خصص سكان مدينة العيون لصاحب الجلالة الملك محمد السادس،نصره الله،الذي حل بها مساء الجمعة المنصرم،استقبالا حارا وحماسيا،كان في مستوى حدث هذه الزيارة التاريخية،وعكس بحق متانة وشائج التلاحم بين العرش والشعب.وخرج سكان مدينة العيون بكثافة لاستقبال جلالة الملك الذي يحرص،أشد ما يكون الحرص،على تفقد أحوال رعاياه الأوفياء بربوع مملكته الشريفة.ورفعت الأعلام المغربية في مختلف شوارع مدينة العيون،وكذا صور جلالة الملك فرحا بزيارة عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس لجهة الصحراء في الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة.فانطلاقا من مطار الحسن الأول الدولي تجمعت حشود غفيرة جاءت لاستقبال جلالة الملك والترحيب به في مدينة العيون. مغزى ودلالات الزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية فالزيارة الملكية للصحراء المغربية وما واكبها من أوراش الاقلاع الاقتصادي والتنموي والاجتماعي للساكنة،هو عربون وشائج علاقة ملك بربوع جهة عزيزة على جلالته وعلى المغاربة قاطبة،فإذا كانت الزيارة الملكية للصحراء هي بمثابة تتويج للمنجزات التي راكمها المغرب في صحرائه التي تحولت من رمال متحركة تدروها الرياح الى مدن تضاهي تلك التي في الشمال والشرق، فقد انصب اهتمام الدولة المغربية كذلك على الانسان الصحراوي الذي أصبح قطبا ومحورا لأي دينامية أو رقي تنموي ونهوض حضاري..لذلك فالزيارة الملكية بالاضافة الى ما حملته لجهة الصحراء من ملايير الدراهم من المشاريع والاستثمارات،فالمغزى منها هو تجسيد التلاحم الوثيق والترابط المتين بين العرش وشعبه في الصحراء،ويشكل الاحتفاء بالذكرى الأربعون للمسيرة الخضراء المظفرة والزيارة تتويجا لملحمة بطولية ادخلت المغرب التاريخ من بابه الواسع بفضل سلميتها وتكريسها للدفاع عن الحق والمشروعية بسلاح السلم والايمان وعدالة القضية،زيادة على تلاحم ملك وشعب لاستكمال حلقات ثورة مجيدة في البناء والتشييد واستشراف المستقبل.والزيارة الملكية الى الصحراء هي خير جواب على ما ينعم به المغرب من استقرار ورخاء بالرغم من حمية واحقاد الخصوم والمناوئين لهم من انفصاليي الداخل والخارج وانفصاميي الضمير والوطنية من جمعيات الاسترزاق.والزيارة هي تلبية لنداء شعب متشبث ببيته الكبير وما دلالات نسبة مشاركته في الانتخابات الاخيرة إلا دليلا على تلاحمه بوطنه وانصهاره في شأنه،خاصة في ظل الجهوية الموسعة التي ستشكل إقلاعا تنمويا حقيقيا لجهة الصحراء وللوطن برمته. ثورة تنموية كبرى يطلقها جلالة الملك من قلب الصحراء المغربية وكما كان متوقعا جاء الخطاب الملكي قويا في الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة واضعا الكثير من النقط على الحروف،وأول ما استهل به الخطاب الملكي هو الإشكالية التنموية والاقتصادية بالأقاليم الجنوبية التي كانت تطرح إشكالا كبيرا في مقاربة التنمية بهذه الربوع المسترجعة خاصة وأن نموذج اقتصاد الريع ظل مهيمنا إلى يومنا هذا على جميع النماذج التي جربت بالمنطقة.وشكل الخطاب الملكي فيصلا وكان حازما في نقد هكذا نموذج.