عقدت اللجنة الوطنية للنقابة الديموقراطية للتعليم العالي بالمغرب يوم الأحد 30 أكتوبر 2011 اجتماعا تدارست فيه مجموعة من النقط المتعلقة بتطورات الملف المطلبي والدخول الجامعي والأوضاع ببلادنا. وبعد مناقشات مستفيضة ومسؤولة قررت إصدار البيان التالي. 1 – البرنامج الاستعجالي والفشل الذريع: يشرف البرنامج الاستعجالي الذي راهنت عليه الحكومة المغربية بديلا للميثاق الوطني للتربية والتكوين على نهاياته، وستغادر الحكومة صاحبة المخطط موقع القرار قبل أن تقدم الحساب وتتولى تقديم الحصيلة، وكأن الظروف هيأت لها فرصة الإفلات من المحاسبة والمساءلة. وبدون أدنى تحفظ، فإن البرنامج الاستعجالي على مستوى التعليم العالي لم يسجل أية قيمة مضافة على الصعيد النظري وعلى صعيد الممارسة والتطبيق، بعكس ما تروج له الوزارة الوصية، إذ لم يسهم إلا في إعادة إنتاج قيم التردي على المستوى المعرفي والمنهجي والتربوي والدفع بالجامعة المغربية إلى الهاوية، وزعزعة ثقة المجتمع في فعاليتها وقيمة التعليم العالي وجدواه، ولذلك لم يكن إلا خطوة بئيسة لمحو آثار فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين وانهيار منظومة التعليم العالي. والمراجعة التي مست نظام الدراسة بسلك الإجازة الأساسية والمعروفة بالمقاربات الجديدة لم تسجل غير مزيد من النتائج السلبية القاتلة التي أرهقت التعليم الجامعي، لأنها لم تكن تستند إلى استراتيجية وطنية علمية عملية ورؤية سياسية واجتماعية واضحة لواقع التعليم ببلادنا ومقدراته المختلفة، وكانت مجرد "خبطة عشواء" أسهمت بقوة في التشويش على دور الجامعة والعلاقات الملتبسة بينها وبين محيطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. والمقومات التي ارتكزت عليها تفتقد للعمق وللأصالة الأكاديمية والنظرة العلمية الثاقبة، وهو ما لم يسعفها لإثبات حالات متقدمة في مجال النهوض بالتعليم العالي أو تغيير مساره. لقد راهنت في الجوهر على عناصر الانحطاط حيث تم تعطيل الدور الرائد للجامعة المغربية في مجال البحث ونشر المعرفة وقيم العقلانية والتحديث واكتفت بوسائل مضللة لم تقم إلا بمهمات تعويق الممارسة التربوية وتسطيح المقومات والمتغيرات التي ينبغي أن يستند إليها تطور التعليم العالي . إن الأهداف الكبرى للحكومة المغربية كما أثبتت الكثير من المعطيات هو التخلص من أعباء التعليم والجامعة المغربية على الخصوص والعمل بإصرار على تدمير الكثير من أسسها المعرفية والثقافية والتاريخية والعلمية والحضارية وإشاعة أجواء عدم الثقة في التعليم العالي ، ولا تمارس عبر الإصلاحات العشوائية التي تفرخها غير سياسة الفعل المضاد لتطور الجامعة المغربية، ومحاصرة دورها العلمي والأكاديمي، ليتم إخضاعها لأحكام السوق، وفتح المجال أمام الرأسمال الخاص لنشر مخططاته الاستثمارية لاحتواء النشاط التربوي والتعليمي بشكل كامل، وتجريد التعليم العمومي من أية فائدة أو قيمة تذكر. وسياسة إدارة الإصلاحات الارتجالية المتعاقبة التي لم تكن تخضع لأية اختيارات سياسية وطنية واضحة في مجال التربية والتكوين كانت تصب في اتجاه فصل الجامعة عن محيطها وتحميلها وزر الكثير من الظواهر السلبية الاجتماعية والثقافية التي تفشت في مجتمعنا نتيجة الاختيارات السياسية اللاشعبية التي روكمت طيلة عقود من الاستبداد البطالة والفقر والتهميش والفساد وتدهور