في إطار الاحتفال باليوم العالمي للمناطق الرطبة،ونظرا للأهمية ايكولوجية والبيولوجية لهذه المناطق باعتبارها من الأكثر المناطق إنتاجية في العالم،نظمت كل من جمعية النور للتنمية المستدامة والمحافظة على البيئة بأركمان،وفضاء التضامن والتعاون للجهة الشرقية،والتجمع البيئي لشمال المغرب يوما دراسيا حول "أهمية هذه المناطق ودورها في الحفاظ على الماء مع قراءة تحليلية لمشروع قانون الساحل"،وذلك يوم السبت 09/02/2013 حيث انطلقت أشغال هذا الملتقى الدراسي على الساعة العاشرة صباحا بمخيم الشبيبة والرياضة بأركمان،وقد اشتمل البرنامج على عروض (اﻹنعكاسات البشرية على المنظومة البيئية لبحيرة مار تشيكا، الدكتور عبد الحفيظ شافي الأستاذ بكلية العلوم بوجدة)،و(دينامية التعمير والتهيئة والمخاطر الطبيعية بالمجالات المحاذية لبحيرة مارتشيكا لميمون بحكان الكاتب العام لجماعة أركمان عن جمعية النور للتنمية المستدامة والمحافظة على البيئة بأركمان)،و(أهمية المناطق الرطبة بالبحيرات للأستاذ الشديد الصالحي مهندس الدولة عن فضاء التضامن والتعاون للجهة الشرقية)،و(اﻹنعكاسات اﻹجتماعية للمشروع السياحي لبحيرة مارتشيكا لخالد حدوتي الدكتور الباحث بكلية الآداب) و(المنظومة البيئية المركبة للبحيرات وانعكاسات التهيئة عليها لمحمد بنعطا مهندس الدولة رئيس فضاء التضامن والتعاون للجهة الشرقية ومنسق التجمع البيئي لشمال المغرب)،و(قراءة تحليلية لمشروع قانون الساحل، ميمون بحكان الدكتور الباحث بكلية الآداب)،وقد اشرف على تنشيط هذا الملتقى الدكتور عبد القادر أسباعي بكلية الآداب بوجدة.وبعد نقاش مستفيض شاركت فيه مختلف الفعاليات المحلية والإقليمية والجهوية،رفعت مجموعة من التوصيات التي يمكن إجمالها في ضرورة التعجيل بالمصادقة على قانون الساحل وإخراج القوانين التنظيمية المرتبطة به إلى حيز الوجود حتى يتسنى لبلادنا التوفر على نصوص تشريعية خاصة بحماية الساحل والمناطق الرطبة على الخصوص،وسن قوانين زجرية رادعة لكل من يمس بالتوازن والمنظومة البيئية بالمناطق الرطبة،وضرورة تفعيل واحترام مقتضيات اتفاقية "رامسار" الخاصة بالمناطق الرطبة،وضرورة الحفاظ على التوازن البيولوجي والايكولوجي والمحافظة على التراث الطبيعي والمواقع والمشاهد الطبيعية ومكافحة التعرية بالمناطق الساحلية خاصة بالمناطق الرطبة،ومكافحة تلوث الساحل والحد من تدهوره أيا كان مصدره مع ايلاء الاهتمام للمناطق البعيدة عن بحيرة مارتشيكا باعتبارها مصدرا ملوثا لها،وضرورة حماية وتنمية الأنشطة السوسيو اقتصادية المتواجدة باللسان الرملي لبحيرة مارشيكا وجعلها دعامة لدينامية محلية منتجة خاصة نشاط الصيد البحري التقليدي مع مراعاة الخاصيات الساحلية والتكتونيكية للسان الرملي وهشاشته قبل إنجاز أي مشروع تهيئة يمكن اﻹخلال بتوازنه وتعريضه لخطر التعرية أو الغمر،وضرورة إشراك الجماعات المحلية المعنية والقطاع الخاص وجمعيات المجتمع المدني في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الساحل بصفة عامة والمناطق الرطبة على وجه الخصوص كما تنص على ذلك اتفاقية بارشلونا وبروتوكول