صور من مساهمات منطقة فجيج في مقاومة الاستعمار * لماذا هذه المحاضرة ؟ : لعل جميع الإخوة يدركون أن سبب اختيار موضوع يدور حول مقاومة الفجيجيين عامة ، وقصر زناكة نموذجا ، هو احتفالنا بذكرى عيد الاستقلال المجيدة ، وهي بالفعل مجيدة بدماء الشهداء الذين عبر الاستقلال فوق أنهار دمائهم الزكية الطاهرة .. ومنهم الفجيجيون الذين يطالعوننا في صدارة كل فعل نبيل ، أضف إلى ذلك أن هذا الملف لم يوفّه أحد حقه من البحث والدراسة لحد الآن رغم انتمائه إلى التاريخ القريب الذي لا تزال جل أحداثه ندية رطبة على أفواه إخواننا المسنين أبقى الله بركتهم ، وحتى أولئك الذين تم الحديث عنهم تكررت أسماؤهم في كل محفل حتى توهم الفجيجيون أن مقاوميها هم هؤلاء فقط ، والحال يؤكد أنهم يعدون بالعشرات ، ومن حق كل واحد منهم علينا أن نقدره حق قدره ، ونلتفت إليه ولانتنكر له بالإهمال والنسيان ... * مقاومة المغاربة للاستعمار : مما لا يقع داخل دائرة الشك كون المغاربة هبوا صفا واحدا في مقارعة الاستعمار ، فلم تتخاذل منطقة ، ولم تستسلم جهة ، ولم يفتر بلد ولا قرية .. وقد بدأت ملامح المقاومة تتشكل في عدد من المناطق منذ الأيام الأولى لدخول الاستعمار، ومنها منطقة فجيج حيث نسجل موقف الفجيجيين الشامت غداة اندلاع الحرب العالمية الأولى ، وتتبع دقائق أخبارها ، والتفكه بها في المجالس والحلقات لصلح دول المحور .. كما لايمكن أن ننسى أبدا تلك المواقف البطولية التي سجلها المؤرخون بمداد الفخر والاعتزاز للبطل المجاهد أحمد بن الحسن السبعي ، وإذا ذكر هذا الرجل ذكرت معه معارك المنابهة وبوذنيب وبوعنان وإفري ومسكي الأولى والجرف ، وغير ذلك .. ومع إعلان الظهير البربري ظهرت أشكال أخرى من المقاومة جمعت بين الفكري والمسلح .. إلا أن أشرس أشكال النضال سيبرز غداة الاعتداء بالنفي على رمز الأمة ، وشعار وحدتها جلالة المغفور له محمد الخامس .. * ملامح من المفاومة بمنطقة فجيج : ولمنطقة فجيج في هذا النضال سجل حافل بأنواع البطولات النادرة ، تناول الباحثون غيضها ، وفيضُها لا يزال بين المهمل والمجهول والمسكوت عنه كما أشرنا سابقا ويكفي أن نلقي نظرة عاجلة على المجلة التي نشرتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين ، وأعضاء جيش التحرير، وجمعت بين دفافها أعمال ندوة المقاومة المغربية في الجنوب الشرقي ببوعرفة وفجيج من 15 إلى 17 أكتوبر 1998م يكفي أن نلقي عليها نظرة عاجلة ليتجلى لنا حجم المشاركة ، وملامح الملاحم والبطولات التي ضربت في كل اتجاه ، وشرفت لا المنطقة وحدها ، ولكن الوطن العزيز بقضه وقضيضه كما هو شأن غيرها من المناطق والجهات .. ولا يهمني الآن أن أعيد هنا ما تكرر محفوظا في هذه المجلة أو غيرها كندوة البيئة المحلية والتنمية بفجيج[1] ، ولكني أريد أن أتتبع الجديد الذي بدأ يظهر في بعض المنابر مؤكدا أن ملف المقاومة بمنطقة فجيج ملف من الصعب جدا أن نعلن عن نهاية البحث في تفاصيله ، فكل بيت تقريبا كان ينغلق على مقاوم دافع عن وطنه باستماتة وشرف ، ومات دافنا معه مراحل أعماله وأطوارها .. ومن حسن حظ البحث العلمي أن يظهر الآن أبناء مثقفون اتفقوا على أن الواجب