الأوضاع المعيشية لفئات واسعة من الشعب المغربي ، وإعداد الرأي العام بمختلف الوسائل لتقبل فكرة نهاية تاريخ التعليم العمومي والجامعة المغربية. إن أهداف البرنامج الاستعجالي على صعيد التعليم العالي التي تضمنتها عقود التنمية التي استنزفت ما يفوق 12 مليارا من الدراهم، لم يتحقق منها أي إنجاز حقيقي غير المظاهر الشكلية الزائفة والزائلة، فعنصر تأهيل المؤسسات الجامعية وصيانتها وتوسيع الطاقة الاستيعابية لم يشكل غير واجهة مباشرة لهدر الأموال ومظاهر التلاعب والتبذير، وما يشهده الدخول الجامعي الحالي من ارتفاع مهول للطلبة المسجلين في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح،"المستودعات المفتوحة" يفوق التوقع ولا يؤشر إلا لإرادة النفخ العقيم في "كم" إنجازات البرنامج الاستعجالي، والتغطية على المعضلات الحقيقية التي يعاني منها التعليم العالي، ومبدأ تطوير التكوينات الممهننة في هذه المؤسسات بالذات ليس إلا سرابا ولا يشكل غير وسيلة فجة تستهدف تجريد الجامعة المغربية من مقوماتها التاريخية والعلمية والمعرفية، وتحويلها إلى مراكز تكوين تضع حدا لفرص تحصيل التعليم بمستويات أكاديمية عالية وإرغام الناشئة على تلقي معرفة متوسطة تقودها مباشرة إلى الشارع وأحضان البطالة المستديمة. أما النهوض بالبحث العلمي فسيظل وصمة عار في جبين الحكومات المغربية، إذ هو آخر ما يتم التفكير فيه، ولا نعتقد أن حكومات تغذي منطق الانتهازية العلمية واصطياد المواقع والفرص وتعزز المحسوبيات والتمييز بين الأساتذة الباحثين وتوزع الشهادات الجامعية العليا وفقا لمزاجها وبالمجان، وتواصل إصرارها على تبخيس الشهادات الوطنية العليا، وازدراء الأساتذة الباحثين، يمكن أن تنظر إلى قيم البحث العلمي بنوع من الحزم أو الجدية المطلوبة، خاصة في ظل مظاهر الفوضى والتسيب السائد في كل التكوينات المستحدثة من حيث طبيعتها وطرق اعتمادها وتدبيرها وآفاق جدواها. والمحصلة أن البرنامج الاستعجالي في الواقع راكم مجددا المزيد من الإخفاقات التي بدأها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وأسهم بقوة في إضعاف القدرة الإنتاجية للجامعة المغربية على المستوى المعرفي والعلمي، مما يجعله عائقا أمام تطورها، وعاملا من عوامل انهيارها الوشيك. 2 – الأوضاع العامة بالبلاد: إن سلسلة الاحتجاجات والتظاهرات السلمية التي شهدتها بلادنا منذ شهور، والتي كانت صدى فعليا لإيقاعات الثورات والانتفاضات العربية التي نجح بعضها لحد الآن في إسقاط ودحر الأنظمة الفاسدة، تحمل في بعدها دلالات عميقة لعل في مقدمتها التأكيد على أن الاستثناء المغربي هو مجرد خرافة تتخذ من جانب القوى المحافظة والرجعية درعا واقيا للإبقاء على الوضع على ما هو عليه وتبريره بنوع من الجبرية التي تنظر إليه كقدر مقدر لا مرد له. و الإصلاحات التي تم تسويقها،هي مجرد محاولة استباقية لاستيعاب أفق هذه الاحتجاجات وإخضاع احتمالات تطورها لمنظور مخزني خالص، فكل الآليات التي اعتمدت في صرف هذه الإصلاحات تصب في مجرى احتكار المخزن لقيم السلطة وتكييفها وفق إرادته وتغييب الإرادة الشعبية واستثمارها في سياقات البهرجة والتهريج. إن الأساليب البائدة والعقيمة التي اعتمدت في صياغة الدستور الجديد وطرائق فرضه بنسب تصويت أسطورية، تطرح كثيرا من الاستفهامات، وهي أقرب إلى طبائع الاستبداد، ولا يمكن أن تكون