.................................................................................. فضيحة الاستغلال الفاحش للعمال في مناجم جرادة خارج كل الضمانات الإنسانية شهدت مناجم فحم جرادة (آبار الموت)صبيحة يوم الأربعاء 06 ماي 2009 سقوط شهيد آخر، عامل آخر، مستعبد ومضطهد من طرف مصاصي دماء هذا الوطن، حيث اكتشف العمال انهيار أحد آبار الموت على عاملين، وهما بصدد استخراج الفحم. وبعد تمكن رفاقهم من إخراجهما من البئر بفضل مجهوداتهم الذاتية الكبيرة فوجئوا بسقوط أحد رفقائهم في الكدح جثة هامدة، في حين تم إنقاذ العامل الآخر وتم نقله الى المستشفى المحلي في حالة يرثى لها. وبعد ذيوع الخبر في أوساط أبناء المدينة همت جموع الكادحين بالمدينة العمالية بخوض مظاهرة عارمة (قرابة 700 متظاهر) احتجاجا على وضع الاستغلال العبودي الذي يتعرض له أبناؤها في ظل الوضعية الحالية لاستغلال الفحم الحجري بالمدينة. وقد توجت هذه الاحتجاجات بخوض اعتصام أمام مقر العمالة. وفي ظل سياسة الآذان الصماء المنتهجة قرر المعتصمون خوض مسيرة شعبية صوب مدينة وجدة لتوسيع رقعة الاحتجاج. وبعد قطع مسافة حوالي 14 كلم تمت محاصرتهم من طرف مختلف قوات الأمن وإرغامهم على العودة الى مدينة جرادة التي ما زالت تعيش على إيقاع الرفض الجماهيري لواقع التفقير والاستغلال. المقال الموالي يعكس حقيقة واقع الاستغلال الذي يتعرض له عمال مفاحم جرادة. ............................................................................. جرادة المنجمية بقايا الإقطاع ينهب، يشرد و يقتل مرة أخرى تطبق آبار الفحم صخورها على أضلع الكادحين... عامل آخر لفظ أنفاسه في أعماق الأرض،شهيد ينضاف إلى لائحة الشهداء المفتوحة،شهداء لقمة العيش الملطخة بالعرق،الدم،و الدمع... ومن وراء شهادته لوائح مفتوحة للمزيد من الأيتام و الأرامل و الثكالى،فكيف تراق دماء الكادحين بالمدينة؟ من القاتل؟ من هم مصاصي، دماء أبناء المدينة؟ من وفر شروط وحسن ظروف جرائمهم؟ من يرعاهم، يحميهم و يدافع عن مصالحهم من غضب و سخط ضحاياهم ؟ في هده المقالة سنحاول عرض أهم عناصر إحدى أكثر الصور بؤسا و مأساة بالمدينة المنجمية و نعد القارئ بأنها ستكون بداية لسلسلة من المقالات والتحقيقات الموثقة و المصورة لمدينة أريد لها أن تكون عنوانا للقهر والنهب و الاضطهاد الطبقي السائد في البلاد ... مدينة راكمت الملايير في جيوب الملاكين و بقايا الإقطاع محليا ومركزيا و حصدت الماسي و الدموع والآلام في صدور أبنائها الكادحين. أكذوبة الإغلاق عندما بدأ الحديث في منتصف التسعينات عن إغلاق مناجم الفحم بالمدينة كانت الخطابات المؤطرة لهده الأكذوبة /حدث الإغلاق تنطلق من إدعاء _سيتبين لاحقا زيفه _ مفاده "نفاد الفحم " ، و ترتكز على شعار "رفاهية المدينة و أبنائها و تنميتها و نهضتها بعد الإغلاق " ،شعار أطلقه نظام القهر و الاستبداد و التقطته الأحزاب و القيادات النقابية و روجت له بتفان وإتقان مضيفة تنميقات و مساحيق تجميل لتعزيز عملية استبطان مخطط الإغلاق في وعي العمال و حلفائهم الكادحين بالمدينة