هل تعلم أن الرئيس الحالي التونسي عاش في المغرب و حل منصف المرزوقي بطنجة-هو ووالدته عزيزة بن كريم وأربعة أشقاء،وعمره لا يتجاوز 16 سنة.حيث التحق بإحدى الثانويات (المدرسة الفرنسية)،وهي المرحلة التي توجت بفوزه في المناظرة العامة للعربية،مما خول له الانتفاع بمنحة جامعية للدراسة بفرنسا والالتحاق بجامعة ستراسبورع (شعبة علم النفس) التي حصل منها على دكتوراه في الطب.أما الرئبس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة فقد ازداد في المغرب وبالضبط في وجدة.ترى هل هي عوامل مشجعة لانطلاقة قطار المغرب العربي وفتح الحدود؟ هكذا تعلمت حب المغرب والمغاربة دعا الرئيس التونسي منصف المرزوقي، على هامش الذكرى الأولى للثورة التونسية، الدول المغاربية إلى الدخول في مرحلة بناء الفضاء المغاربي». هذا حلم المرزوقي الذي يسكنه حب المغرب.. حلم في هدم ذلك الجدار السميك بين المغرب والجزائر ليتمكن من معانقة بلده الثاني، على أساس ما سماه الحريات الخمس: حرية التنقل وحرية الاستقرار وحرية العمل وحرية الاستثمار وحرية الانتخابات البلدية للمواطنين المغاربيين حيث يقيمون. فقد عُرف عن منصف المرزوقي أنه شخصية متواضعة ومحببة عند الجميع، وكان أول من دعا التونسيين إلى عصيان مدني ضد سلطة الرئيس السابق بن علي طيلة سنوات تواجده في فرنسا، معتمدًا على رسائل فيديو مصورة بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«يوتيوب». صعوده، الآن، إلى سدة الحكم ، يعتبر انتصارا للديمقراطية وثأرا لوالده الذي أبعده بورقيبة من تونس، حيث استقر في المغرب وقضى فيه 33 سنة قبل أن يتوفى ويدفن في مراكش. لا يعرف الكثيرون أن الرئيس التونسي الجديد، منصف المرزوقي، عاش مساحة من عمره في المغرب بعدما أمضى جزءا كبيرا من طفولته في مدينة قرمبالية (محافظة نابل أو هوكولوملاروس كما كانت تسمى)، ولا يعرف الكثيرون أن والده محمد البدوي المرزوقي مدفون بإحدى مقابر مدينة مراكش؛ وهذا هو السر الذي جعله يحمل للمغرب والمغاربة حبا خاصا لم تمحه 15 سنة قضاها في فرنسا؛ فقد فر والده - المنحدر من قبيلة المرازيق (الجنوب التونسي)- إلى المغرب هربا من انتقام بورقيبة وبطشه بسبب ولاء المرزوقي ل«صالح بن يوسف» الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد، والذي كانت تربطه، في عقد الخمسينات من القرن الماضي، علاقة متميزة مع السلطان المغربي محمد الخامس. الطريق إلى المغرب وكان صالح بن يوسف قد أنشأ حركة سياسية ذات هوية مغاربية وذات عمق عربي إسلامي، وهي نتيجة لعوامل ذاتية وأخرى موضوعية، تجسدت الأولى في قدرة «صالح بن يوسف» على تجديد شخصيته السياسية بصورة جذرية بعد أن برزت الظروف الموضوعية المساعدة على ذلك مجسدة في بروز مصر كقاعدة خلفية للحركات الاستقلالية في الوطن العربي بعد قيام ثورة الضباط الأحرار سنة 1952، هذا علاوة على انعقاد مؤتمر باندونغ بأندونيسيا الذي حضره «بن يوسف» وهو المؤتمر الذي أرسى مبادئ عدم الانحياز. وقد خاض «صالح بن يوسف» و«محمد المرزوقي» معارك ضد بورقيبية وأتباعه أو ما يسمى بجماعة «الديوان السياسي» التي حسم الصراع لصالحها بفضل دعم الإدارة الاستعمارية، وما انفك الصراع أن تحول بين حزب الأمانة العامة و الدولة الناشئة التي أصبح بورقيبة رئيسها بعد وضع حد لنظام البايات وإعلان الجمهورية سنة 1957 والتي تمكنت من تصفية المجموعات اليوسفية المعارضة بفضل الدور الذي قامت به «لجان اليقظة» البورقيبية وما تبعه من محاكمات صورية وعمليات إعدام وتصفية.. حيث انتهى الأمر باغتيال «صالح بن يوسف» نفسه يوم 11 غشت 1961 بمدينة فرانكفورت على يد تونسيين من مخابرات بورقيبة المتعصبين. فكان أن قرر والد منصف المرزوقي استقدام أسرته إلى المغرب حيث كان يقيم