عاملا من عوامل ترسيخ الممارسة الديموقراطية ببلادنا،كما أن طقوس الولاءات العمياء والتوافقات المتطرفة التي تم اختلاقها كمجال لاستقطاب الهيئات السياسية وإرغامها على الاصطفاف والعمل وفق نمطية تفكير واحد وتبني مواقف سياسية موحدة لا تؤشر إلا إلى منطق الإرادة الصلبة نحو تعميق وترسيخ أن المخزن هو الموجه الوحيد للعمل السياسي ببلادنا. ومظاهر الارتباك المتعددة التي يشهدها الوضع الراهن بالبلاد تؤكد أن تأطير التغييرات يتم من لدن قوات لا يبدو أنها مقتنعة بالتغيير أو راغبة فيه. وعمليا فإن اعتماد الدستور الجديد يستوجب من الناحية الديموقراطية حل الحكومة الحالية والبرلمان الحالي وكل المؤسسات التي توصف بالتمثيلية وتعيين حكومة جديدة انتقالية إلى أن يتم انتخاب مؤسسات جديدة وفقا لأحكام الدستور الجديد، ولكن شيئا من ذلك لم يتم، مما يعني أن الأمر يتعلق فقط بالالتفاف على المطالب التي رفعها الشارع المغربي. فمن غير الطبيعي أن تتولى الأحزاب والهيئات السياسية التي أفسدت الممارسة الديموقراطية ببلادنا وأغرقتها في المال الحرام والعبث السياسي والقيمي، وقصرت دورها على الاستوزار والارتزاق من الريع الاقتصادي والسياسي، مهام إضفاء الشرعية على الاختيارات والتوجهات الجديدة، وهي التي ناهضت كل فاعلية الاحتجاج أو المطالبة بالحقوق أو التظاهر، وتصدت لها بكل الوسائل الممكنة. لقد عبرت الحركات الاحتجاجية المختلفة، رغم حملات التشويه الموجهة، وما زال بمقدورها أن تعبر، عن إرادة الرفض الجماعي العفوي لكل أشكال الفساد والاستبداد والإقصاء والتهميش والازدراء والقمع المادي والرمزي ، وأن تواصل طموحاتها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ومعاقبة كل المسؤولين ناهبي الأموال سارقي تطلعات الشعب المغربي، الذين لا يعنيهم الآن غير تفاصيل خرائط دوائر البرلمان وسبل الوصول إليها. والتعثرات التي تشهدها مراحل إعداد طبخة 25 نونبر 2011 الانتخابية أيضا تؤكد وجها وحيدا للعملية هو تضارب وتقاطع وتصارع المصالح الحزبية الضيقة، بحيث يبدو وكأن البلاد أصبحت "وزيعة" يحتال كل طرف فيها في أن يظفر بالنصيب الأوفر منها، ويتخطى العتبات بسلام: لوائح ومقاعد لأرباب العائلات الحزبية ومقاعد ولوائح لنسائهم وما ملكت أيمانهم ولوائح ومقاعد لأبنائهم وبناتهم... وهذه المقتضيات لن تسهم إلا في تحويل تاريخنا السياسي والاجتماعي إلى مجرد طقس انتخابي عابر ينفض كل شيء بانفضاضه. إن النقابة الديموقراطية للتعليم العالي بالمغرب إذ تجدد مساندتها لكل الانتفاضات والاحتجاجات الجماهيرية العفوية المنددة بالفساد، تؤكد مجددا أن بلادنا في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البئيسة التي نحياها، والتي لا تزداد إلا استفحالا مع مرور الوقت، هي بحاجة إلى تغيير جذري وإلى نخب وأطر وكفاءات وأجيال جديدة وإلى اختيارات سياسية اقتصادية واجتماعية جريئة وقوية تضمن الكرامة للإنسان المغربي وحقه في الشغل وفي التعليم وفي الصحة والعدالة الاجتماعية وفي الحرية والممارسة الديموقراطية الحقيقية التي من شأنها أن توفر أسباب التقدم والتطور والرفاهية لبلادنا. 