غابة بولمان بين مثالية البرنامج ومادية الواقع غابة بولمان يجب أن يكون لها مفهوم بيئي وإنساني قبل أي اعتبار آخر سأبدأ رسالتي هذه بأسئلة، كانت اللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع بولمان، قد وجهتها في لقائها مع مهندس مياه وغابات بولمان، عندما سألته عن الذين يقطعون أشجار غابات بولمان من العيار الثقيل، وبدوره رد بسؤال وجودي، من هم، ومن تقصدون؟ أسئلة مشفرة بين الطرفين.. لجنة تحضيرية تسأل، وإطار المياه والغابات، يسأل بدوره عمن يتم البحث؟.. اللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لتأسيس فرع بولمان، تسأل عن الذين كانوا سببا في تدمير غابة دائرة بولمان، والذين يتسببون الآن في الموت البطيء للساكنة؛ من شدة البرد القارس الذي يضرب المنطقة في كل فصل، شتاء، وعلى الدوام. بمناسبة حلول فصل شتاء 2008-2009، يثيرنا جميعا منظر أطفالنا بمدينة بولمان، وهم يعبرون شوارع وأزقة المدينة، أو يدخلون زنازن المدارس، أو يعودون لكهوف سكنهم البارد، أو يدخلون باحة المستشفى البارد، أو، أو... منظر فاجع، مخجل، ومثير للحزن لهؤلاء الملائكة الصغار، بهذه المدينة الصغيرة، حين تنظر إلى وجناتهم، وآذانهم ، وشكل مشيتهم من شدة البرد، وهم يتوجهون إلى.. ومن... ليتعرضوا لضربات أخرى من البرد الكاتم بفعل نقص حطب التدفئة، وأشياء أخرى. أسئلة وجهتها اللجنة التحضيرية لأولياء الأمر بهذه المدينة، وغيرها من مراكز القرار، على أن يتذكر كل هؤلاء، ويبحثوا عمن!؟ كان سببا في تقوس ظهور الملائكة الصغار بفعل البرد، وعدم دعم حطب التدفئة، وثقل المحفظة.. واسألوا أيضا أهل الطب، وأهل الهندسة البيئية والمعمارية؛ لعلهم يجدون جوابا يشفي الغليل عن مآسي طفولة مدينة بولمان. تسأل اللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع بولمان، ونحن نحتفل باليوم العالمي لحقوق الطفل، عمن؟ وكم؟ كانوا مقصرين في حق أطفال صغار، لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا بمدينة بولمان، وتدهورت وضعية غابتهم؛ على الرغم من أن هؤلاء الملائكة الصغار، لم يشارك فيهم أحد وبالمطلق في تدميرها، والوصول بها إلى حجم هذه الكارثة ؟. وعسى أن يشعروا مثلما شعرت اللجنة التحضيرية بحجم الكارثة، والنقص المهول في حطب التدفئة، وإن وجد، وبكمية جد قليلة وزهيدة، وبثمن لا يليق بمدينة كلها غابة، وعسى أن يتحرك فيهم شيء اسمه الضمير، لتزويد سكان وأطفال المدينة بالحطب الكافي؛ ليعطوا الدليل بأنهم لم ينسوا أطفال هذه المدينة العزيزة، الضائعين في شوارعها وأزقتها غير المعبدة. مصالح المندوبية السامية للمياه والغابة ومحاربة التصحر، أولئك الذين يجلسون خلف مكاتبهم المكيفة والدافئة في هذا الفصل بالذات في العاصمة، وأولئك الذين يمثلونهم في مدينة بولمان؛ عليهم أن يعرفوا أن أمهات وآباء وجدات وأصدقاء، وعمال، وعجزة، ومرضى، وشباب ومدرسي صغار أطفال مدينة بولمان الباردة، يبكون من شدة البرد عند السابعة صباحا، وفي منتصف الليل، من وخز سهام البرد، والذي أوصانا عليه السلف لمحاربته من كل ما أوتينا من قوة. . أطفال مدينة بولمان، لا يشبهون الاطفال الذين نشاهدهم في التلفزيون؛ رغم تشابههم في البكاء فقط ، يلبسون ثيابا جميلة، ويحملون محفظات أنيقة، وهم متوجهون إلى مدارسهم الجميلة؛ التي تحيط بها الحدائق المليئة بالأزهار والورود. كنا نشعر بالغيرة عندما نراهم ينزلون من سيارات آبائهم وهم يبتسمون، بينما أطفال منطقة« دوار ايت عمو» البعيد من مدرسة علال بن عبد الله بمدينة بولمان، بحوالي 3 أو 4 كيلومترات، يقطعون كل صباح ومساء هذه الأميال بأرجل تنتعل حذاء، انقشع عنه لون الشركة التي صنعته، غير صالح للمشي، رث