كاعتبار الإغلاق "نهاية" لعهد امتد لسنين من ألام وماسي الساكنة جراء التبعات الصحية و الاجتماعية للعمل المنجمي و نهاية لكوابيسه المزعجة "داء السيليكوز الفتاك" "حوادث الشغل القاتلة" ، إلا أن بمجرد توقيع إغلاق شركة المناجم في فبراير 98 ،شرعت الدولة بتوزيع الخريطة المنجمية للمدينة على حفنة من الملاكين وتمتعيهم برخص استغلال الفحم و تسويقه ، و يستمر بالنتيجة، خلافا لكل الإدعاءات التي روجت سابقا، العمل المنجمي و استخراج الفحم من طرف الآلاف من العمال الكادحين سواء أولئك الذين تم تسريحهم من شركة المفاحم ، وفق مخطط الإغلاق ممن حافظوا على البعض من قوة عملهم أو أبناء الذين فقدوا كل قوة عملهم وبالتالي مصادر عيشهم إضافة إلى العديد من الشرائح الشعبية التي كانت مرتبطة معيشيا بدخل العمال في الشركة، مهنيين، تجار صغار ..... وأفلسوا نتيجة إغلاق الشركة، وكذا عموم شبيبة الإحياء المهشمة ومن ضمنهم العديد من حاملي الشواهد العليا المعطلين، بسواعد هؤلاء العمال يستمر العمل المنجمي بنفس الطاقة الإنتاجية أو أكثر، لكن بهمجية أكثر و استغلال طبقي أكثر و دموي أكثر مما كان عليه الحال في عهد شركة المفاحم. سياق و ظروف الإغلاق لقد وقع مخطط الإغلاق في سياق عالمي ووطني اتسم بهجوم كاسح على القلاع العمالية و على مكتسباتها ، فعمال شركة المفاحم الدين قدروا بعشرات الآلاف، شكلوا حركة نضالية قوية و متجدرة نضمت موقعا متميزا في مجرى الصراع الطبقي بالبلاد و لعبت الحركة العمالية أدوارا طلائعية في أهم المحطات النضالية التي عرفها المغرب.. تمكنت من انتزاع العديد من الحقوق و المكتسبات، كتحديد ساعات العمل، التحسين النسبي للأجور الاستفادة من أنظمت الحماية الاجتماعية و التغطية الصحية إلى جانب مكتسبات أخرى كمجانية السكن و التعليم و التطبيب و التنقل للعمال و عوائلهم ... عودة القنانة يقوم عاملين منجميين بحفر بئر يتراوح عمقه ما بين 12م و50متر و قطره يبدأ بمتر واحد و ينتهي ب 50سنتم لمدة قد تصل إلى 3أشهر في عمل يومي شاق و متواصل بمعدل 10ساعات في اليوم و طيلة هذه المدة العمل غير مدفوع الأجر و قوة العمل مجانية بالكامل كما أن تجهيزات الحفر و إمكانيات العمل محدودة جدا و مخاطر كثيرة أمام غياب شروط الوقاية و طبعا لن نكرر أن حقوق العمال منعدمة منذ هذه المرحلة من مسار العمل، و عند الوصول إلى طبقات الفحم و في حالات كثيرة تنتهي هده المرحلة بإحباط العمال حيث لايتم العثور على الفحم أو على كمية قليلة و بجودة رديئة و غير مقبولة و في أحيان أخرى يفاجئ العمال بالمياه تتسرب إلى أبارهم من الفرش المائية الباطنية، مما يحول دون أمكانية العمل في استخراج الفحم فتتكرر المحاولة مرات عديدة في أبار لأخرى إلى أن يحالف الحظ العمال بالوصول إلى طبقات الفحم المناسبة لاستمرار العمل، بعد ذلك تنطلق المرحلة الموالية من العمل، حيث ينضاف 5 عمال آخرين ليصبيخ العدد 7 عمال لكل بئر منجمي داخل الأنفاق لحفر الطبقات الفحمية ، واحد في ملتقى الأنفاق أسفل البئر يقوم بجر القفة المملوءة “بالصوبة“ عبر حبل إلى أن