يلزمهم إنصاف آبائهم وأقاربهم وأهل حيهم وأهالي بلدانهم ، ونفض الغبار عن كل من حظي بشرف المقاومة ومقارعة الاستعمار.. من هؤلاء رجل بسيط يمكن أن نُطلق عليه لقب " الزرقطوني الفجيجي " ذلك أن بينهما قاسما مشتركا ، وهو أن كلا منهما كان يدس بين ثيابه قرصا من السم ، بكون خلاصه حينما يقع بين أيدي العدو ، لا تخلصا من حياته ، ولا خوفا من الأساليب الوحشية التي كان المستعمر الغاشم يسلكها في تعذيب الوطنيين ، ونزع الاعترافات منهم ، ولكن حرصا منهم على سلامة المقاومة في سريتها وسيرورتها وحالها ومآلها .. هذا الرجل هو المرحوم " الحاج محمد بلحاج بن عبد الحق " ، وسار في هذا النهج الأستاذ الجليل بناصر جباري إذ كشف المستور من مواقف والده الحاج عبد القادر الذي سجن ونفي .. وقل مثل ذلك فيما فعله الأستاذ " دخيل الله " وهو يتحدث عن عدد من مناضلي قصره قصر الحمام الفوقاني[2] .. ولا أريد هنا أن أعيد سرد مواقفه البطولية ، ولا إعادة صياغتها ، ففيما كتبه عنه ابنه البار الدكتور عبد الكريم بلحاج في جريدتيْ فجيج كفاية ومقنع ، ودليل جديد على أن في واحة فجيج خاصة ، والمنطقة عامة ، رجالا كثيرين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، من الدفاع عن وطنهم ، فماتوا دون أرضهم شهداء ، أو شدت عليهم الخناق أيادي المستعمر الغاشم بالتنكيل والتعذيب ، والنفي والتغريب ، فما وهنوا لما أصابهم وما ضعفوا وما استكانوا .. كما لا أود هنا أن أتحدث عن فرسان المقاومة بفجيج ، الذين تدور على أخبارهم جل ما كُتب ويُكتب ، لكني سألتفت إلى أولئك المقاومين المجهولين الذين يعدون بالعشرات في هذه الواحة الطيبة ، كلهم قاوموا وناضلوا في سبيل الاستقلال ، إلا أنهم لا يزالون في طي الكتمان كالمرحوم محمد بلحاج .. إنهم وطنيون من عيار ثقيل ، صنعوا أحداثا ، وشاركوا في أحداث ، وأغاظوا المستعمر بتعلّقهم برمز المغرب ووحدته واستمراره ، وأغاظوه بتحديهم وإصرارهم على تنوير الأهالي ، وإشراكهم في الثورة ضدهم .. ففي كل قصر نشطت الاجتماعات السرية لمناقشة ردود الأفعال الضرورية ضد غطرسة المستعمر أولا ، وضد نفي محمد الخامس ثانيا ، وأمامنا شواهد كثيرة على ما نقول ، هي أحداث جسيمة وقّعها أبطال قوابس لا أعرفهم إلا في الوثائق ، وربما لا يزال بعضهم حيا يُرزق ، وقد يكونون بيننا .. وسأكتفي باستعراض نماذج من أحداث وأحكام محتفظا بالأسماء كما جاءت في الوثائق التي اعتمدتُها نذكر منها ما يلي : أولا : في السابع من شهر ماي 1952 ، صدر حكم جنائي كان المدّعي فيه هي : النيابة العمومية ، والمتهم هو : الجيلالي بن بازة ، المدعو " لالي بن بازّة " ، من فرقة أولاد رحّو ، حومة بني داريت ، قصر زناكة .. يقول ملخص الحكم الجنائي : " بناء على ثبوت الاجتماع السري الذي عقده المتهوم ( كذا ) بمنزله ، بدون رخصة ، حكمنا عليه بثلاثة شهور سجنا ، حكما حضوريا بتاريخ 7 ماي 1952 ، والسلام .." ثانيا : نموذج من تقرير السلطة المحلية : إن المسمّين : - محمد بن العربي بن البشير بن بوراس - بناصر بن عبد المالك بن بزة - ملال بن سهول بن مرزوق - احمد بن عبد الرحمن بن عبد الحق - الحاج هكو بن العرابي - أحمد