أكد رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية والرئيس التنفيذي لمجموعة «البركة» المصرفية أن المنطقة تودع الأزمة المالية العالمية في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن أزمة اليونان لن يكون لها تأثير يذكر على البنوك الإسلامية، في حين قد يلحق ضرر محدود بالبنوك العربية التقليدية. ورجح أن يكون العالم بعد ثلاث أو أربع سنوات أمام أزمة مالية جديدة ستنطلق شرارتها هذه المرة من الصين والهند، وسيكون تأثيرها الأكبر على سوق السندات الأميركية، لافتا إلى أن سبب الأزمة المالية العالمية هو الاعتماد المتزايد على الأدوات الاستثمارية المعتمدة على الديون واستخدامها لتمويل النشاط الاقتصادي الحقيقي. واعتبر يوسف في حديثه ل«الشرق الأوسط» أن الأزمة المالية العالمية الكبيرة انتهت، لكنه رجح في الوقت ذاته أن يكون العالم بعد ثلاث سنوات أمام أزمة مالية جديدة ستنطلق من الهند والصين، وسيعزز احتمالات وقوعها انخفاض في صادرات كل من البلدين الناشئين. ويضيف الرئيس التنفيذي لمجموعة «البركة» المصرفية أن هذه الأزمة المتوقعة بعد ثلاث أو أربع سنوات ستكون قصيرة الأمد، ويعلل ذلك بأن كلا من الصين والهند ليست لديهما ديون خارجية، وهو ما سيخفف من وقع الأزمة عليهما. وفي هذا السياق، دعا يوسف إلى عدم غض الطرف العالمي عن مثل هذا الاحتمال مرجح الوقوع، مضيفا «يجب ألا نغطي أعيننا ونقول إن الصين والهند تنموان بشكل جيد ولا خوف عليهما». وقال ل«الشرق الأوسط» عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية، إن الأزمة الدائرة في أوروبا، في إطار ما تم وضعه من خطط للإنقاذ، ليس لها تأثير مباشر وكبير على البنوك العربية، مبينا أن اليونان ليس لها أي اتصال استثماري مصرفي مباشر مع الدول العربية، وتأثير أزمتها يمس الدول المرتبطة بها في الاتحاد الأوروبي. ونفى يوسف صحة ما يشاع عن تقاعس البعض عن توضيح تأثير الأزمة اليونانية على الدول العربية، مؤكدا أن الاتحاد أوضح في وقت سابق أن التأثيرات المتوقعة لأزمة اليونان تعتبر طفيفة جدا على القطاع المصرفي العربي، مع عدم وجود أي مصرف يوناني في أي دولة عربية. وقال يوسف إنه على الرغم من الأزمة المالية العالمية فإن البنوك العربية استمرت في تحقيق معدلات نمو جيدة جدا، حيث ارتفع حجم الموازنة الموحدة للبنوك العربية بنهاية عام 2009 إلى أكثر من 2.3 تريليون دولار. وفيما إذا كانت المنطقة العربية ستتأثر بتداعيات هذه الأزمة المتوقعة يقول يوسف إن الأزمة «ستكون محدودة التأثير على المنطقة العربية، لكنها ستؤثر على سوق السندات الأميركية لأن الصين تعتبر من أكبر الدول المستوردة للسندات الأميركية». ويرى يوسف أن الكثير من الاقتصاديين يضعون اللوم على المشتقات المالية كسبب رئيسي من أسباب الأزمة، وقال «هو رأي أتفق معه إلى حد كبير، هذا على الرغم من أن المدافعين عن المشتقات لديهم حجج تبدو منطقية أيضا ولا يمكن تجاهلها، لكن في الوقت نفسه يجب التعامل معها بحذر شديد». يعتبر يوسف المشتقات المالية قنابل زمنية موقوتة، سواء بالنسبة للذين يتعاملون فيها أو للنظام الاقتصادي بشكل عام، لافتا إلى أن المشتقات «كما يشير اسمها عبارة عن أدوات استثمارية