الصحراويون يصفون جميعات الانفصاليين ب"المساخيط" عندما تصل إلى مدينة العيون ينتهي التاريخ المكتوب ليفتح صفحاته للواقع كي يتكلم، هنا الذاكرة متقدة. يقول شيخ رافقنا في جولة إلى بعض أحياء المدينة إن هذا المكان الذي أصبح عمرانا كانت ترتع فيها الذئاب وحدها. هي قصة تلخص وحدة الوطن من الشمال إلى الجنوب من الماء إلى آخر حبة رمل في الصحراء، وحدة الوطن هي التي حولت الرمال إلى مدينة من أجمل مدن المغرب. تتجول في أحياء عيون الساقية الحمراء وشوارعها وأزقتها فتجد مدينة مختلفة عن باقي المدن المغربية، مدينة تتوفر على بنيات جيدة. وحتى هندستها مرتكزة على الثقافة وليس على البناء والتعمير فقط. هندسة حافظت على الثقافة المحلية وتجسد ثقافة الصحراوي الذي اختار الوطن مقابل كل مقترحات الاستقلال في دولة. وما يقال عن العيون يقال عن مدينة بوجدور التي يحدثنا رئيس مجلسها البلدي أبا عبد العزيز قائلا : لقد شاهدتم عمرانا ومشاريع تنموية وعلى رأسها ميناء الصيد لكن لا تنسوا أننا في هذا المكان، الذي هو الآن عبارة عن مندوبية للثقافة، تم تنصيب أول عامل على الإقليم بخيمة لأن المحتل الإسباني لم يترك لنا شيئا عندما غادر المكان. العمران والبنيات دليل على الاستثمار في المنطقة والحرص على رفاه ساكنتها. العيون تتوفر على شوارع جميلة، تبحث عن حفرة واحدة لا تجدها. تم أخيرا إنجاز قاعة مغطاة ومسبح بالمعايير الدولية، ومكتبة قل نظيرها. المدينة في حاجة إلى دخول العصر الصناعي. وهنا ينبغي أن نطرح سؤالا عن المستثمرين الذين يسمون أنفسهم وطنيين، لماذا لا يفتحون فروعا لشركاتهم بالعيون؟ الوطني هو الذي يضحي من أجل البلد. تنزل إلى الشارع وتسأل الناس عن الوضع، نتحدث عن ساكنة العيون من الصحراويين، تسألهم عن رأيهم في الأحداث الأخيرة. يجيبونك بجملة واحدة "هاذوا مساخيط" ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس ولا ينظرون إلى نصفه الممتلئ، هؤلاء لا يعرفون يوم كان الكل يعرف الداخل إلى المدينة التي أصبحت اليوم عبارة عن مدن. اختلفت رؤية الناس لجميعات الانفصاليين؛ يقول أحد شيوخ تحديد الهوية : لا يوجد انفصال بقدر ما أصبحت عبارة تقرير المصير عبارة عن عمل غير متعب، يمكن للشخص أن ينام حتى الخامسة مساء ويستيقظ ليأكل ويخرج رافعا أعلام البوليساريو ويرفع شعارات وقد يرشق قوات حفظ النظام بالحجارة، وعندما ينتهي من شغله الذي يدوم ساعة أو ساعتين يعود ليحصل على ثمن شغله. إنه بحث عن المال السهل، الأعمى هو الذي لا يرى التطورات التي عرفها ويعرفها المغرب، يضيف الشيخ. موضحا أن الصحراويين مفروض فيهم أن يكونوا إما مع المغرب أو مع الآخر، هنا ديمقراطية سائرة في طريق التقدم، هنا انتخابات ومجالس، وهناك أساليب وطرق لمواجهة الاختلالات. وهنا حرية التعبير متوفرة للجميع بمن فيهم الانفصاليون. وهناك قمع للحريات وتجويع ومتاجرة في مأساة الصحراويين. سؤال طرحناه على الكثيرين : من أجبر الصحراويين على اختيار الوحدة؟ يجيب خليل الدخيل، الوالي اليوم على العيون والشاب في سنة 1975 الذي كان ينتمي للحزب الوطني الصحراوي "البونس"، إن خيار الوحدة لم يفرضه علينا أحد بل إن خيار الانفصال هو الذي حاولت جهات عديدة أن تفرضه علينا. موضحا في لقاءاته مع الصحافيين أن إسبانيا طرحت عليهم تأسيس دولة والاستقلال فرفضوا. عجبا من يرفض الاستقلال؟ طبعا يرفضه الصحراويون الذين ربطوا الاستقلال بالعودة إلى الوطن الأم؛ شعار الصحراويين لا بديل عن المغرب. الصحراوي يبحث عن الكرامة، يقول مهندس من أبناء المنطقة، ولا يقبل الإهانة مقابل المال. ومن يقبل أن يبيع كرامته للآخر مقابل تحويلات فهو ليس صحراويا ولكن "مسخوط" الصحراء. فكرامة الصحراويين مع المغرب وليس مع غيره. ومهما تكن رؤيتنا لطبيعة تدبير الشأن المحلي فإن كل الاختلالات يمكن إصلاحها خصوصا مع دستور يربط المسؤولية بالمحاسبة. أصبح ما يهم كتيبة الانفصاليين هو الخروج إلى بعض الساحات ورفع الشعارات وأعلام البوليساريو ولو لبضعة دقائق قصد تسجيل فيديوهات تتحدث عن المناطق المحررة. سألنا مسؤولا في الإدارة الترابية هل تمنعون من يعبر عن رأيه بخصوص قضية الصحراء وله وجهة نظر انفصالية. قال لا. لا يتم منع أي أحد من التعبير عن رأيه. لكن السلطات المحلية عليها واجبات كبرى. من جهة تحفظ له حقه في التعبير لكن من جهة ثانية منع أي إخلال بالنظام العام وإغلاق الشوارع وعرقلة حركة المرور ورشق السيارات والمواطنين والقوات العمومية بالحجارة والمولوتوف. وعن خريطة وجود الانفصاليين قال إنها لا تتجاوز بضع عشرات موزعون ثلاثة أحياء صغيرة، أما باقي المدينة التي تضم حوالي 300 ألف مواطن فهي هادئة ومطمئنة وسالمة. عندما كان أطفال قليلون يرفعون شعارات وأعلام البوليساريو بقيادة بضع نساء كان رفقتنا مناضل يساري يعيش بالعيون منذ سنة 1980. أشار إلى بعض العناصر المحرضة والتي تعيش بعيدا عن الأحداث. وقال إن لكل عمل ثمنه. فلرمي الحجارة ثمن ولرفع الأعلام ثمن وللكتابة على الجدران ثمن. "بيعة وشرية وخلاص". وكي يوضح أكثر إن هناك عناصر تبيت وحدوية وتصبح انفصالية وتنام انفصالية وتفطر وحدوية. لكن المحدد هو مصروف الجيب. كان لزاما أن نجالس بعض الانفصاليين حتى نعرف كيف يفكرون. طال الحديث لكن الخلاصة كانت واضحة. يمكن حصرها في التالي "لماذا لم أنتفع" أو "أنا نفعي إذن أنا انفصالي". تحدث صاحبنا عن كل شيء إلا شيئا واحدا لم يذكره بتاتا. لماذا هو انفصالي؟ على أي أساس نظري بنى انتماءه؟ لم نجد لذلك جوابا، لكن حديثه انصب على بعض الانتفاعيين الذين يلهفون كل شيء وعن بعض الاختلالات في التسيير والتدبير التي لا تختلف عن باقي المدن والتي يمكن علاجها دون حاجة إلى الانفصال. فهمت في الأخير أن صاحبنا يريد رخصة يشغل فيها أناس آخرين يصبح هو السيد وهم العبيد. قصص لا تنتهي من قاع عيون الساقية الحمراء، لكن الحقيقة التي لا يمكن أن يغطيها أحد هي أن حركة العمران انتصرت على مكر الطبيعة. ففي الكأس جزء ملآن، نحن فقط في حاجة إلى تغيير النظارات السوداء.