كمال عبداللطيف: «العيب فينا وليس في المؤمرات»..مسبوقا بحفل تدشين قاعة «الدكتور عابد الجابري للأنشطة الثقافية والتربوية» بنادي الهمذاني ارتكزت مداخلة الدكتور كمال عبد اللطيف التي ألقاها السبت الماضي بالدارالبيضاء، خلال ندوة حول فكر الراحل الدكتور عابد الجابري ، بمناسبة تدشين قاعة «الدكتور عابد الجابري» للأنشطة الثقافية والتربوية ، بنادي الهمداني التابع لمؤسسة الاعمال الاجتماعية للتعليم فرع الحي الحسني، على ثلاثة محاور تمحورت حول : أولويات الثوارت العربية كخطوة لبناء شرعية سياسية جديدة ، ومن جهة أخرى التحديث السياسي لكسر شوكة الاستبداد، ثم مفارقة الثورة الديمقراطية والاسلام السياسي، فالتحديات التي حددها كمال عبد اللطيف في خلق جبهة ثقافية حداثية. هكذا اتجه الدكتور كمال عبد اللطيف ، في مداخلته للتفكير في الراهن المغربي والعربي على ضوء الثورات الاخيرة التي عرفتها العديد من الدول العربية، واضعا مقاربة أولية لعلاقة الثقافي بالسياسي في الثوارت العربية، مستندا في مقاربته إلى جملة من مبادئ مشروع محمد عابد الجابري السياسية والاخلاقية. في هذا الصدد، حدد أولويتين لشخصنة المفارقات التي طرحتها هذه الثورات، حيث أشار إلى أنها أظهرت بأن هناك تقلصا في دور الهيئات والمنظمات السياسية والنقابية والمجتمع المدني القريب من اليسار، متسائلا هل سيعود المجتمع المدني لتجاوزت العثرات التي نجتازها اليوم، مؤكدا على ضرورة شخصنة أخطائنا في هذا المسار، حيث اعتبر أن الثوارت التي وقعت مناسبة تمهيدية لبناء شرعية سياسية جديدة، وأن سنة 2011 تعد منعطفا في حياة البلدان العربية، محددا طبيعة الانفجار الذي حدث في كل من تونس ومصر هو انفجار شامل، بينما يقابلهما مايقع في سوريا الذي يظهر أن الانهيار ليس تاما، لهذا اعتبر أن هذه الثورات من أجل الديمقراطية ستظل مجرد طريق، لأن بلوغ عتبات المجتمع الديمقراطي تتطلب ثقافة جديدة للقطع مع عهد الطغيان الذي عمر طويلا، مؤكدا أن هذه الانفجارات تؤشر على انتقال سياسي. أما بخصوص الأولوية الثانية، التي ساقها في سياق الحديث عن التحديث السياسي لكسر شوكة الاستبداد، اعتبر أن الاسلوب الثوري الذي أطلقه الشباب العربي يقدم بيانا مفصحا يجب ترجمته في الخيارات والافعال، وأن ما يلاحظ بأن الشرط الديمقراطي وما وقع من أحداث يروم الى الحياد، وأن لامجال للعفوية فيما جرى بالعالم العربي، لأن عنوان ماوقع يتجه الى بلورة ملامح تروم امتلاك الممارسة الديمقراطية. وفي محور مفارقة الثورة الديمقراطية والاسلام السياسي، اعتبر الدكتور كمال عبد اللطيف، أن الفعل الثوري كان عفويا، لكن بمجرد أن انطلق هذا الفعل انتهت العفوية.. أما في سياق حديثه عن الجمع مابين رهانات الثورة والاسلام السياسي، تساءل هل هذه الثورات كانت تطالب بالديمقراطية أم عملت على فتح الطريق للاسلام السياسي؟.. ، مشيرا إلى أن كل المعطيات التي صاحبت هاته الثوارات، أظهرت بأن التحول الديمقراطي يؤشر على مؤشرات يطبعها التجاذب والتحايل ، مفصحا في هذا الصدد «أن العيب فينا وليس في المؤمرات».. أما في شق التحديات التي تناولها الدكتور كمال عبد اللطيف، التي حدد ملامحها في خلق جبهة ثقافية حداثية، اعتبر أن المدخل لها ينطلق من كون أن نهاية الفعل الثوري يضعنا أمام ذواتنا من أجل مراجعتها ، ومراجعة الاخطاء التي وقعنا فيها، مشيرا إلى أن رهان التحديات كان مطروحا منذ خمسين سنة على الجماعات والافراد لكننا، مع الأسف، تقاعسنا أمام التاريخ وتقديس اللغة وحرية الدرس والنقد..