3 – الملف المطلبي: لقد عبرت النقابة الديموقراطية للتعليم العالي بالمغرب عن رفضها المبدئي لحصيلة نتائج ما سمي بالحوار الاجتماعي التي أعلنت بتاريخ 29 أبريل 2011،لا بسبب الإقصاء السياسي لنقابتنا من هذا الحوار فحسب، ولكن لأن الحصيلة لا تحمل في طياتها أية مكاسب حقيقية للأساتذة الباحثين، بل هي وسيلة من وسائل التهدئة التي نال صانعوها الجزاء والمكافأة السريعة على رعايتها. وانسجاما مع هذا الموقف المبدئي رفعت النقابة الديموقراطية دعوى إلغاء المادة 33 المكررة مرتين من المرسوم رقم 2.11.328 بتاريخ فاتح يوليوز 2011 إحدى ثمرات هذا الحوار وهي دعوى تضاف إلى دعوى الإلغاء الأولى التي رفعتها لإلغاء المرسوم رقم 2.08.12 بتاريخ 30 أكتوبر 2008، والأمل معقود على القضاء لإنصاف الأساتذة الباحثين في هذا الباب. وبالمناسبة تجدد النقابة الديموقراطية للتعليم العالي بالمغرب تأكيدها على المطالب الأساسية التي سبق أن أعلنتها، وتؤكد على مايلي: - اعتبار التعليم العالي ضرورة استراتيجية وطنية، وملكا عموميا، وإخضاعه لمسؤولية الدولة التي عليها دعمه اجتماعيا واقتصاديا، وتعزيز دوره من أجل أداء مهامه الأساسية الكبرى في مجال إنتاج المعرفة وتوجيه المجتمع نحو قضاياه الأساسية الملحة. - وضع سياسة وطنية ناجعة وعملية لإصلاح التعليم العالي خارج الإملاءات الخارجية تراعي القدرات والإمكانات الوطنية، وإعلان القطيعة مع سلسلة الإصلاحات الهوجاء العشوائية والمرتجلة التي لا تسهم إلا في الدفع به إلى الانهيار. - رفض إرادة تحويل التعليم العالي إلى سلك تكوين لاكتساب المهارات المتوسطة أو العليا فقط، وضرورة دعم دوره كمجال لإنتاج المعرفة وإشاعة التفكير النقدي وتعزيز الحرية الأكاديمية والبحث العلمي المعمق والمتخصص. - إنشاء نظام أساسي جديد للأساتذة الباحثين يراعي التطورات والتحولات المجتمعية التي تشهدها بلادنا، ويعيد الاعتبار للأستاذ الباحث و يضمن تأمين شروط وظروف قيامه بكافة مهامه ووظائفه في المجتمع، ورفض أي شكل من أشكال تقليص عدد الإطارات الحالية. - إنشاء نظام ترق جديد يضع في الاعتبار الجهود العلمية والمعرفية والتربوية للأستاذ الباحث ويحفز على الخلق والإبداع والابتكار، يلغي نظام الحصيص الجائر ويعتمد المعايير الأكاديمية والعلمية الموضوعية. - خلق آليات فعالة لضمان جودة التعليم العالي، واعتماد معايير حقيقية للتقييم وتهييء كافة الشروط الضرورية لنجاعتها، ودورها المحوري في تطوير التعليم وآفاق البحث العلمي بما ينسجم مع الأهداف الجوهرية للتعليم العالي. - الرفض المبدئي لمشروع القانون رقم 34.11 الذي يهدف إلى تعميم سن 65 على جميع فئات الأساتذة الباحثين لإحالتهم على التقاعد. والمطالبة بتحديده في 60 سنة، واختياريا في 65 سنة . - فتح باب التسجيل في دكتوراه الدولة بالنسبة للأساتذة الباحثين الحاصلين على د.د.ع. أو ما يعادله، المعينين بموجب المرسوم رقم 2.75.665 بتاريخ 17 أكتوبر 1975 والذين حرموا من هذا التسجيل قبل1997، ما دام أجل مناقشة دكتوراه الدولة أصبح مفتوحا وغير محدود. - الرفض المطلق لأي شكل من أشكال تحويل مطالب الأساتذة الباحثين إلى مطالب ظرفية، فئوية، وانتهازية، لأنها لا تعكس في الواقع غير مظاهر التراجع المقلق للممارسة النقابية السليمة والوعي النقابي المهني الصحيح. - التنديد بخيار الإقصاء الذي تبنته الوزارة الوصية على التعليم العالي في حق النقابة الديموقراطية للتعليم العالي بالمغرب، وسياسة التجاهل التي تتبعها تجاهها. والمطالبة باستشارتها وإشراكها في الحوار. اللجنة الوطنية 30 أكتوبر 2011