تزامنت الكتابة في هذا الموضوع، ومناسبة الإعلان عن مناظرة تصب في هذا الشأن، حيث أعلنت سلسلة المعرفة للجميع وجمعية” أتيل” للمبادرات المهنية والاجتماعية المناظرة المتوسطية حول “الأطفال في وضعية صعبة وأطفال الهجرة السرية التي ستنعقد أيام 21 22 و23 أكتوبر القادم بمدينة طنجة، وحول هته التظاهرة العلمية والاجتماعية التي لها علاقة بالموضوع، أجرت فاطمة بوبكري هذا الحوار مع الدكتور محمد الدريج، أستاذ باحث في علوم التربية ورئيس اللجنة المنظمة. حان الوقت لرسم إستراتيجية القضاء على الظواهر المؤسفة التي يعاني منها أطفالنا س : هل لكم أن تحدثوا القراء عن دواعي تنظيم هذه المناظرة، ثم لماذا الربط بين موضوع الأطفال في وضعية صعبة وأطفال الهجرة السرية” ؟ ج: أولا وبكل تواضع كنت أول من استعمل العبارة “الأطفال في وضعية صعبة” ، إذ نشرت كتابا تحت هذا العنوان سنة 2001 ، ضمن سلسلة المعرفة للجميع وفي الحقيقة يعود اهتمامي بالموضوع قبل ذلك التاريخ حيث أنشأت بكلية علوم التربية وحدة رياض الأطفال ثم وحدة التكوين والبحث “إعادة تربية الجانحين”والتي تولت وقتها إعداد وتكوين عدد كبير من أطر وزارة العدل وأطر وزارة الشباب والرياضة العاملين بالمؤسسات السجنية ومؤسسات حماية الطفولة وغيرهم من الأطر في هيآت ووزارات أخرى ومنذ ذلك الوقت وأنا منشغل بالموضوع، وأعتقد أنه حان الوقت للتوقف والتأمل وتحليل ومناقشة ما تم لحد الآن وما ينجز سواء على الصعيد الرسمي أوعلى صعيد الجمعيات والمنظمات الدولية بهذا الموضوع وبموضوع أطفال الشوارع واستغلال الأطفال وغيرها من المواضيع الشديدة الحساسية والتي كان الجميع وقتها يتجنبون الحديث عنها كما نظمنا بكلية علوم التربية ندوات كبيرة حول الطفولة ، كان آخرها الندوة الدولية التي أقمناها بتعاون مع جامعة” نايف” بالرياض حول الاستغلال غير المشروع للأطفال أواخر التسعينات من القرن الماضي . ومنذ ذلك التاريخ هناك الكثير مما قيل و يقال والكثير من الدراسات والكثير من الجمعيات و المشاريع والمنجزات لتطويق هذه الظواهر الخطيرة المرتبطة بالطفولة في وضعية صعبة وآثارها على الأفراد وعلى أسرهم وعلى المجتمع ككل . س : من الواضح أن مشكلة الأطفال في وضعية صعبة ، مشكلة معقدة جدا وتحتاج معالجة من الجذور عندما يكون الطفل في الأسرة وفي المدرسة …، كما أن لها تشعبات ومظاهر كثيرة ،الآن لو أردنا أن نركز فقط في هذه العجالة ، على مظهر الهجرة السرية للأطفال والقاصرين عموما، فماذا يمكن القول عن حجمها وعواملها؟ ج: في البداية يمكن القول مع الأسف إن الظاهرة في تزايد رغم الجهود الكبيرة لتطويقها سواء في بلدان المنشأ أو بلدان الاستقبال وخاصة إسبانيا وإيطاليا. وكما هو معلوم فإن عدد المغاربة المهاجرين في إسبانيا وحدها يفوق 720 ألف يأتون في مقدمة المهاجرين متبوعين بالرومانيين بأزيد من 675ألف. أما عن أعداد القاصرين منهم أي من بلغ سنه أقل من 18 سنة غير المرافقين في إسبانيا ويوجدون في وضعية غير قانونية ففي ازدياد كبير وفي السنوات مابين 1997-95 إلى غاية1998 ، أصبح يتواجد بإقليم الأندلس وحده 1398قاصرًا، وفي سنة 1999 ارتفع الرقم إلى 1810 قاصرًا، ثم إلى 2665 قاصرًا سنة 2000 ، وفي سنة 2001 ارتفع إلى 2929 قاصرًا . وفي سنة 2002 عبر ما لايقل عن 2200 طفلا تتراوح أعمارهم بين ثلاث عشرة وخمس عشرة سنة نحو إسبانيا، وبالنظر للإحصائيات نجد أن إقليم الأندلس يستقبل أكبر عدد من القاصرين المغاربة ، تليه جزر الكانرياس ، وتأتي بعدهما مدينتا سبتة ومليلية المحتلتان وتليهما العاصمة مدريد. أما بالنسبة للعدد الإجمالي