ويعمل، بعدما صدرت أحكام في حق اليوسفيين الذين كانوا ينعتون ب «الخونة» أو «الانقلابيين»، والتي تراوحت بين الإعدام والأشغال الشاقة والسجن. فقد «حكمت المحكمة بإعدام «عمر البنبلي» و«كبير المحرزي» و«صالح الحشاني» و«عبد الصادق بن سالم» و«المنصف الماطري» و«حمادي قيزة» و«الحبيب بركية» وكلهم من العسكريين و«الحبيب حنيني» و«الهادي القفصي» و«الأزهر الشرايطي» و«عبد العزيز العكرمي» و«أحمد الرحموني» و«المسطاردي بن سعيد» وكلهم من المدنيين، وبالأشغال الشاقة المؤبدة على «محمد الصالح البراطلي» و«الساسي بويحي»، وبعشرين عاما أشغالا شاقة على «العربي العكرمي» و«علي كشك» و«عبد القادر بن يشطر» و«أحمد التيجاني» و«تميم بن كامل التونسي» وعشر سنوات أشغال شاقة على «علي القفصي» و«عز الدين الشريف»، وخمسة أعوام أشغالا شاقة على «علي الكفلي الشواشي»، وعامين سجنا على «محمد العربي المثناني» و«حسن مرزوق»، وعام سجنا على العربي الصامت. في هذا السياق الصعب جدا كان مقدم والد المرزوقي إلى طنجة حيث تزوج من امرأة مغربية ورزق منها بسبعة أبناء يعتبرون إخوة غير أشقاء للرئيس التونسي الحالي. وعاش 33 سنة من عمره مكرما معززا حيث عمل وكيلا عدليا أمام المحاكم الشرعية. لكن مع شعور حارق بالنفي من الأرض التي ساهم في تحريرها. يقول المرزوقي: «في السادسة عشرة من عمري، انتهت فترة الدراسة بالصادقية عندما قرر والدي المقيم بالمغرب أنه آن الأوان لتلتحق به كل الأسرة». الطفل الزعيم ويروي المرزوقي شريط الأحداث فيقول: «في المدرسة الصادقية في تونس أسست أول حركة سياسية تناضل ضد البورقيبية، التي أصبحت مقاومتها مسألة ثأر شخصي. وكانت الحركة تتكون مني أنا الزعيم الأوحد، ومن طفلين في الثالثة عشرة من العمر مثلي». ويستطرد: «كانت حركتي متطرفة، منتصرة للاتحاد السوفييتي ضد الولاياتالمتحدة، تنادي بالوحدة العربية التامة والشاملة والفورية، وترفض باشمئزاز شديد فكرة الأمة التونسية، التي كان بورقيبة يحاول ترسيخها في أذهان التونسيين، ولا تقبل بفكرة وحدة المغرب العربي، إلا كخطوة أولى نحو الوحدة العربية الشاملة، وتخطط لغزو إسرائيل ومحوها بالقنابل الذرية، وتتبادل كل يوم أخبار صوت العرب من القاهرة. وتدرس ظروف التسلل إلى الجزائر للمشاركة في الثورة وقهر الاستعمار والإمبريالية، وتسمي بورقيبة باسمه وبأسماء قبيحة.. أما لقب سيادة الرئيس فكان يعني آلياً بطل العروبة جمال عبدالناصر لا غير». ويضيف الرئيس التونسي الحالي: «ولكن للأسف الشديد، فإن هذه الحركة الواعدة لم تلبث أن دخلت في انقسامات وصراعات داخلية عصفت بها، حيث لم تنقسم بسبب الأفكار والمبادئ، وإنما، كما هو الأمر عادة، انقسمت بسبب مسألة الزعامة، حيث آثر الزميل الأول الانسحاب من المعركة ليتفرغ للتفكير الفلسفي الذي لم يغادره منذ ذلك اليوم، وبقيت المعركة على أشدها بيني وبين الزميل الثاني الذي انهزم سريعاً، ثم انضم بعد ذلك إلى الحزب الدستوري الحاكم، وهكذا بقيت زعيماً من دون منافس في حزب من دون اتباع وأنصار». وتابع: «لقد فقد والدي كل وهم، بعد اغتيال بن يوسف، بشأن العودة إلى تونس مظفراً ومنتقماً، فغادرنا تونس بفرح وفي القلب لوعة لا تقبل المواساة». ويستطرد: «كان الفرح ناجماً عن خلاصنا من وضع أصبح غير قابل للتحمل، خاصة أن دارنا باتت تعرف ب«دار الخائن»، ذلك أن والدي الذي قدم كل شبابه لاستقلال الوطن، بات منعوتاً بالخيانة في أحاديث الناس. وكان الفقر المدقع الذي كنا نعيش فيه ،جزءاً من كابوس دام أعواماً، أما اللوعة فكانت تتعلق بكل ما كنا نفقده بالهجرة مثل الأحباب والأهل وخاصة بالنسبة لي المدرسة التي لم تكن تفرق بين أبناء «الخونة» مثلي وأبناء الوطنيين الذين كان لبعضهم باع طويلة في العمل مع الاستعمار ثم أصبحوا أعيان البلاد غداة الاستقلال». هكذا إذن حل منصف المرزوقي بطنجة- هو ووالدته عزيزة بن كريم وأربعة أشقاء، وعمره لا يتجاوز 16 سنة. حيث التحق بإحدى الثانويات (المدرسة الفرنسية)، وهي المرحلة التي توجت بفوزه في المناظرة العامة للعربية، مما خول له الانتفاع بمنحة جامعية للدراسة بفرنسا والالتحاق بجامعة ستراسبورع (شعبة علم النفس) التي حصل منها على دكتوراه في الطب. يقول المرزوقي في مذكراته عن طنجة: «عشت مع العائلة المهاجرة في طنجة في جو جديد من اليسر المادي والأمان النفسي وطيلة هذه السنوات تعلمت حب المغرب والمغاربة. فقد استضاف البلد أبي المضطهد وفتح لعائلتي المشردة أبوابه الواسعة فغرفنا من كرمه ومن حسن وفادته. وهو إلى يوم يبعثون بلدي الثاني في حين هو البلد الأول لإخوتي الذين ولدوا من أم مغربية وعاشوا فيه دون انقطاع». وراء أسوار طنجة في طنجة كان المرزوقي يغادر الحي الأوربي الذي تقيم فيه أسرته ليتسلل إلى داخل أسوار المدينة العتيقة التي كانت تمتد على طول 2200 م من كل الأبواب (باب القصبة، باب مرشان، باب حاحا، باب البحر، باب العسة، باب الراحة، باب المرسى).. إلى أحياء: القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان، وبني يدر.. كما كان يتردد على الأبراج: (برج النعام، برج عامر، بدرج دار الدباغ، برج السلام).. قضى حوالي أربع سنوات في مدينة طنجة، وهي السنوات التي اشتد عوده فيها وبرزت أفكاره، حيث تميزت علاقته مع والده بالمواجهة الفكرية. يقول المرزوقي في حديثه عن والده: «كان معروفاً بالشجاعة والذكاء الحاد والثقافة الواسعة وكان وسيما بالغ الأناقة، بالغ الاعتداد بنفسه، وصاحب شخصية طاغية جعلت منه أول دكتاتور أواجهه، كانت علاقتنا مبنية على المحبة العميقة والصراع الدائم وهو الصراع الذي انتهى بفوز ساحق للديمقراطية عندما فرضت عليه في العشرين من عمري حرية إبداء رأي مخالف له، لكن هذه الانتصارات الديمقراطية توقفت عند استحالة الحصول على حق التدخين بحضرة الوالد لأنه كان يعتبر التدخين بين يديه انتهاكاً لقدره». ويردف: «وبالمقابل كانت والدتي عزيزة بن كريم امرأة لها من اللين ما كان لوالدي من الشدة ومن الصبر لا أعرف كائناً أثر في تكوين شخصيتي قدر هذه المرأة التي لم أسمعها يوماً تغتاب أحداً أو تشتكي من شيء ، رغم تهاطل المصائب عليها مثلما لا أذكر منها نصيحة واحدة، كانت نادرة الكلام منكفية على وقار دائم، تعمل بصمت وتصوغ شخصية أطفالها بالمثل الذي كانت تقدمه وهي تتفانى في عملها وفي تضحياتها لا تنتظر جزاء ولا شكوراً». الحلم المغاربي من المنتظر أن يقوم منصف المرزوقي بزيارة إلى المغرب في مطلع فبراير القادم، وذلك لتحريك قاطرة المغرب العربي، حيث أقدم فعلا على تحركات دبلوماسية من أجل إعادة فتح الحدود المغربية الجزائرية. وكان المرزوقي قد أعلن في لقاء صحافي مشترك مع رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، أن الاتحاد المغاربي «أضحى ضرورة أكثر من أي وقت مضى لأن الشعوب العربية تريد مجالا أوسع للتحرك وفتح الحدود والإبداع والخلق». وأعلن أنه سيقوم في هذا الإطار بزيارة للجزائر ثم المغرب فموريتانيا، وذلك من أجل «إعادة طرح هذه الإشكالية ولنمنح الشعوب ما تستحقه وماهي في حاجة إليه». كما التمس، تقديم الدعم لمسعى إحياء اتحاد المغرب العربي وتحقيق مطامح ومصالح الشعوب المغاربية التي تقتضي وضع قطار الاتحاد المغاربي على السكة». وتابع قائلا « نحن نعتبر أن المغرب العربي هو مشروع يجب الآن أن يعود إلى الحياة، وفي ما يخص تونس نحن نعتبر أن جارتنا الشقيقة الجزائر مهمة جدا لنا..، وجارتنا الشقيقة ليبيا أيضا، ولا نستطيع أن نتصور مستقبلا بدونهما، ويجب كذلك أن يكون المغرب وموريتانيا جزءا من هذه المغامرة».