يصل إلى موقعه يحث يتم ربطه بحبل أخر مشدود إلى بكرة في الأعلى ليقوم عاملين آخرين بجره وإيصال المنتوج إلى الخارج و إلى جانبهم يقوم عاملين بتصفيته و عزل الفحم عن خامه ثم سحقه و غربلته و ملئه في أكياس يزن كل واحد منها 75 كلغ ، هكذا يستمر العمل لمدة تفوق 10 ساعات يوميا في ظروف جد بدائية ، ظروف تنعدم فيها كل مقومات الحد الأدنى من السلامة الصحية. وسائل استخراج الفحم التي كانت في ظل شركة المفاحم ، عربات و سكك و كابلات حديدية مشغلة بالكهرباء أصبحت اليوم حبال و سواعد العمال ، وسائل الوقاية التي كانت مشكلة سابقا من بذل خاصة بالعمل المنجمي و خوذات متماسكة بها مصابيح الإنارة توضع على رأس العامل و قفازات و واقي مصفي للغبار يوضع على وجه العامل و نظارات خاصة أصبحت كلها في خبر كان ، يواجه العامل أو القن الحديث طبقات الأرض في الباطن و غبار الفحم الكثيف silice المسبب لداء "السيليكوز" معزولا بالكمال ، و الأنفاق التي كانت مسنودة سابقا بأنظمة و ركائز مانعة لانهيار طبقات الأرض داخل البئر أصبحت اليوم مشدودة بأعمدة خشبية ومهيأة للانهيار في كل لحظة أما التهوية داخل الأنفاق التي كانت خاضعة لنظام خاص لمرور التيارات الهوائية ومرفوقة بعمليات متواصلة من رش مواقع العمل بالماء لمنع انتشار غبار السيليس أصبح اليوم مقتصرا فقط على إحداث ثقب بين بئرين متجاورين لضمان وصول الأوكسجين أما غبار السيليس فينتشر بكثافة و يغطي كل فضاء العمل و يتم استهلاكه بالنتيجة بأضعاف مضاعفة عما كان الحال عليه سابقا ينطلق العمل الساعة الخامسة صباحا و لا ينتهي إلا إلى حدود الخامسة مساء في عمل متواصل يتم بعده استخراج كميات من الفحم الحجري حجمها يختلف حسب مهارة المنجمين و قوة عملهم و حسب عمقا البئر و طبيعة و نوع الفحم ، و تتراوح عموما الكمية بين 5 طن و 10طن في شكل صوبات (خليط الفحم و خامه ) حيث تخضع لعملية التصفية خارج البئر بوسائل بدائية ليستخلص منها صافي الفحم بنسبة الخمس أي في كل 10أطنان من الصوبة يستخرج طنين من الفحم الصافي فيصبح حجم الصافي المستخرج يتراوح بين طن واحد وطنين .في الخارج تنتظر شاحنات ملاكي الأراضي المنجمية لسلب قوة عمل الكادحين حيث يباع الكيس من الفحم ب 25 درهم أي 0.33 سم للكلغ أو 330 درهم للطن و بتقسيمه على عدد العمال يصبح أجر العامل يتراوح مابين 50درهم و 100درهم في اليوم وبحسبان الحساب لمدة 3 أشهر التي يصلها العمل في حفر البئر قبل استخراجه و التي تكرر مرارا وفي العديد من الحالات و تبذل فيها قوة العمل بالمجان وبالنظر لكون مدة الاستغلال قد لا تتجاوز في أحيان كثيرة 3أشهر و في استثناءات قليلة سنة أي بمعدل 6 أشهر عمل وبتقسيم مجموع الدخل اليومي لمدة 6 أشهر على 9 أشهر كمعدل يبين أن دخل العامل اليومي لا يتجاوز في الأصل 33 درهم في 10ساعات من العمل الشاق اليومي و المميت . أما القيمة التي يباع بها الفحم من طرف الملاكين أصحاب رخص الاستغلال و التسويق فهي أكبر ب10 مرات مما يشتري به من العمال المنجميين . فالكيس الذي يشتري ب25درهم من العمال يبيعه الإقطاعي الجديد