(رجال الدين يناقشون استراتيجيات بناء مجتمعات رحيمة) شيكاغو،- في المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية بيّن حاخام يهودي وقسيس مسيحي وإمام مسلم أن الحوار بين الأديان يشجع على ما هو أكثر من مجرد التفاهم بين الأديان، إذ إنه يخلق مجتمعات مسالمة تقوم على أساس القيم المشتركة بين العقائد السماوية. وخلال الجلسة التي عقدها المؤتمر تحت عنوان " إنشاء مجتمعات رحيمة من خلال الشراكة والتعاون بين الأديان" ناقش رجال الدين الثلاثة كيف يمكن لأتباع العقائد الثلاث العمل معا للتغلب على الانقسامات التي تضعف المجتمعات. فقال الدكتور سيد سعيد مدير مكتب التحالف بين الأديان والمجتمع بالجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، إن المسلمين الأميركيين ينجحون حينما يصبحون ناشطين في المجتمع ويخلقون حوارات مع أصحاب التجارب المشتركة من أتباع العقائد الأخرى. ثم أضاف "إن ترسيخ الجالية المسلمة في أميركا كان مستمدا من ديمقراطية تعددية، حيث إن قوتنا كانت دائما مستمدة من أصحاب العقائد الأخرى الذين خاضوا النضال نفسه عبر القرون. وإننا بصفة خاصة نحمد الله على منحنا تلك الفرصة الفريدة لتأسيس تحالفات وعلاقات إخوة مع أتباع العقائد الإبراهيمية الذين يسّروا لنا عملنا في أميركا." وتحدث مايكل كينامون، الأمين العام للمجلس القومي لكنائس المسيح بالولايات المتحدة، عن ثلاثة أساليب لبناء مجتمع رحيم. فقال: " ما هو المقصود بعبارة مجتمع رحيم؟ إنه الإحساس بالأسى أو بالفرحة فيما بيننا، والترحيب بالغرباء حتى ونحن نشهد الترحيب بنا ونعتني سوية بأكثر المعرضين للخطر في مجتمعنا، وكل هذه الأشياء نستطيع فعلها كشركاء في الحوار بين الأديان." ولكي يؤكد تأثير الحوار بين الأديان على المستوى الشخصي، تحدث كينامون عن وفاة والده في الآونة الأخيرة. فالارتباط بالآخرين والتواصل معهم، من أجل أن تتفهم أحزانهم وأفراحهم، جزء لا يتجزأ من المجتمع الرحيم. ثم أضاف "لا بد أن أعترف بأنني قبل عشر سنوات، لم أكن لأتحدث معكم عن خبر وفاة والدي، لأنه لم يكن لدي الإحساس بالارتباط والتواصل، والإحساس بالمجتمع الذي يجعل له معنى. لم أكن لأطلب من جار مسلم أن يشاركني أحزاني وذكرياتي، ولكن شكرا لله وشكرا للسنوات العشر من الحوار والشراكة، بما في ذلك مع "إسنا" بصفة خاصة، فإنني الآن أدرك أننا مجتمع من مخلوقات الخالق المهيمن نفسه." والترحيب بالغرباء مبدأ مشترك بين اليهودية والمسيحية والإسلام. وبعد أن قرأ آية من القرآن لإثبات وجهة نظره، قال كينامون هناك سوابق دينية وتاريخية موجودة تدل على أن المسيحيين رحبوا بالمسلمين في مجتمعاتهم. ثم أشار إلى أنه "إن لم يكن جيرانك المسلمون مرحبا بهم، فإننا نكون أيضا غير مرحب بنا. وإذا تعرضتم للتهديد نكون نحن أيضا معرضين للتهديد. وبهذا المعنى، فإن كيفية ترحيبنا بجيراننا المسلمين هو اختبار عملي لما إذا كنا نحن المسيحيين نعيش في مجتمعات رحيمة." أما الحاخام جيريمي شنايدر من معبد شالوم في دالاس، فإنه يعرف مغزى عبارة الترحيب بأبناء السبيل أو بعابري السبيل. وفي الواقع فإن المسلمين رحبوا به في القاهرة ودمشق أثناء مهمته للحوار بين الأديان من أميركا إلى