ما وقع مؤخرا في مصر أثار جدلا قويا ارتبط في معظم لحظاته بمساءلة مشروعية أو لامشروعية التغيير الذي طال رأس السلطة على ضوء الحراك القوي ل 30 يونيو 2013 و تدخل الجيش لإجبار الرئيس على التنحي..و قد تأرجحت المقاربات بين زاويتين للنظر : رأي ينتصر ل »ثورة 30 يونيو » و اعتبارها تعبير صريح و قوي عن إرادة شعبية وقع عليها 22 مليون مصري و مصرية يطالبون بالتغيير ليصبح 30 مليون نزلت الى الشارع لتجسيد ذلك المطلب، و بالتالي فهي رسالة واضحة على فشل تنظيم » الإخوان » في أول احتكاك لهم بالسلطة و من خلالهم فشل تاريخي لتجارب » الإسلام السياسي » في الحكم و الاستجابة لانتظارات الشعوب الثائرة و التواقة الى الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية...و رأي مضاد يعتبر ما وقع انقلابا عسكريا بكل ما في الكلمة من معنى قاده الجيش المصري بدعم من قوى خارجية و داخلية تكمن مصلحتها في الالتفاف على ثورة 25 يناير 2011 و إيقاف المد الثوري الذي قد لا يخدم على المدى المتوسط و البعيد مصالح الرأسمالية العالمية في تصريف أزماتها على حساب شعوب بلدان الجنوب..و لا يتقاسم هذ الراي فقط أنصار أو المتعاطفين مع تنظيمات » الإسلام السياسي » بل أيضا العديد من الذين يقفون في جبهة التضاد مع هذه التنظيمات باعتبارها تحمل مشروعا استبداديا لا يختلف في الجوهر عن استبدادية الأنظمة الرجعية و يحافظ على مصالح الامبريالية العالمية في المنطقة..لكن هؤلاء المخالفين للمشروع » الأصولي » يؤسسون موقفهم الرافض لإزاحة الرئيس » مرسي » بتلك الطريقة التي كان فيها الفاعل الرئيسي هو العسكر، من موقع الدفاع المبدئي و الأخلاقي عن الممارسة الديمقراطية فكرا و ممارسة و التداول السلمي للسلطة انطلاقا من انتخابات حرة و نزيهة تجعل من المشهد السياسي مشهدا مدنيا يلتزم فيه العسكر بثكناته و لا يتدخل في توجيه الحراك الثوري حسب مصالح خفية و معلنة. شخصيا أميل الى الموقف الأخير من منطلق القناعة الديمقراطية قيما و مبادئ أولا، و ثانيا رفضا لتدخل الجيش بذريعة » الحرب الأهلية أو الفتنة » و توظيف رموزو مؤسسات دينية لشرعنته، لأن هذا التدخل عطل من الطاقات الثورية المتنامية للشعب المصري و خلق واقعا سياسيا مغايرا أصبح فيه » الإخوان » ضحية و قفزت الى الواجهة وجوه و نخب غير واضحة على مستوى توجهاتها السياسية و أهدافها البرنامجية اللهم التسويق الإعلامي – عبر الة إعلامية ضخمة و موجهة- لخطاب التخويف من » الإخوان » في ظل ضعف القوى اليسارية و الديمقراطية العلمانية، و ثالثا لأن إعطاء الفرصة كاملة للتنظيمات » الأصولية » لاختبار مدى قدرتها على تطبيق برنامجها الذي يؤسس للدولة الدينية الاستبدادية المؤطرة بشعار » الشريعة و الشرعية » كفيل بتبيان العجز السياسي و الفكري لهذا المشروع عن تجاوز الشعارات الأخلاقية و الدينية التي قد تكون ناجعة في الاستقطاب السياسي و التعبئة الانتخابية لكنها تفقد بريقها على مستوى تدبير السياسات العمومية و الجواب على الانتظارات المتعطشة للشعوب المظطهدة الى الديمقراطية و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية بعد عقود من الفساد و الاستبداد و القهر الطبقي. و بذلك ينضاف هذا الفشل الى النماذج الفاشلة السابقة ل »الإسلام السياسي « في السودان و أفغانستان و إيران و العراق...على أعتبار أن هذا الفشل هو في عمقه تاريخي لأنه يكشف ارتباط هذه التنظيمات بخدمة أجندات القوى الرأسمالية الامبريالية، و يفضح انتهازيتها كسلوك سياسي يعكس طبيعتها التسلطية المتسترة وراء استغلال الحس الديني الشعبي و توظيفها للديمقراطية في بعدها الأدواتي الانتخابي الصرف من حيث أنه لا تخفي عدائها الصريح للديمقراطية و حقوق الإنسان الكونية...من هنا أعتقد أن استثمار هذه التنظيمات « للربيع العربي » و وصولها الى السلطة و احتكاكها بدواليب الحكم و التدبير و الحراك الشعبي غير الموجه، يعتبر لحظة انتقالية ثورية قد تؤسس لوعي متنور ديمقراطي شعبي يقطع مع قوى الاستبداد الديني و السياسي و يدشن لنقلة نوعية تحررية من ماضي » الفقهاء و الفتاوي و الاستغلال السياسي للدين » الى زمن الحاضر و المستقبل..زمن الانتماء الى عصرالديمقراطية و العلمانية و الحداثة و العقلانية... ذ.محمد امباركي