أستاذ باحث بكلية الحقوق بوجدة أعتقد أن مسألة الاعتداء على المسؤولين العموميين بصفة عامة، والمسؤولين الحكوميين بصفة خاصة، ينبغي أن يتم وضعها في إطارها العام. فظاهرة العنف ملازمة للتاريخ البشري، ولها ارتباط وثيق بالعنف السياسي خاصة، باعتبار أن مجال السياسة هو البوابة الرئيسية للأشكال الأخرى من العنف (الاقتصادي، الاجتماعي...، المادي، اللفظي...)، ومن خلاله يتبين إدراك أفراد المجتمع أن التحكم السياسي يخفي الأشكال الأخرى. وفي هذا الصدد، فإن ما تمت ملاحظته مؤخراً في الحياة السياسية المغربية، ينبغي أن يفهم من زاوية السياق الذي تمت فيه هذه الاعتداءات، والمتمثلة أساسا في التحول الذي يعرفه المغرب نتيجة تنامي الاهتمام بالظاهرة السياسية وتحولها من مسألة "نضال" يمكن أن يترتب عنه تضحيات من قبيل الاعتقال، إلى مسألة عادية لا تترتب عنها أية نتائج وخيمة. وإلى جانب ذلك، فإن المجتمع المغربي يعرف "ثقافة عنفية" متزايدة الانتشار: بقايا موجة العنف الثوري والكفاح المسلح، ثم موجة الجهاد والعمليات الانتحارية، ومعايشة الاحتكاك شبه اليومي مع عنف الدولة، بالموازاة مع الظاهرة الإجرامية التي انتشرت بشكل يدعو للقلق. لذا، فإنه يكاد يكون من الطبيعي أن تميل ردود الأفعال إلى استعمال العنف، في شكل اعتداءات، ضد الخصوم الحقيقيين أو المفترضين. وتبعا لذلك، فإن مسألة اعتداءات محدودة لا يمكن أن تشكل ظاهرة، وبالتالي فما يسمى "هيبة الدولة" غير مطروح في اعتقادي، لأن الطرف المعتدي يدرك أن للدولة من الوسائل والإمكانيات ما يمكنها من الحفاظ عليها ضدا على مواقف الرأي العام الوطني والدولي، وما يجري من تقتيل جماعي في العديد من مناطق التوتر الدولية إلا دليل على عدم قدرة القوى العظمى والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية على ردع الجهة المعتدية إلا في حالات استثنائية. وبالموازاة مع ذلك، فإن السياسة "الشعوبية" لبعض المسؤولين الحكوميين تعتبر عاملا مشجعا على اعتماد الاعتداء كوسيلة للتعبير عن الرأي، خاصة أمام ما يلاحظه المواطن المغربي من عنف لفظي وصل إلى غاية المؤسسات الدستورية، وعلى مستوى الإعلام السمعي البصري. لكن مع ذلك، اعتبر أن الأمر لم يصل إلى درجة ربط هذين الموضوعين بمسألة الاعتداءات. وعندما نسترجع السياق الذي تمت فيه مختلف الاعتداءات على مسؤولين حكوميين، نلاحظ ظاهريا أن الفئات المعتدية ذات تكوين عال، حملة الدكتوراه، صيادلة... لكن ينبغي أن نستحضر أنه خلال المراحل الانتقالية، تحاول كل الفئات الاجتماعية أن تحصل على مكتسبات لصالحها. وفيىحالتنا هذه يتعلق الأمر إما بمسألة التوظيف المباشر أو الحفاظ على مكتسبات مالية. إن التخوف الأكبر، هو أن يصبح العنف وسيلة ممنهجة لتحقيق المكاسب وليس فقط مسألة ظرفية. وفيما يخص ندى ارتباط هذه الاعتداءات بعدم رضا المواطنين على أداء الحكومة الحالية، فحقيقة أن الحكومة الحالية رفعت من سقف الوعود من خلال برنامج طموح جاء في إطار سياق "ربيع" إقليمي نعين، لكن مع ذلك لا يمكن أن يحجب هذا حجب التطلعات المجتمعية عند تعيين حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ومع ذلك لم نلاحظ ظاهرة الاعتداءات. وعلى أية حال، فالشرائح الاجتماعية التي صوتت لصالح حزب رئيس الحكومة الحالي ما زالت تعتبر أنه لم تتح له الفرصة لتطبيق برنامجه، مما يعني أنها ما زالت في حالة انتظار. ولا أعتقد أن هناك إحباطا أكبر من الذي وقع عند تعيين إدريس جطو وزيرا أول. إن استعمال العنف في المجال السياسي يحول المعتدى عليه إلى ضحية لدى فئات واسعة، ولذلك ينبغي عدم التسرع في الحكم على "الظاهرة"، فالأمر يتعلق أساسا بتنظيمين سياسيين فقط: العدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية، وهما حزبين تختلف مرجعياتهما اختلافا جذريا، مما يستتبع القول أن أهداف الاعتداءات مختلفة وليس بينها خيط رابط، وأن الأسباب الكامنة وراء ذلك لا تكمن إلا في المشترك بينهما: التواجد في الحكومة.