المنطقة. فقبل ثلاث سنوات اختار زعماء المسلمين واليهود في مؤتمر إسنا 10 مساجد و10 معابد يهودية للقيام بمهمة الحوار بين الأديان، وكان معبد شنايدر بين التي وقع عليها الاختيار. وكان العمل مع المسلمين تحديا بالنسبة له على المستويين المهني والشخصي. وأضاف أنه "لذلك السبب فإنني أقول إنني ممتن." وأشار شنايدر إلى أنه حينما كان يتحدث في معبده، كان يتحدى ويواجه فكرة "الذعر من الإسلام" الموجودة بين جاليته وجاليات أخرى. لقد قلت لجاليتي إننا ينبغي أن نتغلب على مخاوفنا وأن نعترف بجهلنا ولجوئنا إلى الصور النمطية السلبية. ويجب أن نعرف ما هو الإسلام حقيقة، ليس من السياسيين، ولا من الرسائل الإلكترونية، وليس من وسائل الإعلام، وإنما من المسلمين أنفسهم بالدخول في حوار معهم." وأضاف أن حوار كل منا مع الآخر وجها لوجه ، حتى ولو لم يكن مريحا، إلا أنه مفتاح بناء مجتمع قوي. وأشار شنايدر إلى أن "لكي نرى مزيدا من الأصدقاء في مجتمعاتنا، لا بد أن نكون على استعداد للابتعاد عن المنطقة المريحة بالنسبة لنا. فالحوار لا يعني الفوز في الجدل أو تغيير المعتقدات، إنه فعل منضبط للتواصل والإنصات." من جانبه أكد عبد الملك مجاهد رئيس مجلس إدارة مجلس الأمناء بالمجلس البرلماني لعقائد العالم، على أهمية الحوار بين الأديان في الربط بين الشعوب. وقال "إن العقيدة عبارة عن علاقة ارتباط، ليس بين الفرد وربه فحسب، وإنما أيضا بين أنفسنا والآخرين. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يجب على أصحاب العقائد تطبيق تقليد الارتباط على مستوى أوسع نطاقا." وقال مجاهد إن صياغة الحوار مع المسلمين على المستوى الشخصي ستغير مفاهيم الأميركيين عن الإسلام. وفي إشارته إلى استطلاع للرأي عن وجهات نظر الأميركيين عن الإسلام والمسلمين، قال مجاهد إن العاملين في الاستطلاع كانوا يريدون معرفة السبب في أن أكثر من ربع الأميركيين كانت لديهم وجهة نظر إيجابية عن العقيدة. ثم أضاف أنه "حينما سألوهم عن السبب، كان العامل المشترك هو أنهم يعرفون شخصا مسلما. إن التفاعل والارتباط بين البشر عامل مهم جدا، وهذا هو ما يحققه الحوار بين الأديان." ودعا مجاهد المسلمين والمسيحيين واليهود إلى تجميع مواردهم لمحاربة تحديات الفقر والتعذيب والعنف، كوسيلة لبناء مجتمعات تقوم على السلام والعدل. من ناحية أخرى فإن كيث إليسون، عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديمقراطي من ولاية مينيسوتا، وهو أول مسلم يُنتخب للكونغرس الأميركي، عرض وجهة نظره في أهمية تنشيط الحوار بين الأديان. وقد قرأ ابنه آيزيا إليسون رسالته إلى جلسة المؤتمر. قال النائب في رسالته "إن تقاليد عقيدتنا مختلفة وحينما نُدعى إلى العبادة، فإن ذلك مهم بالنسبة لنا. وإننا كبشر، فإن سلوكنا في السعي إلى وجه الديّان يكون عزيزا علينا، ولكن الدعوة لخدمة الإنسانية ليس شيئا فريدا من نوعه، فوجود الديّان يدعونا جميعا إلى خدمته. وإننا ندرك وجود الاختلافات، ولكننا من خلال التفاعل فيما بيننا، يمكن أن يتعرف كل منا على الآخر وألا نتشاحن فيما بيننا على الإطلاق بعد ذلك. لدينا فرصة أن نتعلم من أفضل الموجودين بيننا الذين يقدمون العبادة المخلصة من خلال خدمة الآخرين."