بن عبد السلام بن لالي من قصر زناكة كانوا يترأسون بتواريخ 18 و 19 و20 نونبر 1952م ، بساحة زناكة الكبيرة بعض الحفلات ، مخالفة للاتفاق الفرنسي المغربي ، ولأوامر القرار الوزيري المؤرّخ ب : 26 أكتوبر 1934م الموافق 16 رجب 1353 ه المؤسسة لعيد العرش .. فقد نطقوا بخطاب وأغان تدل على الفتنة ، وهتفوا بحياة عبد الكريم وعلال الفاسي ومصالي الحاج وبوركيبة ... وكانوا يشجعون على هذه النداءات ، ويصفقون لإطلاقها .. إن العقوبة الجارية عليهم من لدن الباشا بتاريخ 27 نونبر 1952 ، هي ثلاثة أشهر سجنا ثابتة ، وإن الاستئناف لن يقبل منهم ..." ومعلوم أن عام 1952 يصادف العيد الفضي للعرش ، وفيه عم أرجاء المغرب احتفالات خاصة بهذه الذكرى ، جن لها جنون المستعمر فنكلوا بكل من ترأسه أو شارك فيه .. ومن مظاهر التعلق بالعرش والاحتفال بذكراه ، إغلاق الدكاكين استجابة لنداءات الوطنيين ، وقد توبع هؤلاء ، وتعرضوا للتضييق والمساءلة والسجن ، وبإمكاننا أن نقدم على ذلك أمثلة كثيرة جدا ، نقتصر منها على الحكم التالي : " إن المسمّى إبراهيم بن مبارك بن عبد الحق ، من قصر زناكة ، فرقة أولاد عمر بن عثمان ، قد أغلق دكّانه بتاريخ 13 دجنبر 1952م ؛ لكي يبيّن خضوعه للأمر الصادر من حزب الاستقلال .. فقد اعترف المتهم بالأفعال المعاتب عليها .. فقد حكم خليفة باشا فكيك في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 18 دجنبر عام 1952م على إبراهيم بن عبد الحق بثلاثة أشهر سجنا ؛ لتخلّفه عن قرار باشا فكيك عدد 14 المؤرّخ ب : 12/12/1952 الملحق بملف أوراق القضية ، مصحوبا بترجمته إلى الفرنسية ، المانع غلق دكاكين الأطعمة في غير وقت ، والدكاكين المستعملة فيها التجارة الواجبة من أجل الحياة الاقتصادية .. فنكد عظيم قد عكّر معيشة القصر بسبب الغلق الواقع بذكاكين الأطعمة ، بحيث أن عدة مغاربة يتموّنون كعادتهم كل يوم من السلع الضرورية .. وعليه سيطلب المندوب المخزني لدى محكمة باشا فكيك إثبات الحكم بلا شرط ولا استئناف ، ويظن أن هذا الاستئناف غير ممكن قبوله بحيث أن العقوبة الصادرة لا تجوز ثلاثة أشهر ." ثالثا : من أشكال المقاومة أيضا : التحريض على عدم إحياء سنة عيد الأضحى حتى يعود الملك محمد الخامس طيب الله ثراه ، وهذا التحريض يصنفه الادعاء العمومي في خانة ما يسميه حرفيا : " التآمر ضد الأمن العام " ونماذجه كثيرة ، نمثل لها بالإشارة إلى شخص الحسين بن محمد بن فنزار الزناكي ، جاء في حيثيات إدانته بشهر سجنا نافدة : " كان مواظبا على التحريض ضد إقامة عيد الأضحى ، سُجن المتهم مرتيْن لتهمة سياسية : المرة الأولى : شهرسجنا في تاريخ 20 أبريل 1953 على مخالفة القرار الوزيري المؤرّخ 26 أكتوبر1936. المرة الثانية : شهريْن سجنا بتاريخ 25 غشت 1953 ، على جمعية سرية .. ومن أشهرما سجلته تحقيقات الفرنسيين في هذا المجال ، ما وقع في عيد الأضحى الذي وافق يوم السبت 30 يوليوز 1955 ، حيث قام مجموعة من الوطنيين بقصر زناكة بإلقاء قارورة بنزين حارقة ، على جموع المصلين ، لا لإيقاع الضحايا ولكن لإرباكهم وإحداث الإضطراب في صفوفهم ، لأنهم كانوا يطلقون النداءات على مقاطعة كل