وقد أراد صاحب الجلالة من خلال إطلاق مشاريع تنموية استراتيجية تشكل قطيعة مع اقتصاد الريع أن يعطي إشارة قوية إلى تكامل المسار السياسي المتمثل في الجهوية المتقدمة والمسار الاقتصادي التنموي الذي وضح جلالته خطوطه العريضة ورسم له خارطة طريق ستجعل مما لامحالة الأقاليم الجنوبية نموذجا للتنمية في إفريقيا بكلها وهذا ما أشار إليه جلالته من خلال مشروع تنموي يربط الأقاليم الجنوبية بإفريقيا جنوب الصحراء التي تشكل فيها مشاريع ربط الصحراء المغربية بكل جهات المملكة التي أعلن عليها صاحب الجلالة،القاعدة الأساسية لهذا العمق.وإن المشاريع الكبرى التي أعلن عنها جلالته من قبيل إحداث طريق مزدوج بين تزنيت والداخلة وكذا إحداث خطوط نقل جوية جديدة بين وسط المغرب وأقاليمه الجنوبية وإحداث سكة حديدية مراكش لكويرة،ستشكل نقلة نوعية واستراتيجية لأقاليمنا الجنوبية وستنقلها الى مصاف الجهات الأكثر تطورا وتنمية في المملكة مما سيعبد الأرضية ويهيأ الشروط المناسبة لإطلاق مشاريع تنموية استثمارية واقتصادية ستجعل من الصحراء المغربية قاطرة للتنمية إن على مستوى علاقاتها بجهات المملكة أو بتحولها إلى جسر يربط المغرب بعمقه الإفريقي. الأقاليم الجنوبية نموذج تنموي واعد لجهوية رائدة بعد تقديمة نموذجا متميزا وثوريا واستثنائيا للأقاليم الجنوبية للمملكة،وضع صاحب الجلالة في خطابه الموجه من مدينة العيون للأمة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة،هذا النموذج في إطار الجهوية المتقدمة كحل يقدمه المغرب للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية،بحيث أصبح الدفاع عن نموذج الحكم الذاتي الموسع لأقاليمنا الجنوبية مقرونا بنموذج تنموي متميز قال عنه صاحب الجلالة أن المغرب ملتزم بإخراجه إلى أرض الواقع كما التزم ووعد في إخراج كل المشاريع والوعود التي التزم بها.من هذا المنطلق يمكن فهم أبعاد الخطاب الملكي في كون أن المغرب يتمتع بمصداقية سياسية وأخلاقية تأهله أن يتحدث أمام المجتمع الدولي بأنه قادر على الوفاء بكل وعوده،فمشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب عام 2007 كحل بديل للنزاع المفتعل يثبت اليوم وبالأدلة الملموسة أنه جدير بالثقة،بحيث استطاع أن يترجم هذا الوعد وفي زمن سياسي قياسي إلى نموذج قابل للحياة له تمثلات وتجليات اقتصادية وسياسية وتنموية على أرض الواقع.ولهذا كان جلالته ذكيا عندما ربط النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية بمشروع الجهوية الموسعة الذي استكمل المغرب بناؤه السياسي والهيكلي بعد النجاح الباهر لانتخابات الرابع من شتنبر،وما كرسته من مشروعية سياسية وانتخابية أعطت للنموذج المغربي في الجهوية المتقدمة بعدا سياسيا واستراتيجيا في منظومته الإقليمية والدولية وقدمته كبلد يسير نحو الديمقراطية باستكمال بنائه المؤسساتي. جلالة الملك يفضح الممارسات اللاإنسانية للنظام الجزائري في الوقت الذي رافع فيه جلالة الملك في خطابه بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة،عن نموذج تنموي متميز بالأقاليم الجنوبية تصدقه أدلة وتجليات وتمثلات اقتصادية واجتماعية ملموسة مؤزرة بنموذج لجهوية موسعة تلبي طموحات وتطلعات ساكنة الصحراء المغربية،وضح وبين الخطاب الملكي بالمقابل فداحة ولاإنسانية السياسات التي تنهجها الجزائر في مخيمات تندوف،حيث تحدث جلالته بلغة استنكارية في صيغة استفهام موجهة إلى حكام الجزائر عما قدموه لحفنة من الصحراويين المحتجزين بمخيمات تندوف يعانون الأمرين من جراء السياسات الظالمة للنظام الجزائري التي نهجها لأكثر من أربعة عقود.