إن مغربنا الحديث يعرف تطورات كبيرة ، حيث يشهد الجميع كثرة الأوراش التنموية المفتوحة على كل الأصعدة، كما تعرف جهتنا الشرقية العزيزة الآن تحولات لم تشهدها من قبل. و في هذا الصدد نسجل بفخر توفر جهتنا على العديد من المؤسسات التعليمية العليا، نذكر منها المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية لوجدة، والتي تخرج مهندسين في ميدان الإعلام والاتصال، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، كما يؤازر هذا المجهود على مستوى تكوين الموارد البشرية، وجود جامعة محمد الأول بما تخرجه من أطر وكفاءات. ومن منطلق تأهيل الموارد البشرية اللازمة للتنمية الجهوية، وتعزيزا للمؤسسات الجامعية ومعاهد التكوين بالجهة، قرر جلالة الملك إحداث كلية للطب ذات مركز استشفائي جامعي لتكريس الدور الريادي لمدينة وجدة العريقة، كعاصمة للجهة الشرقية. كما أننا نسجل باعتزاز توفر جهتنا على العديد من المعاهد والمدارس ذات الاختصاصات المختلفة على مستوى القطاع الخاص،حيث لا يخفى على أحد أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد اعتبر دور التعليم الخصوصي مهما جدا، حيث أن هناك تكاملا بين التعليم العام والتعليم الخصوصي. إن المؤسسات التعليمية تلعب دورا هاما و حساسا بالنسبة لبلدنا، فهي التي تحتضن وتكرس القيم الايجابية في المجتمع، كقيم المواطنة، و المشاركة الفعلية و المباشرة في التنمية. و هنا لا يسعنا إلا أن نقف تحية تقدير للمجهودات التي تقوم بها جميع مكونات الأسرة التعليمية، نساء و رجالا، و الذين يعملون و يجتهدون من أجل إنجاح هذا الورش الكبير، و صنع مستقبل بلدنا، وكذا لمجهوداتهم في مد يد العون للتلاميذ وأولياءهم حول كيفية بناء مشروعهم الدراسي والمهني، و إطلاعهم على المسالك التعليمية المتوفرة وكيفية الالتحاق بها. هذا وقد أولى صاحب الجلالة نصره الله من وافر عنايته لإصلاح نظامنا التربوي والتكويني، الذي يعتبره جلالته قضية مصيرية تتقدم كل الإصلاحات، حيث جاء في التقرير حول 50 سنة من التنمية البشرية، أن التعليم أسبقية أولى بعد الوحدة الترابية. فالتنمية البشرية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تأهيل المدرسة، و جعلها محورية في كل البرامج و المخططات، لذا فالتوجيه يعتبر ضروريا، إذ بدونه يضيع الشباب سنوات من عمره، كلفته و كلفت أسرته و المجتمع الكثير. فنجد أن ما يشغل بال الشباب في سنوات الدراسة الأخيرة، و في السنوات الأولى الجامعية، هو السؤال عن مهنة المستقبل، حيث تصبح قضية اختيار المهنة مثارا لأسئلة عديدة يطرحها الشباب على نفسه، كالتخصص الدراسي، و كيفية اختياره و مدى اليقين من سلامة هذا الاختيار، و ماذا لو تغيرت المعطيات التي بني عليها هذا الاختيار . غير أننا نلاحظ وللأسف، أن كثيرا من أبنائنا ينفرون من بعض المهن و يميلون إلى التعليم العام جريا على العادة و التقليد، لأنه بالنسبة لهم السبيل إلى ضمان الوظائف الحكومية، مع أن التوجه العالمي الجديد هو تشجيع التشغيل الذاتي عبر خلق المقاولات و كذا الأنشطة المدرة للدخل. إن للتوجيه المدرسي أهمية بالغة، إذ يترتب عنها تقرير مصير التلاميذ،و بالتالي تحديد آفاق تكوين الأطر اللازمة للبلاد مستقبلا. و بما أن مستقبل بلدنا رهين بمستقبل أولاده، فان التوجيه يلعب دورا أساسيا في وضع بلدنا على الطريق الصحيح، وكلما كان التوجيه جيدا كلما أمنا مستقبل بلادنا . كما تأتي عملية التوجيه لمساعدة التلاميذ على اختيار المسلك التعليمي الذي يناسب قدراتهم ومؤهلاتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الآنية والمستقبلية للمحيط السوسيو-اقتصادي ومتطلبات سوق الشغل. فالتوجيه لا يتسنى له أن يكون جيدا إذا لم تكن له علاقة وطيدة بالمقاولة، فلا توجيه جيد بدون معرفة بحاجيات السوق الآنية والمستقبلية، و هو ما لا يمكن الوصول إليه إلا بخلق قناة تواصل بين مهنيي التوجيه من جهة وأرباب المقاولات من جهة أخرى. ومن هنا ومن باب النجاعة يستحب إشراك المقاولات في التوجيه المدرسي، وكذا إشراكها في إعداد وخلق المسالك الدراسية والشعب المهنية. كما أن الإعداد للحياة العملية لا يمكن اعتباره أمرا نهائيا، بل يتعين على الأشخاص متابعة تكوين مستمر طوال حياتهم المهنية، ليظلوا منتجين و قابلين للتشغيل و الإنتاجية. فهدف التعليم ليس هو تلقين المعارف فقط، بل المطلوب هو قدرة التكيف و تحقيق مشاريع، أي قدرة تعلم معارف جديدة، يمكن توظيفها في أوضاع غير متوقعة. و في هذا الصدد نشير إلى أن إنشاء أقطاب للتنمية الصناعية بالجهة الشرقية (بوجدة وبركان وسلوان) يجعلنا نعيد التفكير في بعض الشعب المحدثة و الواجب إحداثها مستقبلا اعتبارا لأولويتها ، و تماشيا مع المشاريع المبرمجة كالسياحة و الفندقة ، الفلاحة والصناعة الغذائية ، توفير الخدمات عن بعد، النقل واللوجيستيك، الإعلاميات، الالكترونيك، قطاع السيارات، قطاع الطائرات، النسيج والجلد، البناء و الأشغال العمومية ، وذلك تماشيا مع توصيات دراسة " إقلاع " بإعادة توجيه النسيج الصناعي المغربي نحو ما يسمى ب"المهن العالمية للمغرب" . إن أفضل استثمار في وقتتا الراهن هو الاستثمار في العنصر البشري، لذا فنحن مطالبون بالرفع من إيقاع عملنا، و تقديم التوجيه الجيد و تشجيع التكوين على أشكاله وفي كل فترات العمر، حيث أننا مقتنعون كل القناعة بأن بناء المستقبل، هو مسؤولية جماعية ينبغي أن يمارسها الجميع، كل من موقعه . إن خدمة تنمية الجهة مرتبط و رهين بمدى تأهيل أبناءنا وبناتنا واختيارهم الصائب لمهن تعتبر جهتنا في أمس الحاجة إليها، وتكون هي رافعة تنميتها. و في الأخير، لا يسعني إلا أن أذكر بأن التوجيه المدرسي ليس هو مسؤولية فقط المؤسسات التعليمية، بل هو مسؤولية كذلك النسيج الاقتصادي والمهني ، لأنه وببساطة، هو المشغل في نهاية المطاف وفي نهاية المسار الدراسي للتلميذ. كما أود التعبير بصدق عن متمنياتي لكافة أبناءنا و بناتنا حسن الاختيار وكذا النجاح و التوفيق لما فيه خير هذه المنطقة و الخير لبلدنا العزيز.