفال ورزقت مدينة وجدة بإمرأة وحيدة مختصة بتاريخها وفي ثراثها الثقافي، والرمزي والعمراني. تطريز بالصباغة جميلة بويدوح شابة ترتب لوحتها لتشد على ما تبقى من الحلم، متلحفة بالإصرار على المضى في جوف القماش، ترسم العبارة الساكنة بلغة اللون: هذه رسالتي وإن كره الكارهون، وإن رفض المحيط الصغير والكبير، حيث التشكيل لازال مضمارا هامشيا ها هناك، ولم يكسب بعد الإعتراف كمنجز ثقافي وحضاري، وأحرى أن تنخرط فيه نون النسوة. في بوح حميمي ترصد جميلة" للالة فاطمة" وطأ المجتمع الوجدي المحافظ على الفتاة، إذ يعتبرأن التحصيل الدراسي بالنسبة لها طريق ليست سالكة إلا نحو البطالة والعنوسة. جميلة وردة هيئت لنفسها تربة وجوف ماء، غدت نفسها بالتكوين ومن فن تصاميم الأزياء انتقلت إلى الصباغة، لم تستطيع كبث مواطن الرغبة العميقة لأجل بناء معنى وجودي وفسح مجال لقوة تعبيرية طافحة. جارت الزمن حين جار عليها الأهل بخطيب لم يستطيع مسايرة طموحها وإحترام كينونتها الإنسانية والإبداعية، فراحت تسير بين بابين، باب للزواج يقفل عتمة النور، وباب يؤدي إليها، فأيهما تطرق؟ من يخرص صوتها أو الذي يشع لإشراقاتها، فركبت الخيار الصعب حتى لا تضيع إلى النهاية كما ضاعت منها المدرسة. إحتمت بلوحاتها من العاصفة،إحتضنتها، شقت طريقها بكد، تراكم العمل بمعدل 8 ساعات في اليوم ولوحة في شهر ومعرضا من أربعين لوحة سنويا، ينسل الى فضاءات الصناعة التفليدية بجانب عروض الأزياء، الأجانب كانوا زبنائها الوحيدين وإن راحت للسوق لبيع لوحاتها تحس كمن يحضن سلعة مهربة. تدثرت بالأوجاع التى شلت خطواتها أمام واقع لا يبعث إلا على الإحباط حتى رأت في المنام رؤية تبشرها بقرب الفرج، ليتحقق الحلم مع زيارة جلالة محمد السادس لمدينة وجدة ليفتح مجموعة من الأوراش الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ولتعرف هذه المدينة تدشين أول رواق لعرض اللوحات، كانت فرحتها كبيرة، وكانت أجمل وهي تلتقي ملك البلاد على هامش حفل التدشين، لتحتفظ بهذه اللحظة في القلب وفي صورة تدكارية مع جلالته، شكلت لها فأل خير. يأتي مهرجان الراي ليوفر لها فرصة اللقاء مع مثقفين وإعلاميين وكانت "لالة فاطمة" أول منبر إعلامي يعرف بها ويفسح لها مجال البوح ويقربها من القريبين والبعيدين خاصة أولئك الذين يعتبرون أن مدينة وجدة تحتاج إلى جواز سفر .... بل إنها توجد في خريطة الوطن ، وبقدر ما هي مدينة" للالة فاطمة" كما جاء على لسانها فإنها توصيها بأن تستمر في تسليط الضوء على الطاقات النابتة في الهوامش. محرضة النساء زهرة زاوي : متهمة بالدفاع عن حق الانسان والذين وضعوا لها صك الإتهام إنطلقوا في مرجعياتهم من نفي كائن لا يعدو سوى إمرأة أوشيئا لا يتسع له عقل صيق أن يحمل صفة الإنسان. حين أسست جمعية "عين الغزال 2000" المركز الإجتماعي للمرأة ورسمت له من الأهداف مقاربة مساواتية تهدف إلى الحد من كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، نعثت بتحريض النساء ضد الرجال، دون أن يكلف الناعثون نفسهم عناء السؤال: كيف" لمنزوع العقل والمنزوع الروح" أن يكون في موقع الفعل؟ فهل الذي لا يفكر موجود؟ وهل الذي سرق منه القهر وجوده قادر على التغيير؟. في الصحراء التى نبثت فيها زهرة لا شىء يستحيل، تمعن في واقع المرأة بالمغرب الشرقي فتجدها مبعدة عن مواقع القرار وأنها غير ممثلة إلا في حدود ثمانية نساء على صعيد الجهة ككل، وأن المرأة لا تحظى بحقها في التمدرس وفي ولوج عالم الشغل بطريقة عادية، ومحرومة من حقوقها البسيطة الأولى وبإسرارها وإيمانها بالتغيير فإن زهرة تعتبر أن المنطقة لا يمكن أن تنهض و تنطلق إنطلاقة حقيقية إذا كان نصفها الآخر يعيش على الهامش، مؤكدة على أن مشاركة المرأة في السياسة وفي حركة المجتمع المدني هي الوسيلة لإحداث التغيير ونيل الحقوق على أن هذه الأخيرة تنتزع ولاتعطى، والمدخل إلى ذلك هو وعي المرأة لذاته، لكيانها، لفعاليتها، لوجودها، وهي عملية لن تتحقق ذاتيا بل تتطلب تضافرا لجهود كل الأطراف السياسية والإجتماعية، وبأن تعمل المرأة من جهتها للإستفاقة من غفوة السنين والقرون، فليس الرجل وحده هو المنذورليلعب كرة القدم بل المرأة كذلك، إذا ما استطاعت محو هذا الإعتقاد الخاطئ والبسيط وقس على ذلك من معتقدات أعقد بكثير تمس جوهر كيانها الإنساني. زهرة نبثت في مفاصل شجرة متفتحة الأغصان لدى تعتبر نفسها محظوظة في إستكمال مشوارها الدراسي وولوجها مهنة الدفاع عن الحق لن يكتسب معناه إلا حين يتحول إلى فعل وتتحول معه زهرة عجينا وملحا للأرض التى أنجبتها. وسيرا في نفس المسار إنخرطت وأسهمت في الإستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء، مترجمة أبعادها من خلال جمعية تنموية يتطور إشعاعها يوما بعد يوم في منطقة تسعى للخروج من التهميش وتعيش الآن وضعا إنتقاليا بدد الكثير من المياه الراكدة.