المنظر، أياد تشبه ملاعق صدئة، ووجوه منقطة تشبه الفاكهة التي أصابها الذبول، ملابس ممزقة، مشية لا تشبه المشية في شيء، أرجل صغيرة تصطدم بحجارة صلبة على طول طريق منطقة سكورة. هذه الطريق التي تصلح لحكاية ألف ليلة وليلة، عروق ضيقة يجمدها البرد القارس، محفظة تطل منها الدفاتر البالية من كثرة ثقوبها. زادهم الابتسامة الجماعية كلما مروا بجانبك، وهم مجموعات حافية، يتسابقون للوصول إلى مدرستهم الواقعة على سفح الجبل، اسمها مدرسة علال بن عبد الله. مسافة 3 أو 4 كيلومترات، يقطعها هؤلاء الأطفال يوميا، والتي تفصل بين بيوتهم ب « ايت عمو» البائسة؛ التي تعتاش أسرها من بيع حطب قليل، تزود به مدينة بولمان المجاورة؛ كلما سنحت ظروفهم لذلك بالتخلص من لعبة الفأر والقط التي يمثلوها مع حراس الغابة بأجسادهم العارية. آباء بهذا الدوار الذي يسمى ايت عمو، لا يملكون ما يكفي من المال كي يشتروا لهؤلاء الاطفال أحذية وملابس، يعيشون بدون تغذية متوازنة، فقط على الخبز الحافي والشاي، وفي أغلب أيام السنة، ينام هؤلاء الاطفال بهذا الدوار، بدون وجبة العشاء. في فصل الشتاء بمدينة بولمان، حجرات الدرس الضيقة تصير مثل ثلاجة باردة، ترتعد فيها أطراف أطفالنا بلا توقف. رجال الغابة لا يسمحون بالتقاط الحطب وعلى قلته بالغابة المجاورة.. لا أدري هل يعرف هؤلاء الأطفال لماذا يُمنعون من الحطب، حتى القليل منه؟ ربما لمحاربة التصحر كما هو مكتوب فوق سيارات مصالح المياه والغابات.. أظن! لكن، لم ينته، ولم يتم الجواب عن سؤال اللجنة التحضيرية؛ عندما طرحته على المصلحة الوصية على هذا القطاع، ولم تستثن أيضا الجماعات القروية المشرفة: كيكو، انجيل، المرس، سكورة، سرغينة، ولا زلنا تنتظر جميعا جواب العمالة في مراسلة سابقة. يمكن التنبؤ ببعض الأجوبة، أغلبها يعود للامبالاة، وعدم الرد؛ لأن الجواب في بعض الأحيان، وبالخصوص من إداراتنا المحلية والإقليمية بإقليم بولمان‘ هو إشارة تدل على ملحاحية صبر السكان على البرد، مقابل أن تظل أشجار غابة دائرة بولمان حية ليقطفها الكبار بدل الصغار؛ وكذلك لتفادي برودة الأجوبة، كما كانت أجوبة مهندسنا المحترم؛ عندما سألته اللجنة التحضيرية في معرض لقائها معه، يوم: 21/11/ من سنة 2008. سؤال آخر وجهته اللجنة التحضيرية للسيد المهندس: في كل يوم، نرى شاحنات ضخمة تغادر مدينة بولمان، وهي تعبر أهم شارع يقسم المدينة نصفين، وتحمل المئات سابقا، والعشرات حاليا من جذوع الأشجار الضخمة، ثم تنصرف إلى مكان ما,, سالت اللجنة التحضيرية السيد المهندس، لماذا لا يمنع حراس الغابة هؤلاء من قطع الأشجار، وحتى إذا قطعت، فالأسبقية للمدينة القريبة، أولا، وبدون تمييز جهوي؛ لأنها أشجار غابة دائرة بولمان، وأهلها يموتون بردا، لكنه في كل مرة، يتملص من الجواب. ولو ألحت اللجنة التحضيرية في السؤال، ربما سيقول لها بأنهم يصنعون منها أوراق الدفاتر، والكتب التي يدرس فيها أطفال المدينة! وأغلب أطفال دواوير دائرة بولمان، انفصلوا عن الدراسة في القسم الأول، أو الثاني؛ بسبب بعد المدرسة، وقسوة، وبرودة الجو؛ ليخلفوا آباءهم في متابعة البهائم؛ لعلهم يجدون حطبا ميتا بالغابة. ثمة أسئلة كثيرة، دارت في ذلك اللقاء، وكثيرة هي الأجوبة التي لازالت معلقة في ذلك اللقاء، واللجنة التحضيرية تدعو شبيبة وطفولة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لزيارة الدائرة، في مخيم صيفي مقبل وجبلي لهذه الغابة؛ ليستفيد الجميع من برودة الصيف، لكنها لا تشبه برودة الشتاء، وندعو مكتبها المركزي جميعا لحمل رسائلنا لمن يهمه الأمر في تزويدنا ب« بون ضخم من حطب التدفئة، يكفينا ماسي هذا البرد، ليلتقي كرنفالنا بكرنفال أطفال الرباط ».