مشتقة من منتج استثماري آخر، وفي هذه الحالة فإن المستثمرين بإمكانهم شراء منتج استثماري (مثلا عقد مستقبليات) وذلك بدلا عن شراء أسهم». وبموجب هذا العقد فإن بإمكان المستثمر أن يقوم بشراء أو بيع سهم محدد في المستقبل وفقا لسعر محدد سلفا. ويتحقق الربح بالنسبة للمصدرين من التغير في سعر الفائدة، ومؤشرات أسواق الأسهم في كل أنحاء العالم، والتغيرات في أسعار صرف العملات، والتغير في العرض والطلب على السلع، مثل السلع الزراعية، والنفط، والغاز الطبيعي. وتشير آخر الإحصائيات عن سوق المشتقات إلى أنها تبلغ في أميركا وحدها ما يعادل 300 تريليون دولار، أي ما يعادل 20 مرة من حجم الاقتصاد، أما على المستوى الدولي فهي تتجاوز على حسب إحصائيات بنك التسويات الدولي مبلغ 600 تريليون دولار، وفقا لما تناولته ورقة بحثية قدمها يوسف في كلية دبي للإدارة الحكومية حول تأثيرات الأزمة المالية العالمية على المؤسسات المالية العربية والإسلامية. وتعرف المشتقات المالية على أنها أدوات مالية تستمد قيمتها من أداء أصل حقيقي أو مالي، أو من أداء أحد المؤشرات السوقية، ويندرج تحت مسمى الأصول الحقيقية السلع الدولية (كالذهب والنفط والمعادن والقمح والأرز وغيرها). وشدد رئيس الاتحاد على أهمية التوجهات الآخذة في التبلور بخصوص إيجاد صيغة عالمية للمعايير المحاسبية، والتي يوضحها خبراء في هذا المجال بأن المطبق حاليا في العالم المعايير المحاسبية الدولية (IFRS) والمعايير المحاسبية الأميركية، مؤكدا على أهمية أن تتبنى الدول معايير وطنية مشتقة من المعايير الدولية والأميركية. وتابع يوسف أن التفاوت في استخدام المعايير المطبقة في الشركات العالمية يجعل من الصعوبة وضع مقارنات لمتخذي القرار الاستثماري بخاصة المؤسسات المالية (الممولون)، ويوجد ضغط من مؤسسات المال وأسواقه العالمية لتوحيد المعايير المحاسبية ليتسنى لها تمويل الشركات حول العالم وفق رؤية واضحة. ورأى يوسف أن أزمة اليونان كشفت عن الحاجة إلى مراجعة معايير قياس أخطار رأس مال المصارف في العالم، مقترحا أن يؤخذ في الاعتبار رأس المال التشغيلي للمصارف، بحيث نلاحظ أن بعض البنوك المركزية العربية بادرت بالفعل إلى تطبيق مثل هذه المعايير، أو تؤخذ في الاعتبار الأرباح المحققة عند تحديد حجم التركزات الائتمانية، فلا يزيد حجم القرض المقدم لعميل واحد، على سبيل المثال، على نسبة معينة من صافي الأرباح. وقال يوسف إن الإجراءات التي تتخذها الدول الصناعية حول هذا الموضوع تتفاوت من حيث الصيغ والخطوات، إلا أنها في النهاية تصب في الهدف الذي تتطلع إليه الأسواق والمستثمرون ومؤسسات المال، مجددا دعوته إلى المرجعيات المحاسبية كافة في الوطن العربي للتشارك في هذه الحوارات والاندماج معها، انسجاما مع الدور الذي بدأت تلعبه الدول الناشئة في إعادة صياغة أسس النظام الاقتصادي والمالي العالمي. وتعتبر مجموعة «البركة» المصرفية مجموعة مساهمة بحرينية، مدرجة في بورصتي البحرين ودبي، وهي من أبرز المصارف الإسلامية العالمية. وتقدم المجموعة خدمات التجزئة المصرفية والتجارية والاستثمارية بالإضافة إلى خدمات الخزانة، وذلك وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.(دنيا الوطن)