أساتذة التعليم العالي في الجامعة المغربية بين حيف الوزارة وظلم المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي ظلم ذوي القربى أشد مرارة من يتحمل مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع داخل الجامعة المغربية أهي الوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي أم المكتب الوطني للنقابة التعليم العالي أم هما معا؟من الواضح أنه عندما تتقاطع مصالح الوزار ة الوصية على التعليم العالي والمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي، فالأكيد أن طرفا في المعادلة سيكون متضررا، إنه بلا شك الأستاذ الباحث، واسطة العقد الذي يراد منه أن يقدم الكثير، بل إنه حلقة الوصل والفاعل المباشر في العملية التعليمية، لكن كيف سيكون هذا الأستاذ وهو يتلقى ضربات الحيف من وزارة وصية على تعليم جامعي تريد منه أن يقدم النتائج الطيبة ويُعمل البرامج المسطرة من طرفها، كما يتعرض لظلم المكتب الوطني للنقابة، مكتب كان من المفروض أن يدافع عن مصالح الأستاذ الباحث ومكتسباته لا أن يقبر مطالبه، مكتب كان من المفروض أن يدافع عن الجامعة المغربية والتعليم العالي، بدل أن يتآمر عليهما. وإذا كان من السهل فهم طبيعة حيف الوزارة الوصية، ليس لمنح هذا الحيف الشرعية، بل لوضوح طبيعةأهداف الحيف ومراميه، وكذا مظاهر قيوده، فهم يرجع في جزء كبير منه إلى توالي المشاريع وبرامج الإصلاح وتناقضها، وكذا تعددها بتعدد الألوان السياسية للجالسين على رئاستها، بل والانخراط في مخططات تغيب عنها الوسائل والإمكانات، وتحضر فيها الشعارات تحت ضغوط أجنبية وبرامج دولية وتوصيات مؤسسات مالية، فإن الذي لا يمكنه فهمه هو الحيف الذي يمارسه المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي، على أغلب أعضاء نقابته، حيف يمارس بالضغط النفسي والتجاهل والتخوين تارة، وتارة أخرى يمارس بالإبعاد تحت مسمى )أرض الله الواسعة(، وهي دعوة للابتعاد عبر مسمى )الانشقاق حين يكون احتجاجا على المكتب(، لكنها في الجوهر إبعاد، يحركه دافع ضيق الصدر أمام رحابة الأرض، وعوز الوسائل أمام تعدد وتصاعد المطالب، وعجز المواكبة لكبر السن أمام خفة وإبداع الشباب، ورغبة في جني الثمار كما لو أن موسم الحصاد تأخر عنهم، وإحضاره مطلب لا تعلوه مطالب، لأن النضال برأيهم ما أكسب صاحبه غنيمة في العاجل، لا ما عطل الغنيمة للقادم في الآجل، لضيق الصبر، وطموح الحصول على الأجر قبل فوات الأوان، وتلك مطامح لا تصنع العمل النقابي بل تقبره وتقبر صاحبها. ولأن صيانة المؤسسات مطلب أصيل في العمل والنضال، فإن الخطوة الشجاعة التي يلزم المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي بمجموع ألوانه السياسية -التي اقتسمت مقاعده ليلة وأثناء المؤتمر التاسع عند أحد مكاتب انعقاد المؤتمر في الطابق الثاني- أن يقدم عليها، ليس التعبير عن مطالب الأساتذة الباحثين المعنيين بمرسوم 91 فبراير 9111 ، لأن ذلك شأن كان مقدورا عليه في الزمن الماضي، وكان طلبا ملحا سلفا، وليس هو الهروب إلى الأمام برفع فزاعة مطلب نظام أساسي جديد، فذلك كان مطلبا في المؤتمر التاسع وليس من مطالب الزمن الراهن، لأن الأسقف في زمن الربيع العربي أو المغربي -رغم ما يحاك له- تجاوزت ما كانت عليه، فالمطالب متبدلة ليس في اتجاه التنازل كما قد يفهمها البعض، بل في اتجاه التصاعد كما يعبر عنها الغالبية. إن أهم ما يلزم المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي فعله اليوم هو الرحيل عن تدبير نقابة تشرفت طيلة الزمن الماضي بتفعيل قضايا أعضائها، وتحقيق مطالب منخرطيها، وأخذ الريادة في ذلك عبر قيادات ناضجة من نفس لونها السياسي، قيادة لا يمكن بحال من الأحوال أن تبصم بطبيعة اللون السياسي فقط الذي كان في المعارضة وقتها، وأصبح في