حكومة اليوسفي رفعت شعار الشفافية. و على ما يبدو فحكومة بنكيران رفعت شعار التعرية. فلم يسبق لحكومة مغربية استطاعت أن تعري واقع السياسة بالكامل كما فعلت الحكومة الحالية. السياسي في المغرب عانى كثيرا في الماضي لدرجة أن السياسة أصبحت في أذهان الكثيرين رمزا للتعذيب و الألم و الموت و الخيانة. فبين سنوات الجمر و الرصاص و بين الاختطاف و بين الاغتيال السياسي مارس المؤمنون بالأفكار و الرؤى و الباحثون على السلطة و النفوذ هواياتهم و قناعاتهم و أحلامهم. و لا يمكن لأحد أن ينكر فضل السياسيين القدامى على جيلنا، فبفضلهم استطاع المغرب أن يتصالح مع مختلف مكوناته و استطعنا أن نحظى بهامش معقول من حرية التعبير و لم يعد الانخراط في العمل السياسي يوصل إلى السجون أو الجنون. و لكن و بالموازاة مع ما تم تحقيقه من مكتسبات فإننا سجلنا تراجعات كبيرة و خطيرة في طريقة ممارسة السياسيين للسياسة مع خصومهم و أظهرت تجربة بنكيران الحكومية بالواضح كيف أن العنف اللفظي و الجسدي أصبح سلاح السياسيين لإنهاك و إزعاج خصومهم و القضاء عليهم. العنف السياسي اللفظي أصبح شيئا عاديا و متداولا في البرلمان و في صفحات الفايسبوك ذات الانتماء الحزبي و في الجرائد الإلكترونية و في المهرجانات الخطابية و في اليوتوب. العنف السياسي الجسدي بدأ إعلاميا بمحاولة الاعتداء على رئيس الحكومة من طرف المعطلين و تلاه اعتداء على وزير الصحة ثم رشق بالحجارة على أمين حزب التقدم و الاشتراكية. العنف السياسي يتجلى في دعاوي التكفير و في التهديد بالقتل لكل من خالفنا الرأي و أظهر فكرا علمانيا أو حاول و هو يناقش و يحلل أن يخرج عن السطر. العنف السياسي يظهر في محاولة الطرد و التنكيل و التضييق لكل مناضل سياسي مهما كانت منزلته و مكانته ، سولت له نفسه أن يفكر بصوت مرتفع دون أن يستأذن من أمين عام حزبه. العنف السياسي يبدو بتسخير المراهقين و الأطفال للقيام بأعمال البلطجة و الشغب و لتجييش القاعة و نسف الاجتماعات. العنف السياسي يظهر أثناء الحملات الانتخابية عندما تتحول بعض الأحياء إلى أشباه مليشيات حربية و بدل أن يناقش مدبري الحملة الانتخابية برنامج حزبهم فإنهم يقوموا بضرب و تعنيف كل من حاول أن يخترق قلعتهم من الأحزاب المنافسة.
العنف السياسي بمختلف أشكاله و ألوانه لا يمكن أن يخلق مناخا سويا لممارسة السياسة و لا يمكنه أن يشجع عامة الناس للانخراط في العمل السياسي. و تماما كما في كرة القدم، الحكم يخرج الورقة الحمراء في وجه كل لاعب سولت له نفسه أن يمارس العنف على لاعب أخر ، فعلى الوزارة الوصية أن تشهر الورقة الحمراء في وجه كل سياسي مارس عن قصد و إصرار العنف الجسدي و اللفظي ضد خصمه .