للأطفال المغاربة غير المرافقين بإسبانيا، فتشير بعض الإحصائيات الرسمية الإسبانية إلى وجود ما يقارب خمسة آلاف طفل مغربي بدون أهل في مراكز الإيواء المؤقتة، ويقول بعض المساعدين الاجتماعيين، بأن هؤلاء القاصرين لا يرغبون قط في الإفصاح عن هوياتهم أو عناوين عائلاتهم في المغرب، ويصرحون أنهم أيتام أو أنهم لا يعرفون آباءهم . وحول هذه الظاهرة يقول الأستاذ عبد اللطيف شهبون من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في دراسة رائدة تحت عنوان ” ملامح عن وضعية القاصر المهاجر سريا” ، نشرت في مجلة الكرامة “لقد اتسعت دائرة العنف تجاه الأطفال المهاجرين سريا، وهو عنف مفرط ومطرد يتخذ أنماطا متعددة من عقاب بدني وتعذيب وحرمان من الحاجيات الأساسية وتقييد للحرية واعتداء جنسي واستغلال اقتصادي ، وهذا العنف المتعدد يشمل الذكور والإناث. إن هذا العنف الذي يمس سلامة وأمن الطفولة يتسع اطرادا، مما يفرض ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لإعمال اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها دول العالم وهي اتفاقية ملزمة للحكومات بضرورة توفير الحماية للأطفال من كافة أشكال العنف المادي والمعنوي” وكل المؤشرات تشير إلى أن هذه الظاهرة ستزداد خطورة وستعرف أشكالا ملتوية خاصة بعد ارتفاع نشاطات المافيا الدولية التي تعمل على تسهيل عملية تهريب البشر في قوارب بحرية للتشغيل في السوق السوداء من طرف لوبيات أوروبية تغتني الاغتناء اللامشروع، وتبحث عن الأرباح المتزايدة نتيجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلدان المصدرة للهجرة. س: الآن ما هي الحصيلة ؟ وماهي آفاق العمل في هذا المجال؟ ج: أعتقد أنه حان الوقت للتوقف والنقاش الجدي بيننا كمغاربة أولا، ثم بيننا كمغاربيين ثانيا وبين جيراننا الأوربيين ثالثا الذين يعانون مثلنا من تلك الظواهر لإيجاد إطار مشترك للعمل ورسم استراتيجية للقضاء على تلك الظواهر المؤسفة التي يعاني منها أطفالنا. فكما هو معلوم تنتشر حاليا في مجتمعاتنا المتوسطية ، وإن كان بنسب متفاوتة الخطورة ، مشكلات تعكر صفو الطفولة وتجعلها في وضعية صعبة، لعل من أبرزها سوء معاملة الأطفال وعدم احترام حقوقهم الأساسية، كالهدر المدرسي، الأمية، تشغيل الأطفال، التشرد وحياة الشوارع والهجرة السرية، وكل ظواهر الانحراف والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي … و التي يمكن أن تصيب شريحة من الأطفال في بلدانهم الأصلية أو في بلدان المهجر، مشكلات باتت تسجل معدلات متزايدة ومقلقة في العقود الأخيرة . في هذا الإطار و في الوقت الذي أصبح فيه الأطفال يمثلون أكبر القطاعات السكانية في دول ضفاف المتوسط وخاصة في جنوبه، يندرج تنظيم هذه المناظرة المتوسطية، بدعم و بمشاركة العديد من الهيآت الحكومية المختصة والمؤسسات الجامعية وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات الدولية في بلدان غرب المتوسط. ويأتي اهتمامنا بهذا الموضوع ، نتيجة تحول عدم احترام حقوق الأطفال وسوء معاملتهم واستغلالهم غير المشروع، إلى ظواهر لها تجليات متشعبة وآثار خطيرة من مثل التشرد والانحراف والهجرة السرية وغيرها- ومن هنا ضرورة الربط بين الأسباب وبين النتائج – ظواهر تستوجب الدراسة وتبادل الخبرة حولها والتعاون، لإيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها . س: :لنعد للحديث حول المناظرة المتوسطية التي تعتزمون تنظيمها بمدينة طنجة، ما ذا عن أهدافها ومحاورها التي ستلئم حولها المناقشات والعروض؟ ج: نهدف بالخصوص إلى تحليل و اغتناء نتائج آخر الدراسات حول واقع الأطفال في وضعية صعبة وخاصة ما ارتبط منها بظواهر الإهمال والاستغلال والتشرد والهجرة السرية، في دول غرب المتوسط في ضفتيه الجنوبية المغاربية تحديدا والشمالية وخاصة إسبانيا وفرنسا وإيطاليا كما تسعى إلى ربط الاتصال وتبادل التجارب بين المختصين المشاركين من بلدان غرب المتوسط. وتوجيه الاهتمام لدى الأطراف المعنية وعموم الرأي العام في المجتمعات المتوسطية ، بخطورة مشكلات الأطفال في وضعية صعبة وسوء معاملتهم واستغلالهم وهدر حقوقهم وما ينتج عنها من ظواهر، وفي الوقت ذاته اقتراح الحلول لهجرة الأطفال السرية والهجرة غير الشرعية عموما وللوضعية الهشة للقاصرين المغاربيين غير المرافقين في دول المهجر، مع المساهمة في مراجعة القوانين والمعاهدات وتحيينها و تطوير الإجراءات الوقائية والعقابية ذات الصلة، وهي مناسبة كذلك لاقتراح آليات التعاون بين دول المنطقة ، لإعادة إدماج المنقطعين مبكرا عن الدراسة ومحاربة استغلال الأطفال وسوء معاملتهم والتقصير في الاستجابة لحقوقهم، وإيجاد خلفية وضع إستراتيجية متوسطية شاملة ،لمكافحة استغلال الأطفال وتحسين ظروفهم المعيشية واحترام حقوقهم وإنقاذهم من الوضعية الصعبة، وبالتالي المساهمة في تطوير البحوث النظرية والتطبيقية و الأساليب الإجرائية لمواجهة المشكلة ووضع برامج إرشادية ونشرات وأدلة توجيهية . بالنسبة للمحاور، ستتناول المناظرة بالتحليل والمناقشة سوء معاملة الأطفال وعدم احترام حقوقهم في الأسرة والمدرسة وفي عموم المجتمع بدول غرب المتوسط وعلاقته بظواهر الانحراف والتشرد.، كما سنتطرق إلى مشكلة الأطفال المهملين وأطفال الشوارع، والوضعية الصعبة للأطفال ومشكلة الهجرة السرية وظاهرة القاصرين غير المرافقين في دول المهجر بالمنطقة، والإشارة الملحة إلى محورالقوانين والمعاهدات المرتبطة بالوضعية الصعبة للأطفال وبعدم احترام حقوقهم، وهذا ما سيحيلنا للحديث عن دور الأجهزة الحكومية و الجمعيات والمنظمات الدولية، في مكافحة سوء معاملة الأطفال واستغلالهم وتدابير تحسين الوضعية الصعبة لأطفال المنطقة وإعادة إدماج المنقطعين منهم عن الدراسة مع عرض تجارب في هذا الخصوص. وبالتالي طرح خطط وبرامج القضاء على هجرة الأطفال السرية و الحلول المقترحة لوضعية القاصرين المغاربيين غير المرافقين ببلدان المهجر. س : بالنسبة للإجراءات التنظيمية ما هي مقاييس المشاركة وشروطها؟ ج: تجنبا للارتجال والسرعة، والحرص على تنظيم جيد بكل المقاييس، فإننا سنعقد يوما دراسيا تحضيريا يوم19 يونيو 2010بكلية علوم التربية بمدينة الرباط، يجمع كافة المتدخلين المغاربة، بهدف عرض النتائج الأولية لأبحاثهم و خلاصات أفكارهم في الموضوع، مع اقتراح التصورات العامة للمناظرة المتوسطية و التوجيهات الكفيلة لإنجاح أشغالها . كما أننا نحرص على دعوة وإشراك جميع الفعاليات المختصة والمهتمة بموضوع الطفولة وخاصة بمواضيع سوء معاملة الأطفال وهدر حقوقهم ومشكلات التمدرس، من رسوب وهدر مدرسي وتشرد وإهمال وانحراف مع التركيز على موضوع الهجرة السرية للأطفال، وما أصبح يعرف بالقاصرين غير المرافقين بدول المهجر وما يعانونه من مشكلات لا تحصى، أقول الحرص على إشراك مؤسسات حكومية وجامعات وجمعيات ومراكز ومنظمات دولية… وقد وجدنا تقبلا كبيرا للموضوع ورغبة كبيرة في الحضور والمشاركة، ليس فقط من طرف الجهات الوطنية بل أيضا من طرف جهات مغاربية وأوربية من تلك التي تقاسمنا همومنا وتطلعاتنا نحو التقدم والسلم والتعاون وجعل ضفاف المتوسط نظيفة مزدهرة خالية من أسباب التوتر والصراع وبعيدة عن المآسي… حاورته: ذ.فاطمة بوبكري"الشروق"