تغنى «سميرة» المغربية باللهجة المصرية،وتغنى «لطيفة» التونسية باللهجة المصرية،ورغم ذلك يغضب أغلب صناع الأفلام العربية من دول المغرب العربى تحديداً عندما يستمعون إلى من يشكو من صعوبة اللهجة المغاربية. وتظل إشكالية اللهجة تطرح نفسها عادة فى مهرجانات السينما العربية وتبدو فكرة الترجمة من اللهجة المحلية إلى اللغة العربية بمجرد أن تصعد لمقدمة الكادر تتفجر براكين الغضب. مؤخرا بالمهرجان السينمائي «أبوظبى» عرض للمخرج التونسى الكبير «نوري بوزيد» فيلمه «مانموتش» الحاصل على جائزة أحسن مخرج وفى الندوة التي أعقبت الفيلم تساءل البعض:لماذا لا تتم ترجمة الفيلم التونسي إلى لغة عربية مبسطة تكتب مصاحبة له،مما يؤدى إلى أن يتفهم الجمهور أكثر التفاصيل وهنا انفجر «نورى» غاضباً متسائلاً:لماذا نفهم نحن اللهجة المصرية ولا تفهمونا لماذا لا تحاولوا بذل بعض الجهد لتكشفوا شفرة اللهجة مثلما نفعل نحن فى تونس،واعتبر «نوري» أن أي محاولة لترجمة اللهجة التونسية أو المغاربية بوجه عام إلى العربية أو تقديم حوار غير مغرق في المحلية التونسية بمثابة خيانة للعمل الفني. بينما فى مهرجان «تروب فست» طلب المخرج المغربى الشاب «أمجد البومسهولي» أن تصاحب فيلمه «ستة اثنان» الحاصل على الجائزة الثانية بالمهرجان والناطق باللهجة المغربية ترجمة بالعربية المبسطة الأقرب للفصحى،بل إنه في فيلم «أبجد» الذي عرض أيضاً بالمهرجان يقدم شخصية بطل الفيلم يتحدث نصف الحوار باللغة الفصحى. وصار الاقتراب من هذه القضية أشبه بإشعال فتيل لغم مدفون تحت الأرض منذ سنوات وقابل للانفجار في كل لحظة.. مهرجان «أبوظبى» مثلاً في دورته الثالثة التي أقيمت في 2009 تجاوز الحساسية وتمت ترجمة اللهجة التونسية إلى العربية البسيطة فى فيلم «الدواحة السر المدفون» إخراج «رجاء معماري».. أتصور أن الترجمة لعبت دوراً إيجابياً لصالح معايشة تفاصيل الفيلم وتفهم مفرداته اللغوية المغرقة فى محليتها.. الكل يُجمع أن أفضل علاقة تقيمها مع العمل الفني هي تلك التي تصلك مباشرة من خلال الشاشة والترجمة بالتأكيد تخصم من روح الفيلم، كما أن المفردات المحلية والمغرقة فى دلالاتها البيئية تفقد الكثير من بكارتها اللغوية إذا حاولنا أن نعثر على مرادف عربي مماثل لها.. إلا أننا في النهاية أمام اختيارين أحلاهما مُر كل منهما يحمل في داخله مرارة ما وأقلهما الترجمة مرة أخرى إلى العربية.. ونسأل في المغرب والجزائر وتونس ألسنا جميعاً نتحدث العربية؟! والحقيقة أن اللهجة المصرية على سبيل المثال تعارف عليها العرب من خلال الأسطوانات قبل السينما والتليفزيون.. لعبت «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» دوراً محورياً ورائداً في توحد العرب حول اللهجة المصرية وصاروا في أحيان كثيرة يتحدثون بها في تعاملاتهم اليومية.. الجمهور العربي لديه تراكم للهجة المصرية ولا ينبغي أن تتحول القضية إلى نوع من التنابز باللهجات. لا شك أن الأغنية الخليجية واللبنانية والسورية ساهمت في أن يتعايش الجمهور العربي كله مع الأعمال الدرامية التي تٌقدمها تلك الدول بلهجاتها المحلية، كما أن المسلسلات التركية التي تمت - دبلجتها - لعبت مؤخراً دوراً كبيرا في انتشار اللهجة السورية فى البيت العربي.. ومن الممكن أن يحقق المطرب دوراً فى تحقيق الألفة بين لهجة بلده والجمهور العربي، ومن المؤكد أن «فيروز» و«الرحبانية» منذ الخمسينيات فى القرن الماضي لعبوا هذا الدور بينما «لطيفة» و«سميرة» لم يساهما حتى الآن في تحقيق تلك الألفة.. قبل أن تتحول تلك القضية إلى لغم على المطرب أولا أن ينشر لهجة بلاده بالنغم.