التدبير المندمج للمناطق الساحلية " GIZC " الذي صادق عليه المغرب ودخل التنفيذ ابتداء من 21 أكتوبر 2010،وضرورة إعادة النظر في تعريف الساحل الوارد في المادة 2 من مشروع قانون الساحل وجعله مجالا يشمل كل المنطقة الخلفية لخط الساحل بدل الاقتصار على الجزء البري المحدد في الفصل الأول من الظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 ( فاتح يوليوز 1914 ) بشأن الأملاك العمومية،الأخذ بعين الاعتبار أثناء أي مخطط محلي حرية الولوج إلى شط البحر،وضرورة تشجيع سياسة البحث والابتكار قصد تثمين الساحل وموارده خاصة في المناطق الرطبة. هذا وتشمل المناطق الرطبة حسب اتفاقية (رامسار) المستنقعات،المروج،المختات أو المياه المتواجدة بشكل طبيعي أو اصطناعي دائمة أو موسمية سواء كانت جامدة او جارية،عذبة أجاج أو مالحة،بما فيها مساحات مياه البحر التي لا يزيد عمقها عن ستة أمتار خلال الجزر.وفي كل وسط من هذه الأوساط يمكننا العثور على عدة أصناف من المناطق الرطبة،فعلى سبيل المثال يتكون مصب النهر من مواحل ومستنقعات مياهها أجاج وملاحات و سواحل جرفية.ويميز تصنيف بسيط شائع بين ثلاث أنواع:مناطق رطبة ذات المياه العذبة مرتبطة بالأنظمة النهرية،و تشمل مجالات الفيضانات (أودية سبو،فاس،زيز) البرك والمستنقعات (مستنقع جرق العقاب) والبحيرات (ضايات الأطلس المتوسط).ومناطق أجاج أو مالحة: البحيرات التي يمكن أن تكون متصلة بالبحر ( المرجة الزرقاء، خنيفيس) محاطة بمستنقعات ساحلية و التي توجد غالبا بالقرب من مصبات الأنهار الكبرى (ملوية، ماسة) و الملاحات المهجورة (اللوكس الاسفل) و السبخات (marécages)،و البحيرات الداخلية التي تقع في أحواض مغلقة والتي تتركز بها كميات كبيرة من الملح و يمكن أن تجف تماما أثناء الصيف (بحيرة إيريكي).والمناطق الرطبة التي أحدثها الإنسان:كالبرك والمستنقعات وسهول الفيضانات التي تتكون بفعل أنظمة الري وخزانات المياه الصغيرة أو الكبيرة الحجم وبحيرات السدود،كما تندرج الملاحات و أحواض تربية الأسماك ضمن حقول المياه التي أحدثها الإنسان. وللمناطق الرطبة أهمية بالغة فبفضل العمليات (السيرورات) المتكاملة بين مختلف مكوناتها (تربة،ماء،أغذية،نباتات وحيوانات) تؤدي وظيفة في غاية الأهمية،فعليها يتوقف في الواقع جزء هام من الإنتاج الغذائي العالمي.وهكذا فان ثلثي الأسماك التي نستهلكها تتوقف دورتها الحياتية على المناطق الرطبة الساحلية في لحظة أو أخرى.كما أن لهذه المناطق وظائف أخرى كثيرة،كتصفية الماء بواسطة التربة،فمن خلال التسرب في الطبقات المائية الباطنية فإنها توفر الماء الشروب،والتخفيف من حدة الفيضانات المدمرة في السافلة وذلك بالاحتفاظ بالتساقطات في المناطق الرطبة بالعالية وتصريفها بكيفية منتظمة وثابتة،وتثبيت السواحل و الضفاف بواسطة النبات مما يخفف من حدة التعرية التي تقوم بها الأمواج والمجاري،وحجز الإرسابات في العالية مما يحول دون اختناق خزانات الماء و منشآت الري،وتراكم المغذيات في التربة أو في النباتات مما يحسن من نوعية الماء ويمنع الاقتيات,ويساعد على نمو الأسماك و القشريات،حماية الساحل