، إلى جانب تراجع قوى اليسار وتشرذمها، متسائلا، هل يمكن أن نتمثل أفقا للمستقبل بالوحدات، وما هي أسباب عجز النخب في مواجهة الاشكالات، ماهي أسباب تقليص الحس السياسي التعددي؟.. الى غيرها من الاسئلة التي أظهرت بأن الثوارت التي وقعت يجب أن تكون موصولة بالتحول السياسي، لكن كيف يمكن الحد من واقع تراجع النخب خصوصا وأن مسافتها تزيد اتساعا مع العمل الثقافي، لهذا أكد الدكتور كمال عبد اللطيف أنه لابد من التفكير في جبهة يمكن أن تشكل درعا لمجابهة الفكر المحافظ والدعوي. هذا اللقاء عرف، كذلك، مشاركة كل من عبد الرحيم الساخي ومحمد عزيز الوكيلي عن مؤسسة الاعمال الاجتماعية للتعليم بالحي الحسني، قدما خلالها أوراقا عن الراحل الدكتور عابد الجابري تضمنت المرتكزات التي بني عليها فكر الراحل وانشغالاته ومسارات بحثه عن آليات العقل والخطاب السياسي العربي الديمقراطي والعقلاني والاشكالات والمواضيع التي بحث فيها الجابري وتعامله مع التراث والعمل الذي قام به من أجل تجديده.. كما كان هذا اللقاء، مسبوقا بحفل تدشين قاعة الدكتور عابد الجابري للأنشطة الثقافية والتربوية بنادي الهمداني التابع لمؤسسة الاعمال الاجتماعية للتعليم فرع الحي الحسني، وذلك يوم الجمعة الماضي ، حضرته العديد من الوجوه السياسية والنقابية والتربوية التي تنتمي لأسرة التعليم، اعترافا بما قدمه الراحل الدكتور عابد الجابري من اسهامات وأعمال للفكر المغربي والعربي. لم يهمل المصورون الفوتوغرافيون المراة المغربية، حيث التقطوا لها صورا كثيرة و هي في الزي التقليدي المغربي، وهي تجوب الساحات و الأسواق و الشوارع و القصبات. كما لم يهملوا الحدائق، من ذلك «حديقة التجارب»، التي تم شرع في إنجازها سنة 1914 لتصبح حديقة كبرى تقم بجميع وظائفها خمس سنوات بعد ذلك. والتقطت أيضا العديد من الصور لتلك الحديقة المميزة المعروفة اليوم تحت اسم «نزهة حسان»، المنجزة سنة 1924 من طرف «مارسيل زابوسكي». ومن يقارب الرباط فنيا، لابد أن يكرس جهدا خاصا للأسوار التاريخية العظيمة، و للأبواب الخالدة. كما هو الأمر بالنسبة ل»قصبة الأوداية». و «باب الكبير» الذي أصبح اليوم رواقا فنيا ذو شهرة خاصة. أما المدينة العتيقة فقد عرفت اهتماما خاصا من قبل الفنانين الفوتوغرافيين. فهي المركز الأول للرباط. حيث تثبت الصور أنها بدأت تنمو نحو الجنوب و الجنوب الشرقي بمنطقتين أساسيتين: «السويقة»، «بوقرون» و «تحت الحمام»، ثم ال»كزا» و الملاح. و المنطقتين، كما تبرز الصور، مؤطرتان بشارع القناصل و شارع السويقة. ويتخلل المعرض العديد من الأعمال الفنية التقطت للمؤسسات و الإدارات الاستعمارية، و للأضرحة، و مناظر لتجمع الصيادين. هذا إضافة إلى صور اخرى التقطت لترامواي الرباط كوسيلة نقل انضافت إلى الوسائل التقليدية، العربات، السيارات، الدراجات الهوائية و الدواب. إنه بحق ذاكرة كبرى لمدينة تتغير ملامحها باستمرار في حفاظ وتشبث أسطوري بروح الأصل و العتاقة. هناك رحلات كثيرة قام بها شعراء و روائيين و مفكرين ورسامين إلى شمال إفريقيا، إلى تونس و الجزائر و المغرب على الخصوص. لكن هناك ثلاث رحلات هي الأشهر من بين كل تلك الرحلات. الأولى للمفكر «كارل ماركس»، قام بها بين 20 فبراير و 02 ماي من سنة 1882. و الثانية للروائي الفرنسي «غي دي موباسان» إلى تونس و الجزائر بين نونبر 1887 و 05 يناير 1888. و الثالثة هي للروائي الفرنسي «أندري جيد»، بين الفترة الممتدة من 1893 و 1903، وهي ما تعارف النقاد على تسميتها ب»المرحلة الإفريقية». جاء كارل ماركس إلى الجزائر عملا بنصيحة أطبائه، بعد أن أنهكه مرض رئوي، سببه الإدمان على التدخين، و