ب300درهم أو الطن الذي يحصل العمال على 330درهم مقابل قوة عمل استخراجه يباع 3500 درهم بمعنى آخر في كل 100 في المائة من قوة العمل التي يبذلها المنجمي يحصل منها فقط على قيمة 10في المائة من قوة عمله و 90 في المائة غير مدفوعة الأجر أو في كل 10ساعات عمل يحصل العامل على قيمة ساعة عمل واحدة بينما يشتغل 9ساعات لحساب الملاكين الكبار ، وبالنظر لآلاف العمال الذين يشتغلون وفق هدا النمط الجديد/القديم في الإنتاج يتبين حجم الثراء الذي يتراكم في جيوب اللصوص و البؤس في صفوف الكادحين . هذا عن جانب النهب و السلب الفظيع الذي يباشره بقايا الإقطاع و الملاكين الكبار في حق ألآلاف من الكادحين تحت رعاية الدولة بكل مؤسساتها و أجهزتها و أمام صمت و تواطؤ الأحزاب السياسية أما الجانب الأفظع و الأخطر و الأكثر دموية فهي ظروف و شروط العمل المنجمي الجديد . فظروف هذا العمل التي بينا سابقا ،طبيعتها المأساوية تؤدي بالعمل المنجمي الجديد إلى الإصابة بدءا بالسلكوز القاتل في أوقات قياسية و بنسب عالية حيث أن نسبة 25 في المائة من الإصابة بهذا الداء و التي كان يصلها العامل في ظل الشركة سابقا خلال مدة عمل تفوق 10 سنوات يصلها الآن القن الجديد في وقت أقل من سنتين عمل .و بما أن طبيعة مرض السيليكوز تجعل من نسبة الإصابة به ترتفع رغم توقف العامل عن العمل – فإن بلوغها 100 % أي تدمير الرئتين كليا و الوفاة بالنتيجة والتي كان يستغرق أكثر من 20 سنة عند عمال الشركة سابقا بحكم استفادتهم من التغطية الصحية و التطبيب المجاني، أصبح في حالة العمال الأقنان الجدد تصل نهايتها في سنوات جد قليلة ،حيث يتوفى العديد من العمال والبقية تجر أجسادها المنهوكة بالداء في مشهد فضيع يتكرر يوميا في كل أحياء المدينة، مشهد عهدناه في المدينة منذ اكتشاف المناجم بها، لكن بفارق مهم هو أن مرضى الأمس لا يصلون هذه الحالة المأساوية في الغالب إلا بعد سن التقاعد و يستفيدون لذلك من أنظمة تمكنهم من مقاومة المرض و لو في حدود دنيا ،أما مرضى اليوم فهم في الغالب شباب لم يتجاوزوا سن 30 ويصارعون الموت وأبنائهم اليتم و الجوع و التشرد يهدد عائلاتهم بدون أدنى تعويض عن هذا المصير المأساوي إلى جانب ذلك تتكرر باستمرار حوادث انهيار الأرض تحت الآبار أحيانا كثيرة تطبق الأرض على العمال فيموتون في الحين و أحيانا أخرى يتم إنقاذهم من الموت فقط عبر تدخل رفاقهم في الشغل بإمكانيات جد محدودة إلا أن هؤلاء لن يخرجوا من البئر بدون عاهات مستديمة كقطع الأرجل أو الأيدي أو يكسر العمود الفقري فيصبح العامل في هذه الحالة في وضع أسوأ من الموت وأبناؤهم أسوء حالة من الأيتام وبقية الإشارة في الأخير لتكتمل صورة الوقاحة العلنية في تحالف مصاصي الدماء مع ممثلي أجهزة الدولة محليا و إقدام هذه الأخيرة على تفويت منشآت و أوراش و مباني تقدر بملايير الدراهم كانت تابعة لشركة المفاحم سابقا إلى هؤلاء الملاكين و طبعا لن يكون نصيب أبناء الكادحين الجوعى و المهمشين أكثر من القمع و الاعتقال إذا ما رفعوا صوتهم عاليا ضد الجوع و القهر ،ضد السلب و النهب