من الأعاصير بفضل المنغروف أو التكوينات النباتية الأخرى،واستقرار المناخات المحلية التي تنظم التساقطات والحرارة كعاملين مفيدين للفلاحة بجوار المناطق الرطبة،وإمكانية استغلالها لتنقل السكان أو ترويج البضائع،وإمكانية استعمالها كمكان للاستراحة والسياحة. وبلغت سرعة و مدى تراجع المناطق الرطبة درجات مدهشة في الكثير من البلدان،ففي البلدان السائرة في طريق النمو يلحق هذا التراجع ضررا بالجماعات المحلية التي تعتمد عليها بصفة خاصة،ويجب الأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات المترتبة عن التدخل البشري بالنسبة لمختلف المناطق،كتجفيف المياه من أجل الفلاحة وتقليص المساحات المشجرة والرعي الجائر أو إبادة البعوض،وتعميق وتنقية قنوات الملاحة،والتفريغ غير المراقب للمواد المستعملة في البناء والطرق،والتحويل الى تربية الكائنات المائية،وإقامة الحواجز والسدود التي تساعد على الري والتزود بالماء و ضبط العواصف،واستعمال المبيدات والأسمدة وتصريف المياه المستعملة،واستخراج الفحم والحجر والفوسفاط ومواد أخرى،وضخ المياه من الطبقات الجوفية. إن فوائد المناطق الرطبة،لا زالت مع كامل الأسف غير مقدرة خصوصا في البلدان المصنعة التي يهيمن فيها الاقتصاد الوطني والعائلي لدرجة تجاهل قيمة التقهقر الذي يصيب الوسط الطبيعي.أما في البلدان السائرة في طريق النمو فنادرا ما يتمكن الاقتصاد الوطني أو العائلي من تحمل تكاليف تعويض الخدمات الايكولوجية التي تضيع عندما تتعرض البيئة للتدهور.والجماعات المحلية المرتبطة مباشرة بالمناطق الرطبة هي التي يصيبها الضرر الأكبر،إذ هي التي تؤدي في نهاية المطاف ثمن السياسات الاقتصادية الظرفية التي تتلازم مع انخفاض نوع حياتها. وغالبا ما ترتبط الأمراض المدارية،من ملاريا،حمى صفراء،بيلهارزيا،و التهاب دماغ ودنف بالمناطق الرطبة.وقد شكل مكافحة هذه الأمراض إلى وقت قريب إحدى الذرائع الرئيسية لتدمير هذه المناطق،إلا أنه غالبا ما تسببت هذه التدخلات في ارتفاع واضح في عدد الحالات...فأنظمة الري وكذا الحواجز الساحلية يمكنها إحداث مناطق مائية جديدة تساعد على تكاثر ذباب البرداء الناقل لعدوى الملاريا.وتظهر الكثير من الأمثلة الأخرى على أنه إذا كانت المناطق الرطبة تأوي الجراثيم والطفيليات،فان التجفيف أو الطرق الأخرى ليست هي الاختيارات الفعالة والوحيدة لمواجهة هذه الأوبئة.فبالرغم من المجهود الجبار الذي يبذل في جنوب أوروبا للقضاء على ذباب البرداء فهو مازال موجودا،في حين اختفى هذا الداء بفضل تحسين الظروف الصحية والسكنية.وبما أن الوضعية الصحية ترتبط بشكل وثيق بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية،فان الكفاح ضد هذه الأمراض لن يكون فعالا إلا بتحسين هذه العوامل وليس بتدمير المناطق الرطبة. واتفاقية "رامسار" وقعت سنة 1971 اتفاقية بينحكومية في رامسار بايران،وهي اتفاقية متعلقة بالمناطق الرطبة ذات الأهمية الدولية كموطن للطيور المائية.