أضعفه مرض زوجته. فكانت الجزائر ملاذا لهذا الرجل العظيم. وقد كان المريض ماركس يكتب الرسائل و يسجل الانطباعات. هناك رسالة إلى ابنتيه كتب فيها:»هنا، الوضع رائع». و رسالة إلى صديقه «إنجلز» كتب فيها:»إرضاء للشمس، تخلصت من لحيتي، التي تشبه لحية نبي، ومن شعري». و هناك فعلا صورة لكارل ماركس وهو حليق اللحية و الشعر مؤرخة ب 28 أبريل من سنة 1882. وهنا لابد أن نذكر العديد من الرسائل الأخرى التي كتبها إلى صديقه «إنجلز» يصف فيها العديد من الأحداث السياسية ويعلق عليها. منها مثلا وصفه لإعدام الفرنسيين لأحد الثوار، فتحول إعدام ثائر إلى إعدام لص. وهذا ما أثار استغراب العديد من قراء ومحللي وعشاق و أتباع هذا المفكر العظيم. و ذلك أيضا يحيلنا على زيارة أخرى معروفة للأديب الفرنسي «فيكتور هيغو» إلى الجزائر و صمته المريب عن الاستعمار الفرنسي لهذا البلد الإفريقي. وبدوره جاء موباسان إلى تونس و الجزائر، ثم المغرب بعد ذلك، للأسباب ذاتها. فقد جاء إلى تونس و هو يحمل مرض «الزهري»، الذي تسبب له في اضطرابات عصبية، قبل استفحال حالته التي جمعت بين الشلل التام و الجنون وهو في سن الثالثة و الأربعين. زار موباسان شمال إفريقيا و في رفقته خادم يدعى «فرانسوا تاسار»، الذي ترك كتاب « ذكريات حول غي دي موباسان». كان عمر موباسان سبعة وثلاثون سنة. زار «مستشفى الصادقي» للأمراض العقلية. و هي حادثة تنبؤية ألح عليها كل الذين كتبوا عن حياة موباسان. إذ خاطبه أحد المرضى التونسيين:»مجانين، مجانين، مجانين، أنت، أنا، الطبيب، الحارس، الباي، كلنا، كلنا مجانين». وقد كتب الناقد الفرنسي «هنري ميتران»:» فيا له من نذير غريب، و إن كان عرضيا، بالنسبة لرجل سوف يحجز بدوره، بعد مرور ثلاث سنوات، في عيادة الدكتور «بلانش»، بعد أن مسه الهذيان...». لماذا جاؤوا هؤلاء، كتاب نهاية القرن، إلى إفريقيا؟ لقد جاؤوا أولا من أجل الاستشفاء. فأندري جيد جاء إلى إفريقيا سنة 1893، و قد كان يعاني من حالة قلق نفسية. جاء ليرى جمال إفريقيا، القارة السرية. كتب يقول:»إنه الليل. ظهر اكتمال النهار الذي انتهى. جمال البلد المرغوب. من أجل أي افتتان و سكون ستصدر عنك الآه». و يضيف:»إنه عالم فاتن. في ماذا كنت أرغب إلى حدود اليوم؟ ماذا كان يقلقني؟». لابد من الإشارة إلى أن جيد كان قد تلقى دعوتين، أما الدعوة الأولى فقد وجهها إليه ابن خالته «جورج بوشيع» الذي عرض عليه رحلة علمية إلى «إيسلاندا»، و الثانية كانت من طرف صديقه الرسام «بول-ألبير لورانس»، الذي دعاه إلى جولة فنية في إفريقيا. و بعد طول تردد يميل «جيد» إلى قبول الدعوة الثانية. وهنا نطرح هذا السؤال: هل يمكننا تخيل ما كان قد آل إليه أندري جيد إذا قبل الرحلة إلى «إيسلاندا»؟ يبحث هذا الكتاب في مفهوم الثقافة وتطوره، ويتناول الثقافة في التحليل النفسي والأنثروبولوجيا، وكذلك الثقافة بوصفها مكونا من مكونات الهوية. ويتطرق الكتاب لمناقشة آراء وافكار شديدة الحيوية مثل ?تفوق الثقافة الغربية? و?حرب الثقافات? و?صدام الحضارات?، و?الحوار بين الثقافات?، علاوة على إشكالية العولمة الثقافية، والهوية في زمن العولمة والفضائيات. ثم يتصدى بالنقاش لآراء عدد من المفكرين والمؤرخين والباحثين أمثال السيد ياسين ورضوان السيد ووجيه كوثراني ومحمد عابد الجابري ونادية مصطفى، ليخلص إلى الاستنتاج ان مقاومة العولمة لا تعني، ويجب إلى تعني، رفض الحداثة ومكوناتها كالعقلانية والتنوير والعلم والديمراقطية وحقوق الإنسان، بل إن المقاومة المجدية للعولمة يجب أن تعتمد على القيم الإنسانية للحداثة نفسها.