لقي عاملان منجميان مصرعهما داخل أحد آبار استخراج الفحم الحجري العشوائية، بعد زوال يوم الثلاثاء، ثاني نونبر الجاري، ودفنا حيَّيْن، بعد أن انهار عليهما البئر/النفق، الذي يفوق عمقه 30 مترا، في غابة «حاسي بلال»، في ضاحية مدينة جرادة. وقد لقي أحد الهالكَيْن حتفَه في الحين، فيما لفظ الثاني أنفاسه الأخيرة بعد أن تمّ نقله في حالة حرجة إلى مستشفى الفارابي في مدينة وجدة، كما أصيب ثالث بجروح خفيفة. وكان العمال يشتغلون داخل أحد الآبار /الأنفاق (السندريات) التي يُطلَق عليها «آبار الموت» في غابة حاسي بلال في جرادة، حيث يعمدون إلى استخراج الفحم الحجري، بطرق يدوية بدائية، في غياب لكل شروط الوقاية والسلامة الصحية، إذ غالبا ما «تبتلع» تلك الآبار هؤلاء العمال أحياء ردما تحت أنقاض أطنان من الأتربة، بعد انهيارها فوق أجسادهم، أو اختناقا، بسبب انبعاث غبار الفحم وتفاعله، أو بعد إصابتهم بمرض السيليكوز في عزّ شبابهم. وسبق أن لقي شاب حتفَه اختناقا داخل نفق من تلك الآبار العشوائية صباح يوم الاثنين، 13 شتنبر الماضي في مدينة جرادة. وخلَّف الهالك (البشير بورومة) البالغ من العمر قيد حياته 38 سنة، أرملة وثلاثة أطفال وكان يسكن في منزل يكتريه في دوار «الزكارة». وقد كان يشتغل في آبار الفحم الحرة في المدينة. وانتشلت عناصر الوقاية المدنية في جرادة عشية يوم السبت، 8 ماي الماضي، جثة شخص عجوز لقي حتفه داخل إحدى الحفر التي تُستغَلّ في استخراج الفحم الحجري، بعد أن سقط في قعرها عندما كان يتجول بالقرب من حي السعادة القريب من غابة «ف 3». وصبيحةَ يوم الأربعاء، 6 ماي الماضي، لقي عامل آخر مصرعه، فيما نجح عمال في إسعاف عامل ثان في «بئر الموت»، بفضل مجهوداتهم الذاتية الكبيرة وتم نقله الى المستشفى المحلي في حالة حرجة... ومباشرة بعد الحادث المأساوي ليوم الثلاثاء 2 نونبر الجاري، خاضت مجموعة من العمال الغاضبين في «حاسي بلال» حركة احتجاجية، محاولين تنظيم مسيرة في اتجاه وسط مدينة جرادة، لكنْ تمت محاصرتها ومنعها من التحرك من طرف عناصر الأمن وقوات التدخل السريع. كما استنفرت القوات ذاتها عناصرها خلال مراسيم دفن الضحيتين، بعد ظهر أول أمس الأربعاء، 03 نونبر الجاري، حيث انتشرت العناصر الأمنية في محيط المقبرة، تحسبا لأي تحركات احتجاجية محتمَلة. وكانت مدينة جرادة قد عرفت حركة احتجاجية قوية ومظاهرة صاخبة تحولت إلى مسيرة شعبية، مساء يوم الجمعة 25 دجنبر الماضي، لأكثر من 700 عامل منجمي في هذه الأنفاق، تنديدا بوضع الاستغلال الذي يتعرض له أبناؤهم في استخراج وبيع الفحم الحجري في المدينة، انتهت باعتصام أمام مقر العمالة، الذي تم على إثره اعتقال عدد من العمال، من أجل «التظاهر وأعمال الشغب وتخريب ممتلكات عمومية» وأحيلوا على محكمة وجدة. وسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع جرادة، أن أشارت، في أحد بياناتها، إلى أن «ثقوب» /آبار استخراج الفحم هذه، التي تملأ الأراضي في محيط المدينة، أزهقت أرواح عشرات الشباب وأسكنت المرض اللعين في صدورهم، والبقية الباقية زجت بهم في السجون... معتبرة إياها من مخلفات السياسية الفاشلة للسلطة الإقليمية والوزارة الوصية على القطاع في التعاطي مع ملف استغلال الفحم الحجري، «وما هذا الحادث إلا تكريس لمنطق فرض الأمر الواقع في ما يخص السياسة العامة المنتهَجة من طرف القائمين على الشأن المحلي، عبر احتقار وإذلال المواطنين، عن طريق مصادرة حقهم في تنمية حقيقية تحميهم من الفقر وتضمن لهم العيش الكريم، وفق الإمكانات المتاحة. وما مؤشرات التنمية على مستوى إقليم جرادة، التي تراوح مكانها إلا دليل على ذلك، في ظل غياب أي بديل، بعد إغلاق مناجم الفحم».