ففي الوقت الذي قدم فيه المغرب الغالي والنفيس من أجل الرقي بساكنة الصحراء على جميع المستويات،مقدما نموذجا فريدا من نوعه لإخراج المنطقة من الوضعية الكارثية التي خلفها وراءه الاستعمار الإسباني،ظلت مخيمات تندوف على قلة ساكنتها نموذجا فظيعا ومأساويا لخروقات حقوق الإنسان بشتى أنواعها وتدهور خطير لكل مناحي الحياة،حيث تقف سنويا المنظمات الدولية على الوضع الكارثي الذي يعيشه المحتجزون قسرا من طرف النظام العسكري الجزائري في صورة بشعة ووصمة عار في جبين المجتمع الدولي،وما زاد الطينة بلة في الآونة الأخيرة هو الكشف عن اختلاسات للمساعدات الإنسانية الموجهة للمخيمات.ولقد حرص جلالته في خطابه التاريخي من مدينة العيون على أن يضع صورتين ومشهدين متقابلين متناقضين،صورة لمغرب ذي وجه ناصع ذو مصداقية يقدم بالملموس نموذجا سياسيا واقتصاديا ومجتمعا راقيا بشهادة المنتظم الدولي،وصورة مشوهة تعكس الطبيعة اللاأخلاقية واللاإنسانية لممارسات النظام الجزائري اتجاه محتجزي مخيمات تندوف.وهما الصورتين والمشهدين الكفيلين بإيصال رسالة واضحة إلى من يهمهم الأمر سواء انفصاليي الداخل أو المحتجزين بالمخيمات على أن يختاروا بين هذين النموذجين،نموذج التنمية والرقي ونموذج القهر والتسلط وبيع الأوهام،وبين هذا النموذج وذاك سيشهد التاريخ أن المغرب بملكه وشعبه إذا وعد وفى وإذا تكلم فعل،وأن النظام الجزائري إذا وعد نقض وإذا تكلم فعل ما لم يقله "وكبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلوا" صدق الله العظيم. "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها" في انسياب وانسجام مع الزيارة الملكية التاريخية للصحراء المغربية ووقعها الجيوسياسي على ملف وحدتنا الترابية،نظم حوالي 30 ألف مواطن ومواطنة ينحدرون من الأقاليم الجنوبية مساء يوم السبت 7 نونبر وقفة احتجاجية جماهيرية أمام مقر المينورسو بمدينة العيون،مرددين شعارات تأكد على مغربية الصحراء ومناوئة لخصوم الوحدة الترابية للمغرب،كما هتفوا بحياة صاحب الجلالة الذي حل بمدينة العيون التي كانت في مستوى حدث الزيارة الملكية التاريخية،التي دشن على إثرها جلالة الملك مشاريع إقتصادية وتنموية ضخمة ستشكل لا محالة نقلة نوعية في تنمية وازدهار جهة الصحراء الكبرى على جميع الأصعدة والمستويات.وحجم الوقفة الاحتجاجية وتأثيرها الكبير كانت رسالة واضحة إلى من يهمهم الأمر من خصوم الوحدة الترابية وخاصة الجزائر وعميلتها البوليزاريو،مفادها أن الصحراويون الشرفاء متشبثون بمغربية الصحراء مجددين الولاء للعرش العلوي المجيد.وتنظيم التظاهرة العفوية والتلقائية الكبيرة أمام مقر بعثة المينورسو يحمل أكثر من دلالة ويرسل أكثر من رسالة إلى هذه البعثة ودورها غير النزيه والموضوعي في تعاملها مع عدالة قضية وحدتنا الترابية،حيث طالب المحتجون برحيلها عن الأقاليم الجنوبية للمملكة لأنها أصبحت عبئا سياسيا وماديا على القضية الوطنية.وجدير بالذكر أن مدينة العيون وجماهيرها تعيش هذه الأيام عرسا كبيرا بمناسبة الزيارة الملكية الميمونة لربوع أقاليمنا الجنوبية،وهي بذلك تكون قد وجهت رسالة حضارية فريدة من نوعها إلى العالم مفادها أن المسيرة الخضراء مشروع مستمر في الزمان والمكان،كما أنها قدمت برهانا وصورة تتحدث بلغة شيوخها ونسائها وأطفالها وقبائلها ولسان حالها يقول أن المسيرة الخضراء تولد من جديد بعد أربعين عاما بحلة جديدة شعارها كما قال جلالة الملك "الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه".