بفوز لائحة المصباح بوجدة بمقعدين وحصولها على حوالي 24000 صوتا، تكون ملامح هذه المحطة الانتخابية تسير نحو تثبيتها كلحظة مفصلية في التاريخ المعاصر للمغرب، فبالرغم من التشكيكات التي حاول بعض رفاق بنكيران تسريبها في قضية حياد السلطة في التعامل مع بعض المنافسين السياسيين، جاءت النتائج ربما مكذبة لكل التوقعات والتكهنات، ولعل الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها أو قادتها العدالة والتنمية أمام مقر ولاية الجهة الشرقية مساء يوم الجمعة 25 نونبر توضح مثل هذا الخوف، بل كان المحرك الاساس لمثل هذه الضربات الاستباقية هو التوجس من عودة الرتبة الاولى للائحة الجرار، وربما لم تكن قضية الفوز بمقعدين بوجدة تراود مناضلي حزب العدالة والتنمية بشكل كبير، لكن فوز لائحة المصباح بمقعدين قد أشر أولا على حياد السلطة في التعامل مع نتائج الانتخابات التشريعية الأولى من نوعها بعد الإصلاحات الدستورية التي شهدتها البلاد الصيف الماضي. كثيرة هي التأويلات والتفسيرات التي تحاول أن تبرر هذه الأرقام بوجدة، منها المحاكمات التي شهدتها مدينة وجدة في حق رئيس الجماعة الحضرية السابق وبعض المستشارين، لقد وجد فيها مناضلو حزب المصباح ما يبررون به معارضتهم وانتقاداتهم عن طريق الحجاج المبني على التقييم والتضحية… كما أن فقدان لخضر حدوش لتلك الشعبية التي راكمها ببعض الاحياء الشعبية أثتاء رآسته للجماعة الحضرية بوجدة، كانت السبب في عودة مغلب تلك الأصوات للعدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، فضلا عن الزيادة في نسبة المشاركة التي كانت تخدم لائحتي الجرار والمصباح على السواء. وإذا كانت هذه حالة الانتخابات التشريعية بدائرة وجدة أنكاد فإنها لم تشذ عن الانتخابات في كل ربوع الوطن، لقد كانت الارادة الملكية واضحة في القطع مع الممارسات المشينة للعمليات الانتخابية وكان له ما أراد، إنه يسير بهذه الباخرة إلى شط الأمان. إن هذه الانتخابات المبكرة جاءت في لحظة تاريخية استثنائية، قلبت كثيرا من المفاهيم الراسخة حول “الاستقرار”، وحول نجاعة القبضة الحديدية في ترويض المواطن العربي ومحاصرة أحلامه وتطلعاته. لقد سقطت كل المعايير التي رعتها أنظمة بنعلي ومبارك والقذافي، وتغاضى عنها الغرب “الحقوقي الديموقراطي” طويلاً، فكَسْرُ جدار الخوف هو الثمرة الحقيقية لكل ما جرى خلال الشهور الماضية، وإذا عرف الشعب طريقه إلى الشارع فلا خوف من عودة الديكتاتورية. صحيح أن الوضع في المغرب مختلف، لأن الخيارات منذ البداية لم تكن راديكالية كما حدث في دول الجوار، فحقائق ما بعد الاستقلال فرضت التعددية ولو كمتنفس متحكم فيه، لأن منتصف الخمسينات عرف ولادة مغرب “متعدد” لكن بشرعيات عدة. في الحالات المماثلة لحالتنا كدولة حديثة العهد بالاستقلال، كانت الشرعية الأقوى التي تنجح في حسم الأمور لصالحها، إما اعتمادا على قدراتها الذاتية، أو بدعم من الخارج، تمحو كل أثر لمنافساتها، وهو ما لم يحدث في المغرب، حيث ظل الصراع مستمرا ولعقود من الزمن. هل نقول إن صراع الشرعيات وتعددها، هو ما أنقذ المغرب من السيناريوهات التي تابعناها ونتابعها في أكثر من بلد جار؟ هذا ممكن، لكن الثمن كان غاليا. فغداة الاستقلال، وجد المغرب نفسه أمام شرعية تاريخية ودينية (القصر) وأخرى وطنية (مكونات الحركة الوطنية) وأخرى من باب الأمر الواقع (جيش التحرير)، وأخرى (ثورية)، وخامسة (قومية)…إلخ ..ودارت رحى معركة دموية في كثير من الأحيان، رغم أن البعض يسعى اليوم لطي هذه الصفحة بحلوها ومرها، وينظر إليها على أنها جزء من التاريخ ينبغي أن يقرأ عن بعد، مع الاقتصار قدر الإمكان على العناوين الكبيرة وعدم الخوض في التفاصيل.. هذه المعارك بين “الشرعيات”، صحيح أنها قطعت الطريق على استفراد جهة واحدة بالحكم، حيث أدرك المتصارعون في نهاية المطاف أن الحسم التام مستحيل، وقرروا التعايش بطريقة ما، وهو ما تكرس بشكل نهائي عند إعلان ولادة التناوب التوافقي. لكن هذا التعايش، لم يلغ الأسئلة القديمة ولم يجب عليها، بل اكتفى بالقفز عليها، ولهذا نصادفها اليوم مجدداً في كل مفترق طرق، كما حدث مثلا مع ولادة حركة 20 فبراير. فالسؤال الذي تراضى الجميع على تخطيه، يتعلق بأن كل الشرعيات المتصارعة طيلة عقود، لم تكن من بينها شرعية شعبية، هي أساس وجود الدول واستمرارها. وأنا هنا أتحدث عن الواقع وليس عن الضجيج الإعلامي حول الالتفاف الشعبي والقوات الشعبية والإرادة الشعبية…وهلم جرا، فلو كان الشعب خلف أية شرعية من تلك الشرعيات المتنازعة لتمكنت من حسم المواجهة لصالحها، لكننا كنا دائما أمام أغلبية صامتة ومتفرجة، منشغلة عادة بإكراهات معيشها اليومي، وتسعى للابتعاد قدر الإمكان عن ضجيج السياسة ومخاطرها، والنتيجة كنا نراها قبل 25 نونبر 2011 بوضوح متمثلة في نسبة العزوف القياسية إلى درجة أن نسبة المشاركة أصبحت هاجسا عاما لجميع الفرقاء، حتى أن هناك من اعتبر تحقيق 40 في المائة في هذه الاستحقاقات ، إنجازا، وربما معجزة.. وكانت نسبة 45 في المائة كنسبة أولية أكثر من معجزة، وما ذلك سوى بإحساس المغاربة بنوع من احترام آرائهم في اختياراتهم التي سيعبرون عنها أو لنقل إنها السير نحو احترام الشرعية الشعبية. وأعتقد جازما أيضا، أن هذه المحطة هي البداية الحقيقية نحو ممارسة راشدة للديمقراطية واحترام اختيارات الشعب وسيكون حزب العدالة والتنمية ثاني حزب اسلامي معتدل يقود حكومة دولة بشمال افريقيا منذ بدء انتفاضات الربيع العربي بالمنطقة بعد تونس. ولكن الحزب سيضطر لتوحيد الصفوف مع احزاب اخرى لتشكيل حكومة فمن ستكون؟ وهل ستكون حكومتنا المقبلة يطغى عليها قص الشارب وإفاء اللحى؟ لقد قال عبد الاله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي انه بناء على المعلومات التي تلقاها حتى الان في إشارة إلى مساء يوم 25 نونبر 2011 فان الحزب في طريقه لتجاوز توقعاته. واضاف انه يعتقد ان الحزب في طريقه للحصول على ما بين 90 و100 مقعد من مقاعد البرلمان المؤلف من 395 عضوا. وقال الطيب الشرقاي وزير الداخلية المغربي ان نسبة الاقبال على التصويت بلغت 45 في المئة بارتفاع عن انخفاض قياسي سجل عام 2007 عندما صوت 37 في المئة فقط من بين الناخبين المسجلين وأوضح للصحافيين ان الانتخابات جرت في ظروف عادية وفي جو من التعبئة التي تميزت بمنافسة عادية واحترام القوانين الانتخابية. واضاف انه سيتم نشر النتائج الاولى في وقت لاحق.