احتفال مهما كان نوعه حزنا على نفي رمز الوطن .. وهؤلاء المناضلون أغلبهم كانت له ارتباطات مباشرة بخلايا الدارالبيضاء والرباط وغيرهما من المدن ، وقد مهّد هؤلاء لتنفيذ العملية باجتماع عقد في ليلتيْ السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر يوليوز ، ترأّسه المدعو " عبد الرحمان بن عراف بن دحو " الذي جاء من الدارالبيضاء ، وحضره خمسة عشر مناضلا ، وصفهم الفرنسيون بأنهم أخطر المتطرفين ، واتفقوا على نهج كل السبل لعرقلة إحياء عيد الأضحى ، لأنه أمر لا يستقيم ورمز البلاد خارج وطنه بعيدا عن شعبه .. ومن أهم الذين تم استنطاقهم بعد تنفيذ هذه العملية : 1/ محمد بن بوعزة بن بلخير ، من مواليد 1927 ، فرقة العتامنة ، مياوم ، ومدير سابق بمدرسة القصر ، والده بوعزة بن بلخير وأمه أم الخير بنت علي ، ذو ثقافة عربية ، متزوج بلا أولاد ، سُجن مرتيْن عام 1954 بسبب أنشطة تخريبية . قال في اعترافاته : " قبل حوالي عشرين يوما جاء من الدارالبيضاء محمد بن عبد القادر المعروف بحمّو قادة ، اتصل بي وأبلغني أنه مبعوث من قبل حمّودادّا بن اعمارة خياط بدرب الشرفاء في الدارالبيضاء ، وحرضني على تكوين خلية إرهابية بفجيج [3] .. أجبته بأن السيد عبد الرحمن بن عراف بن دحو أتصل بي من قبل في هذا الشأن ، لكننا لم نفعل شيئا لحد الآن لأننا لم نجد متعاونين .. وعلى الفور اتصل بشخصْن جاؤوا أيضا من الدارالبيضاء ، هما : عبد الرحمن بن عراف وعبد الرحمن بن بناصر بن قادي .. وحرضنا على كتابة مناشير [ tracts ] تدعو إلى مقاطعة الاحتفال بعيد الأضحى ، وإعلان الحداد حتى يعود الملك . في يوم الثلاثاء 19 يوليو الماضي ، اجتمعنا نحن الأربعة بعد الظهر في حقل عبد الرحمن بن عراف حيث بدأنا في كتابة المناشير على أن تلقى في السوق ، وتحت أبواب منازل أعضاء الجماعة .. لا أدري هل وزع عبد الرحمن بن عراف وعبد الرحمن بن بناصر بن قادي حصتهما من المناشير، وأُحدد هنا أن هذه المناشير تمت كتابتها من قبلنا نحن الثلاثة : عبد الرحمن بن عراف بقلم الرصاص ، محمد بن عبد القادر بن سلاّم بقلم جاف أحمر ، وأنا بقلم مداد أزرق .. الهدف من هذه المناشير هو جمع كل المغاربة ، ودعوتهم إلى مؤازرة أنصار الاستقلال ، وإعلان الحداد ، ومقاطعة العيد ، وعدم ذبح الأضاحي حتى تتحقق عودة ملكنا الشرعي سيدي محمد بن يوسف .. وهذه المناشير هي نداء ودعوة لاتحاد جميع المغاربة ، ولا بد أن يكون هناك من يضحي في سبيل سعادة الآخرين .. إني أؤكد أن هذه المناشيركتبت بتحريض من محمد بن عبد القادر بن سلاّم الذي تلقى التعليما من الدارالبيضاء . لهذه الأسباب أنشأنا الخلية ، وقررنا إلقاء الزجاجة الحارقة في صبيحة يوم العيد ، لأن السكان لم يستجيبوا للنداءات التي حملتها المناشير .. لقد غيرنا طريقة كتابتنا حتى لا يُكتشف أمرنا ، وكتبنا نحوا من خمسين منشورا ، هذا كل ما عندي من أقوال يمكن أن أدلي بها في الحادثة . بعد إقفال المحضر وتوقيع المتهم كتب المقرر ما يلي : بعد الاعترافات السابقة أعلمنا السيد رئيس الدائرة بنتائج التحقيق ، فزودنا بالمناشير التي جمعها رجال المخزن من السوق صبيحة العشرين من يوليو 1955 .. أما المتهمون الآخرون في القضية ، فلم نستمع على أقوالهم ؛ لأنهم كانوا بين يدي الشرطة القضائية بوجدة للتحقيق معهم في فروع هذه الخلية .. ولما عاد هؤلاء من وجدة تم استجواب كل منهم على حدة ، ولا بأس أن ألخص هنا معلومات عنهم ، إذ هي جزء تابع لتاريخهم المشرف في سبيل النضال من أجل عودة رمز البلاد : عبد الرحمن بن عراف بن دحو ، من مواليد 1934 ، فرقة أولاد موسى .. والده عراف بن دحو ، ووالدته باتون بنت عبد الرحمن ، ذو ثقافة عربية ، أعزب .. حكم عليه عام 1954 بشهر حبسا بسبب أنشطته التخريبية . محمد بن عبد القادر بن سلاّم ، 22 عاما ، من مواليد 1933 .. بفجيج زناكة ، فرقة أولاد سلاّم .. والده عبد القادر بن سلام ، وأمه فاطمة بنت بشير .. مدرس بمدرسة الريف ..13 زنقة درّاس بن إسماعيل بالدارالبيضاء ، عازب ، سبق أن حُكم عليه بشهر سجنا بتهمة القيام بأعمال تخريبية . . وهو المتهم بإلقاء الزجاجة الحارقة . عبد الرحمن بن بناصر بن قادي ، ولد عام 1934 ، فرقة أولاد موسى ، مياوم ، جاء من الدارالبيضاء ، والده المرحوم بناصر بن قادي ، ووالدته فاطمة بنت بوعلام ، ذو ثقافة عربية ، أعزب وهناك عدد آخر من المتهمين والشهود ، لا يسمح المقام بذكرهم ، ولا يمنع من الإشارة إلى بعضهم مثل : 1/ محمد بن بلقاسم بن هكو ، 24 سنة . ولد عام 1934 .. فرقة أولاد هكو ، ابن بلقاسم بن هكّو وخديجة بنت جلول . متزوج .. حكم عليه عام 1952 مرتين بتهم تخريبية ، مرة بثلاثة أشهر، ومرة بشهرين سجنا نافدة . 2/ محمد بن مرزوق بن عبد الله ، 40 عاما ، ولد عام 1915، بقصر زناكة فرقة أولاد مرزوق ، والده مرزوق بن عبد الله ، ووالدته فاطمة بنت مولاي .. " مُصلح درّاجات " cycliste ، حُكم عليه عام 1954 بشهرين سجنا بسبب أنشطة تخريبية . والواقع أن تتبع الخط النضالي الذي سار فيه هؤلاء سيكلفنا كثيرا من الوقت ، ولا سيما إذا تشعب بنا الحديث إلى عناصر أخرى من عائلاتهم ، فنذكر على سبيل المثال أن هناك مناضلا آخر اسمه الحاج عبد الرحمن بن أحمد بن دحو تمت محاكمته أواخر نونبر 1950 مع ملال بن الحبيب بن قادي ، ومحمد بن عبد الحق بن اعمارة ، بتهمة تنظيم مظاهرات والقيام بأنشطة تهدد الأمن العام ، وهي تهمة تستوجب الحبس من ثلاثة أشهر إلى عامين وغرامة مالية بين ثلاثمائة وألفيْ فرنك ... ولما كان الأمر بهذا الثراء في مقاومة الفجيجيين عامة .. فسنضع نهاية لهذه المداخلة المتواضعة بالإشارة إلى متفرقات من الأخبار النضالية جمعناها عن الشيخ العدْل المداني بن بادّة ، تقول : " إنه من أعوان بن افْرج المطرود من فكيك ، وإنه من الحزب المتطرف ، يعني حزب الاستقلال .. وهو الذي أخذ يعمل بمجهوداته لتأسيس الجمعيات والتدخل في السياسة ضد المخزن الشريف ، ويقول بأن المغرب سيحكمه الروس باتفاق مع الوطنيين .. وأفصح أن المساجين المبعدين عن فكيك وغيره من جملتهم الحاج محمد بن افْرج يدافعون عن قضية المغرب ، ويدورون في المغرب حيث شاؤوا ، وأن حزب الاستقلال يمونهم كيف ما شاء... إلخ ولاشك في أن الوطنيين بفجيج عامة وقصر زناكة خاصة ، كانوا كثيرين ، متحمسين ، ملتزمين بخط الوطنية الصادقة ، مقتنعين يقدسية الوطن ، وضرورة التضحية في سبيل حريته وكرامته .. ومن هنا وجب علينا أن نستجمع جهودنا ، ونرد بعض الجميل لهؤلاء الشرفاء الذين وصفهم الاستعمار بالتطرف وتخريب الوطن ، وتهديد أمنه واستقراره .. والحال أنهم كانوا أوفياء لنهج الكفاح الذي سار عليه إخوانهم في كل أنحاء الوطن .. وقليل في حقهم أن نبادر إلى إحياء ذكراهم العطرة .. خلاصات : نلاحظ أن أحداث المقاومة التي عرضتها أمامكم انطلقت منذ 1950 ، كما تلاحظون تاريخ متقدم ، وقد ازدادت وتيرتها في شهر دجنبر من عام 1952 ، والسببل راجع إلى كون الفجيجيين رغم بعدهم ، وصغر مدينتهم ، وقلة عددهم ، وسهولة ضبطهم وتعقبهم .. كانوا حاضرين بقوة في كل الأحداث الوطنية والإقليمية ، ولم يمنعهم البعد عن الحواضر والمراكز الكبيرة من التفاعل مع الأحداث بعد وقت قصيرمن وقوعها ، وهذا دليل آخر على اتصالهم الوثيق بصنّاع الأحداث والفاعلين فيها ، وتفصيل ذلك أنه في الخامس من شهر دجنبر امتدّت أيدي الاستعمار الفرنسي إلى اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشّاد ، ومباشرة بعد يومين : أي في السابع والثامن من الشهر نفسه ، اندلعت مظاهرات كبيرة في الدارالبيضاء تضامنا مع الشعب التونسي ، وتعبيرا صادقا من الشعب المغربي عن قيم الإخاء التي تربط بين أبناء المغرب العربي الكبير في السراء والضراء .. ولقد تحمل المغاربة في سبيل هذه القيم ، وفي أثناء تلك المظاهرة شتى صنوف التعذيب والتنكيل .. وانتقلت شرارتها بسرعة إلى فجيج ، حيث ظهرت أشكال متنوعة من الكفاح منها حسبما أحصته ملفّات الآدّعاء العمومي آنذاك : - إغلاق الدكاكين توزيع المناشير المحرّضة التهديد باغتيال أذناب الاستعمار وأعوانه تنظيم المظاهرات إطلاق الهتافات التحريضية ، والأناشيد المستصرخة للهمة الوطنية تكثيف الانخراط في صفوف حزب الاستقلال تجنيد الناس للاحتفال بعيد العرش وإذكاء روح الوطنية وكلها تهم واقعة تحت بند ما يطلقون عليه : " تهديد الأمن العام " ... والنتيجة التي نخلص إليها آخر المطاف هي أن فجيج ومنطقتها ، كانت مثل خلية نحل دؤوب ، لا تكف عن رفض الاستعمار بكل أشكال الرفض المقاوم ، منذ أن وطئت قدماه أرض فجيج قبل اغتيال فرحات حشاد ، وقبل نفي المغفور له جلالة محمد الخامس رحمه الله ، أما بعده فقد ازدادت الحركة نشاطا ، وأشكال المقاومة والكفاح تنوعا ، وانتشرت في كل اتجاه ، الأمر الذي أربك المستعمر ، ودفعه إلى الشك في كل الناس ، والزج بهم في غياهب السجون ، أو نفيهم عن مواطنهم ، إلى حيث كان يظن أنه تخلص منهم ، وأمن من إزعاجهم ، لكنهم كانوا كالغيث أينما حلوا نفعوا الوطن ، وحاربوا المستعمر .. وهذا تاريخ رائع يجب أن نهتم بتقديمه إلى الناس .. رحم الله تلك الأبدان ، وأسكن أرواحهم في فسيح الجنان !! وعيدكم مبارك سعيد إن شاء الله .. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . فجيج : محمد بوزيان بنعلي [1] ندوة 17/22 غشت 1997 وفيها أحاديث عن المجاهد مشراوي الشيخ وتأبين المقاوم حسن أرسلان . [2] ينظر أعداد من جريدتي : منبر فكيك و صوت الجنوب الشرقي [3] في الأصل الفرنسي : En m'incitant à former une cellule térroriste à Figuig