وأنا أنتظر الحافلة صباح يوم حار من أيام صيف وجدة الملتهب، وقفت بقربي شابتان أو بمعنى أدق أن متأكدة أن إحداهن فتاة، أما الثانية فكانت ترتدي جلبابا وخمارا أسودين يخفيان معالم الجسد وملامح الوجه، كما أني لم أسمع صوتها حتى أجزم بأنها "أنثى"... حرب الأزياء بوجدة وباقي المدن المغربية عموما طوال الطريق المؤدية إلى جامعة محمد الأول العتيدة، ورغم اكتظاظ الحافلة الخانق بدأت بالتفكير مليا في أمر هاتين الشابتين ومثيلاتهما كثر، فالأولى شبه عارية، ملابسها تكشف نصف صدرها ونصف ظهرها وكل بطنها، و ما تغطيه موصوف، فسروالها يكاد يتمزق من فرط الضيق، أما وجهها ف "شخبط شخابيط" مطلى بألوان فاقعة منفرة، منظر مقزز لا يمت إلى الأنوثة بصلة... أما الثانية فكتلة من السواد، انتابني شعور بالاختناق لمجرد رؤيتها، كيف تتنفس في هذا الحر الخانق؟! من أين ينفذ الأكسجين عبر هذا الرداء السميك سماكة بيت شعر...؟! في لحظة توجست خيفة منها، فما الذي يضمن أنها امرأة أو فتاة؟ فقد يكون تحت هذا الشيء الأسود رجل أو مجرم هارب من العدالة... شعرت بالمرارة والأسف على كلتيهما، فالتعري وعرض الجسد على الطرقات مناف لديننا وتقاليدنا ويجعل من صاحبته عرضة للتحرش بجميع أنواعه، وهي تتحمل بعريها جانبا من المسؤولية، لأنها تستفز شبابا مكبوتا أصبح حلم الزواج عنده شبه مستحيل بسبب تكاليفه الباهظة و نتيجة وباء البطالة المستشري في البلد. صراحة أنا أشفق على الرجال المساكين الذين يواجهون يوميا سيلا من الأجساد العارية أينما حلو وارتحلوا، والمطلوب منهم "شوف وما تقيش" وإن تجرأ أحدهم وتلفظ بكلمة ما، ووجه بوابل من السباب والشتائم "الله ينعل اللي ما يحشم..؟ قليل الترابي!!؟ وهل من "الترابي" يا فتاتي أن تتسكعي شبه عارية تنبشين الغرائز؟! وفي المقابل يفضل نوع آخر من الفتيات تغطية كل الجسم تحت زي أسود غريب منفر ودخيل على مجتمعنا المغربي الغني بأزيائه الأصيلة التي تحترم كل شروط الحشمة والوقار. منطقهم عجيب: الوجه عندهم عورة، والصوت عورة والصواب عندهم وعندهم فقط...! أذكر أني قرأت يوما في السيرة النبوية أن صحابية جليلة كانت تذود عن النبي صلى الله عليه وسلم بسيفها يوم أحد فهل كانت منقبة؟! عموما أنا أحترم رغبة هؤلاء النسوة في ستر عوراتهن –حسب مفهومهن- لكن ما أعيبه عليهن هو اعتمادهن ذلك الزي المستورد من الشرق. أنا متأكدة أن الأمر لا يتعلق برغبة في "الستر" وإنما بغزو لثقافة أصولية تهب من الشرق... بنظرة واحدة في أحد الشوارع المكتظة في أي من المدن المغربية سترى أن هناك حرب أزياء، جانب متطرف في التغطي وجانب متطرف في التعري، وقليلات هن من يحافظن على أزيائهن الأصلية التي تمزج بين الحشمة والأناقة. "ن.أ"