عرفنا الكثير عن بطش الإسرائيليين بالعرب. ولم نسمع إلا أخيراً عن ازدرائهم بأصدقائهم الفرنسيين. على الأقل فقد كان ذلك مفاجئاً لي، حين وقعت على مقالة عنوانها «تل أبيب تدوس على حلفائها»، كتبها آلان جريش، مدير تحرير مجلة «لوموند دبلوماتيك» (يهودي ليبرالي)، نشرتها الطبعة العربية للمجلة في عدد أول أبريل الماضي. وفيها أورد صاحبنا المعلومات التالية، في ديسمبر 2009 طوقت الشرطة الإسرائيلية المركز الثقافي الفرنسي في القدس بهدف اعتقال مسؤولين فلسطينيين كانوا موجودين هناك، وفى 22 يونيو من العام ذاته اعترض جنود إسرائيليون طريق مديرة المركز الثقافي الفرنسي في نابلس ، وأجبروها على النزول من سيارتها الديبلوماسية، ثم طرحوها أرضاً، وأوسعوها ضرباً، حتى أن أحد الجنود صرخ في وجه المديرة مهدداً «يمكننى أن أقتلك». وأثناء الهجوم على قطاع غزة، في يناير عام 2009، تعرض منزل الموظف القنصلي الفرنسي المعتمد، مجدي شكورة، للتخريب على يد جنود إسرائيليين نهبوا منه أموالاً، ومجوهرات. وفي الشهر ذاته، تعرضت سيارة القنصل الفرنسي في القطاع لطلقات نارية «تحذيرية»، وفي 11 يونيو عام 2008، أوقفت السيدة كاترين هيفر، مساعدة قنصل فرنسا في القدس لمدة سبع عشرة ساعة بشكل مذل، على إحدى نقاط العبور في قطاع غزة. وكان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد تعهد ل «صديقه»، نيكولا ساركوزي، أن يسهل عملية إعادة بناء مستشفى القدس في غزة، الذي تعرض، أيضاً، للتدمير أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير إلا أن إسرائيل ما زالت تمنع دخول مواد البناء اللازمة إلى القطاع، متذرعة بالأمن، هذا بالإضافة إلى العراقيل، التي تحول دون إعادة تشييد المركز الثقافي الجديد. لم يثر أي من عمليات الإذلال هذه، التي تعرض لها ممثلو فرنسا أي ردة فعل حازمة من قبل وزارة الخارجية الفرنسية، والمرة الوحيدة التي أبدت فيها الخارجية ردة فعل، كانت عندما استعمل الموساد جوازات سفر فرنسية لتنفيذ عملية اغتيال محمود المبحوح، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في دبي، في 19 يناير من العام الحالي، إذ بعد الحادث تحركت الأمور كي يتم، وبشكل خجول، استدعاء القائم بالأعمال الإسرائيلي في باريس، لكن فرنسا لم تجرؤ على طرد ديبلوماسيين إسرائيليين كما فعلت بريطانيا. وأضاف آلان جريش قائلاً : على ما يبدو، تعودت الحكومة الفرنسية على تقبل الكثير من الإهانات الإسرائيلية. فقد وافق وزير خارجيتها، برنار كوشنير، خلال زيارته إلى إسرائيل في نوفمبر من العام الماضي 2009، على أن يلتقي نظيره، أفيجدور ليبرمان، وهو رجل ذو مواقف كانت ستدان، باعتبارها عنصرية وفاشية لو كان نمساوياً، أو إيطالياً، وقد صرح كوشنير بأن بناء تسعمائة مسكن في مستعمرة جيلو ب «القدس» ليس «أمراً سياسياً، ويجب ألا يقف عائقاً أمام استئناف المفاوضات». في حين لم يرفع صوته ضد منع وصول المواد اللازمة لإعادة بناء مستشفى غزة برعاية فرنسية. ولم يحتج على عدم تمكن أصحاب المنح الدراسية في هذا الجيب المحاصر من السفر إلى فرنسا لمتابعة دراساتهم، كما التزم الصمت حيال العراقيل، التي بات يواجهها جميع الموظفين الأجانب في المنظمات غير الحكومية العاملة في الأراضي الفلسطينية، وذلك بسبب «السياسة الجديدة»، التي تعتمدها إسرائيل في منح التأشيرات. وتتويجاً لكل ذلك، انصاع كوشنير لإملاء سلطات الاحتلال بالتخلي عن زيارة غزة. انتقد الكاتب السفير الفرنسي لدى تل أبيب، كريستوف بيجو، قائلاً : إنه يبدو في بعض الأحيان وكأنه يمثل إسرائيل لدى باريس. وذكر أنه تحفظ على إطلاق كلمة حصار في شأن غزة، ودعا إلى وضع الكلمة بين قوسين، بدعوى أن احتياجات القطاع تصل إليه في كل الأحوال، إما عن طريق الانفاق أو من خلال إسرائيل، كما أنه هاجم اقتراحاً سويدياً، قدم في عام 2009، قضى بإصدار تصريح رسمي عن الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل إلى السماح بإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، لإعادة إعمار ما تم تدميره فيها. وكان رأي السفير الفرنسي أن التصريح يجب أن يأخذ في عين الاعتبار القرار «الإيجابي» الذي اتخذه بنيامين نتنياهو بالتجميد الجزئي لبناء المستوطنات، ويجب أن نحيي قراره، حتى وإن لم يستجب إلى كل تطلعاتنا. يبدو أن فرنسا ساركوزي في تعاملها مع إسرائيل أخذت عن العرب شيئاً واحداً هو «الاستعداد لابتلاع الإهانة وإدارة الخد الأيسر بعد تلقي صفعة الخد الأيمن». فهمي هويدي