نحن على أبواب الصيف. بلدنا يبدأ في استقبال العديد من السياح من مختلف الجنسيات. و السائح القادم ليس فقط رجل أعمال جاء يصرف مالا على جولاته و سياحته، ولا موظفا جاء ليغسل روتين العمل في مياهنا و تحت شمسنا. بل قد يكون أيضا كاتبا أو مفكرا أو فنانا أو باحثا يزور أرض الأساطير، إفريقيا. و بهذه المناسبة نسترجع بعض رحلات الكتاب إلى قارتنا. هناك رحلات كثيرة قام بها شعراء و روائيين و مفكرين ورسامين إلى شمال إفريقيا، إلى تونس و الجزائر و المغرب على الخصوص. لكن هناك ثلاث رحلات هي الأشهر من بين كل تلك الرحلات. الأولى للمفكر «كارل ماركس»، قام بها بين 20 فبراير و 02 ماي من سنة 1882. و الثانية للروائي الفرنسي «غي دي موباسان» إلى تونس و الجزائر بين نونبر 1887 و 05 يناير 1888. و الثالثة هي للروائي الفرنسي «أندري جيد»، بين الفترة الممتدة من 1893 و 1903، وهي ما تعارف النقاد على تسميتها ب»المرحلة الإفريقية». جاء كارل ماركس إلى الجزائر عملا بنصيحة أطبائه، بعد أن أنهكه مرض رئوي، سببه الإدمان على التدخين، و أضعفه مرض زوجته. فكانت الجزائر ملاذا لهذا الرجل العظيم. وقد كان المريض ماركس يكتب الرسائل و يسجل الانطباعات. هناك رسالة إلى ابنتيه كتب فيها:»هنا، الوضع رائع». و رسالة إلى صديقه «إنجلز» كتب فيها:»إرضاء للشمس، تخلصت من لحيتي، التي تشبه لحية نبي، ومن شعري». و هناك فعلا صورة لكارل ماركس وهو حليق اللحية و الشعر مؤرخة ب 28 أبريل من سنة 1882. وهنا لابد أن نذكر العديد من الرسائل الأخرى التي كتبها إلى صديقه «إنجلز» يصف فيها العديد من الأحداث السياسية ويعلق عليها. منها مثلا وصفه لإعدام الفرنسيين لأحد الثوار، فتحول إعدام ثائر إلى إعدام لص. وهذا ما أثار استغراب العديد من قراء ومحللي وعشاق و أتباع هذا المفكر العظيم. و ذلك أيضا يحيلنا على زيارة أخرى معروفة للأديب الفرنسي «فيكتور هيغو» إلى الجزائر و صمته المريب عن الاستعمار الفرنسي لهذا البلد الإفريقي. وبدوره جاء موباسان إلى تونس و الجزائر، ثم المغرب بعد ذلك، للأسباب ذاتها. فقد جاء إلى تونس و هو يحمل مرض «الزهري»، الذي تسبب له في اضطرابات عصبية، قبل استفحال حالته التي جمعت بين الشلل التام و الجنون وهو في سن الثالثة و الأربعين. زار موباسان شمال إفريقيا و في رفقته خادم يدعى «فرانسوا تاسار»، الذي ترك كتاب « ذكريات حول غي دي موباسان». كان عمر موباسان سبعة وثلاثون سنة. زار «مستشفى الصادقي» للأمراض العقلية. و هي حادثة تنبؤية ألح عليها كل الذين كتبوا عن حياة موباسان. إذ خاطبه أحد المرضى التونسيين:»مجانين، مجانين، مجانين، أنت، أنا، الطبيب، الحارس، الباي، كلنا، كلنا مجانين». وقد كتب الناقد الفرنسي «هنري ميتران»:» فيا له من نذير غريب، و إن كان عرضيا، بالنسبة لرجل سوف يحجز بدوره، بعد مرور ثلاث سنوات، في عيادة الدكتور «بلانش»، بعد أن مسه الهذيان...». لماذا جاؤوا هؤلاء، كتاب نهاية القرن، إلى إفريقيا؟ لقد جاؤوا أولا من أجل الاستشفاء. فأندري جيد جاء إلى إفريقيا سنة 1893، و قد كان يعاني من حالة قلق نفسية. جاء ليرى جمال إفريقيا، القارة السرية. كتب يقول:»إنه الليل. ظهر اكتمال النهار الذي انتهى. جمال البلد المرغوب. من أجل أي افتتان و سكون ستصدر عنك الآه». و يضيف:»إنه عالم فاتن. في ماذا كنت أرغب إلى حدود اليوم؟ ماذا كان يقلقني؟». لابد من الإشارة إلى أن جيد كان قد تلقى دعوتين، أما الدعوة الأولى فقد وجهها إليه ابن خالته «جورج بوشيع» الذي عرض عليه رحلة علمية إلى «إيسلاندا»، و الثانية كانت من طرف صديقه الرسام «بول-ألبير لورانس»، الذي دعاه إلى جولة فنية في إفريقيا. و بعد طول تردد يميل «جيد» إلى قبول الدعوة الثانية. وهنا نطرح هذا السؤال: هل يمكننا تخيل ما كان قد آل إليه أندري جيد إذا قبل الرحلة إلى «إيسلاندا»؟ يبحث هذا الكتاب في مفهوم الثقافة وتطوره، ويتناول الثقافة في التحليل النفسي والأنثروبولوجيا، وكذلك الثقافة بوصفها مكونا من مكونات الهوية. ويتطرق الكتاب لمناقشة آراء وافكار شديدة الحيوية مثل ?تفوق الثقافة الغربية? و?حرب الثقافات? و?صدام الحضارات?، و?الحوار بين الثقافات?، علاوة على إشكالية العولمة الثقافية، والهوية في زمن العولمة والفضائيات. ثم يتصدى بالنقاش لآراء عدد من المفكرين والمؤرخين والباحثين أمثال السيد ياسين ورضوان السيد ووجيه كوثراني ومحمد عابد الجابري ونادية مصطفى، ليخلص إلى الاستنتاج ان مقاومة العولمة لا تعني، ويجب إلى تعني، رفض الحداثة ومكوناتها كالعقلانية والتنوير والعلم والديمراقطية وحقوق الإنسان، بل إن المقاومة المجدية للعولمة يجب أن تعتمد على القيم الإنسانية للحداثة نفسها.