وهذه الاتفاقية تشكل قاعدة للتعاون الدولي بهدف حماية المناطق الرطبة وقد انضم إليها المغرب سنة 1980،وقد نصت بنودها على إتخاذ الإجراءات الحمائية التالية:التزام الدول الموقعة للاتفاقية بمراعاة المحافظة على المناطق الرطبة في مخططات تهيئ ترابها الوطني،وضرورة تشجيع الاستغلال الرشيد لهذه المناطق وتأمين الحفاظ على خصوصيتها الطبيعية،وعلى الأطراف المتعاقدة بموجب هذه الاتفاقية تسجيل المناطق الرطبة ذات الأهمية الدولية على "لائحة مواقع رامسار".و لقد عين المغرب أربعة مواقع على لائحة رامسار للمناطق الرطبة ذات الأهمية الدولية وهي:المرجة الزرقاء 7000 هكتار،ومرجة سيدي بوغابة 650 هكتار،وبحيرة أفنورير 280 هكتار،وخليج خنيفيس 6500 هكتار. محمية سيدي بوغابة إن محمية سيدي بوغابة عبارة عن مرجة تمتد على مساحة 200 هكتار،وهي تقع في مشجر رائع من العرعار الأحمر قرب القنيطرة،ولا تعد هذه المرجة التي يتراوح عمقها ما بين 0.5 و 2.5 م،بحيرة شاطئية, ذلك أن مياهها تأتي في معظمها من حقل المياه الجوفي وبنسبة أقل من التساقطات.وتعد من أواخر البحيرات الطبيعية ذات المياه العذبة الدائمة على الساحل الشمالي الغربي من المغرب.وتشمل أنواع الطيور بالمحمية 171 نوعا،معظمها لا يشاهد إلا خلال موسم الهجرة أو في فصل الشتاء.وتتوقف بها كل الأنواع المهاجرة التي تمر عبر المغرب منها ثلاثون نوعا بكيفية منتظمة،كما يقضي بها حوالي عشرون نوعا فصل الشتاء،من بينها العديد من البطيات:البط البري،أبو ملعقة،الحذف الشتوي،الحذف الرخامي الخ...والتي تصل إليها بمئات الأفراد.كما يوجد بالمرجة وبكيفية منتظمة البلشون الرمادي وشنقب المستنقعات،فيما يعيش بها حوالي ثلاثون نوعا أهمها الحذف الرخامي المهدد إجمالا بالانقراض.وهي الآن محمية بيولوجية معترف بها من طرف اتفاقية "رامسار"،وأصبحت تخضع لتدابير حمائية صارمة،كما تعد من أجمل مواقع الحياة البرية التي لا تزال موجودة بالمغرب. محمية المرجة الزرقاء تنفصل بحيرة مولاي بوسلهام الساحلية عن المحيط الاطلسي بواسطة سلسلة من الكثبان الرملية القديمة،إلا أنها تتصل بالبحر بواسطة مضيق،وهي تتغذى بالماء العذب عن طريق مجريين مائيين دائمين.وتتغير مساحة وعمق المرجة تبعا لحركة المد والجزر وكميات الأمطار،وموفرة بذلك مواحل لتغذية الطيور المهاجرة،إذ تتوقف بها خلال فصل الشتاء عدة مئات الآلاف من المنقعيات أو "الردغيات" كالطيطوي،أبو قيقة،الجهلول،النكات،الطويل الساق وأبو ملعقة الأبيض،النحام،البط والإوز والنوارس وغيرها،وذلك عندما تتقل من مواقع تعشيشها في أوربا إلى مواقع تشتيتها جنوب الصحراء،كما أن العديد منها يقضي فصل الشتاء بالمرجة،و خاصة الكروان ذي المنقار الدقيق وهو صنف يعيش في سيبيريا ومعرض للانقراض التام. إن المرجة تأوي ثروة بيولوجية هائلة،وتوفر العيش لسكان العديد من القرى المجاورة،إلا أن الإفراط في بعض الأنشطة كالصيد والرعي وقطع الأسل (السمار) وتجفيف الحقول للزراعة والنمو العمراني المتواصل وتدفق المزارب والتخييم والرياضات المائية،من شأنه الإخلال بتوازن المحمية البيولوجي و الايكولوجي الهش.وعلى هذا الأساس فان المرجة الزرقاء في حاجة لدراسة بين وزارية لتدبيرها المتكامل من أجل ضمان استغلال مستديم لهذا الموقع "الرامساري"الفريد.