الحكومة فجمد نشاطه بعدها، وحين ترقب عودته للمعارضة سيعاود أخذ المطالب بنفس الحماسة التي كان عليها سلفه، بعد أن وضع ملفات كثيرة في مبردة مثلجة تحت الصفر، فهذا في العمل النقابي يسمى استغلالا وتوظيفا لملفات بشكل سياسيوي ضيق، وهذا أمر لم يعد ممكنا في الزمن الراهن، وإن اعتبر عند البعض أنه متاح اليوم، فذلك من شيخوخة التفكير النضالي وعدم فهم الزمان وتبدلاته، ولا حتى إدراك مجمل إشارات الزمن الراهن ليس في تبدل المطالب، بل في تغير الوسائل والخطط، لأنه لا يلزم أن تربي ابنك بتربيتك فقد خلق لزمان غير زمانك أيها المكتب. إن المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي تتمثل في كونه لم يكن مؤهلا بل قادرا على الحفاظ على إرث تاريخي نضالي لنقابة عتيدة، لأنه ببساطة حَسِبَ أن المؤسسة ملك خاص، ونسي أنها ملك عام وهو طرف ولون خادم فيها، قد تمنحه المؤسسة الحياة كلما خدمها، وقد تميته تقبره عندما يتجاهلها أو يسمسر في ملفاته، فالسماسرة إلى زوال وإن طال بهم الزمن. ومحاسبة المكتب قائمة ليس لكونه لم يدافع عن مطالب 0666 أستاذا أي ثلثي الأساتذة الباحثين، بل لكونه لم يحافظ على وحدة العمل النقابي لقطاع النخبة في الوطن، قطاع أمكنه أن يقود قاطرة التغيير والتنمية والإصلاح والديمقراطية. وإذا كانت الوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي على وعي تام وكامل أن المدخل الحقيقي لإصلاح التعليم لا يكمن في ضخ الموارد المالية فقط )وهو منعدم(، بل في إعادة الثقة لموارده البشرية، وأن المدخل الحقيقي لإصلاح التعليم العالي يبدأ من الفاعل الأساس فيه )الأستاذ الباحث(، فإن المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي ما زال لم يستوعب الدرس جيدا، ولم يعتبر بمجموع نضالات مكاتب سابقة اعتبرت الحوار وسيلة وليس هدفا نهائيا، فالذي يلزمه أن يصون ويحمي نتائج الحوار هي الوزارة وليس المكتب النقابي، لأن المكتب له سقف عالي جدا لا يتخلى عنه، وإن تحاور حسب الظرف في سقف أقل منه، فذلك من أجل الانتقال إلى سقف أعلا، فكيف بالذي له ظرف مناسب من أجل تحقيق كل المطالب ولا يفعل؟ إن إعادة الثقة للأستاذ الباحث لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أعادت الوزارة الوصية ومعها المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي مكانة الأستاذ الجامعي إلى مرتبته الاجتماعية التي كان عليها في السابق، مكانة لابد أن تعود مهما طال الزمن، لكن أن تعود ويستفيد المغرب وتعليمه، ويستفيد أبناؤه وتكوينهم، فذلك أفضل مسلك لصناعة مغرب الغد، مغرب تتحمل فيه النقابة الوطنية للتعليم العالي عبر مكتبها الوطني وافر الحظوظ للنهوض به كذلك إن تم اختصار الزمن، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ليس خصوصية الذات بل خصوصية الولاء السياسي. وأفضل مسلك للتكفير عن مسارات مشوهة من العمل النقابي للمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي أثناء تدبيره لملف الحوار الإجتماعي، هو الدعوة لعقد المؤتمر العاشر قبل أوانه، جرأة قد تساعده في أن يعيد بعضا من الثقة لأدائه وفهم زمانه وطبيعة مطالب أعضائه. فهل للمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي جرأة من هذا العيار؟ أم أنه سيتوارى وراء تصريحات خافتة وعناوين باهتة، وخطط قاصرة عنوانها التعيين والتخوين والتهوين والتهويل، أدوات يتوسلها لإنقاذه، أمام عجزه عن حماية رصيد تاريخي هو ملك للأستاذ الجامعي عنوانه "النقابة الوطنية للتعليم العالي" نقابة بكل الألوان وبغير ألوان، نقابة لكل الأساتذة الباحثين وليست لفئة من الأساتذة الباحثين. فمن يعيد للنقابة الوطنية للتعليم العالي مجدها الزاهر؟ بل من يحميها حتى لا تكون قربانا لظرف سياسي هجين؟ أستاذ بالكلية متعددة التخصصات تازة