أمام توقعات مديرية الأرصاد الجوية المغربية، التي تنبأت بأن المغرب سيعرف ارتفاعا في درجة الحرارة وانخفاضا في معدل التساقطات، خاصة في الأطلس المتوسط في أفق 2070/2080 مما سيؤدي إلى اضطرابات مناخية، وبسبب الاستنزاف الذي تتعرض له بعض الغابات التي لها دور مهم في خلق التوازنات غابات جهة تادلة أزيلال نموذجا فالجهات المسؤولة مطالبة بتفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للبيئة واعتماد خطط علمية ومشاريع مستدامة تعتمد على مقاربات تشاركية واستراتيجيات تستحضر العنصر البشري عند التخطيط والفعل. «تم القضاء على مساحات كبيرة من غابات القصيبة، حيث يتم قطع الأشجار بطرق غير قانونية، كما يتم استغلالها في الرعي بشكل مفرط، ولعل النتيجة انعكست خلال موسم الشتاء الماضي، إذ لم يسبق أن خلفت الأمطار خسائر كتلك التي خلفتها هذا الموسم لأن الغابة التي كانت تمتص غضب الطبيعة تم تدمير أجزاء كبيرة منها. إن ما آلت إليه الغابة في هذه المنطقة ينذر بكارثة بيئية ستكون لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية وبشرية كبيرة»، تلك شهادة لأحد أبناء المنطقة حيث توجد غابات القصيبة الشاسعة، التي «مسخ» جمالها وتراجعت كثافة أشجارها التي كانت تحجب الرؤية في السنوات الماضية قبل أن تطالها أياد «مخربة» حولت العديد من أشجارها إلى مجرد بقايا أشجار. إن أغلب غابات القصيبة، تقول فعاليات جمعوية، كانت تتميز بكثافة أشجارها وتنوع غطائها النباتي، وهو ما جعلها ملاذا آمنا لعدد كبير من الطيور والحيوانات الغابوية، وحزاما طبيعيا يمتص مياه الأمطار ويغذي فرشات المياه الجوفية ويحول دون انجراف التربة والفيضانات بسبب التساقطات الغزيرة التي تعرفها المنطقة في كل فصل شتاء، إضافة إلى الدور الإيكولوجي الذي كانت تقوم به الغابة من خلال الحفاظ على توازن النسق البيئي الغابوي، فقد كانت تقوم أيضا بأدوار اجتماعية واقتصادية مهمة، ذلك أنها كانت مصدرا مهما للثروة بالنسبة إلى السكان والجماعات المحلية عن طريق الانتفاع القانوني من محاصيلها ومنتجاتها من خلال جمع الحطب اليابس والرعي المنظم وجني أوراق شجر الغار ومحاصيل الخروب. يقول باعقي مصطفى، رئيس جمعية أصدقاء الصيد بالقصيبة وعضو في المكتب الجهوي للجامعة الملكية للقنص: «غابات القصيبة تعيش وضعا مأساويا» ذلك أن مساحات كبيرة من غابات البلوط تم تخريبها من أجل التفحيم والرعي الكثيف حتى أصبحت مقفرة». وأضاف باعقي أن «الثروة الحيوانية تعرضت للاستنزاف بسبب الضغط الكبير الممارس من طرف جمعيات القنص القادمة من مختلف مناطق المغرب بشكل يتجاوز القدرة الإنتاجية للغابة، وأيضا نظرا لأن مصالح المياه والغابات لا تقوم بدورها في زرع الوحيش». التعاونيات التي استفادت من شراء بعض القطوعات تتجاوز المساحات المرخص لها بقطعها، إنه تخريب وليس تجديد، يؤكد باعقي. كما «أصبحت رؤية الحمير المحملة بأكياس الفحم تجوب شوارع مدينة القصيبة ومدينة تادلة بحثا عن المشتري من المشاهد المألوفة» يضيف المصدر نفسه. خروقات القطع القانوني تعالت الأصوات المنددة بالحالة المأساوية التي أصبحت عليها الغابة، سواء في المنطقة التابعة لجماعة ناوور أو جماعة دير القصيبة، وبناء عليه قامت المندوبية الجهوية للغابات في بني ملال بإيفاد لجان حلت بالمنطقة في شهر مارس الماضي، خاصة بالمناطق التي كانت موضوع عملية القطع القانوني، الذي استفادت منه تعاونيات قطع الأخشاب، حيث سجلت اللجنة عدة خروقات في منطقة توجيمت القطعة 63 التابعة لجماعة ناوور. و حسب مصدر مطلع فإن لجنة خاصة كانت قد زارت المنطقة التي توجد بها القطوعات القانونية الواقعة في منطقة تاوجيمت في إطار العمل التفقدي الذي تقوم به لتفاجأ بإخلال التعاونية بالتزاماتها المتعلقة بالالتزام بقرارات اللجنة وعدم قطع الأشجار والأغصان الواجب الإبقاء عليها والمعلمة بالصباغة حيث وجدت أن التعاونية قامت بقطع جميع الأشجار وتفحيمها في غياب غير مفهوم وغير مبرر لمراقبة وتتبع مسؤولي المياه والغابات. إعفاء من المهام تقرير اللجنة جعل مديرية المياه والغابات توفد لجنة مختلطة لتقصي الحقائق وتحديد المسؤوليات يوم 21 يناير الماضي، غير أن الزيارة تميزت بدورها بعدة اختلالات «منعتها» من زيارة المنطقة الغابوية. ووقفت لجنة أخرى خاصة على عدة خروقات إثر زيارتها المفاجئة لمنطقة تاوجيمت لتقف على الخروقات المذكورة في المنطقة رقم 63، حيث وجدت أن عملية قطع المساحات الغابوية، التي باعتها مصلحة المياه والغابات لإحدى تعاونيات قطع الأخشاب والتفحيم والتي تمت في إطار إحياء الغابة وتجديدها، شابتها خروقات عديدة، وتمثلت في عدم الالتزام بقرارات اللجنة المختلطة ومد اليد إلى الأشجار الفتية الواجب الإبقاء عليها. وإثر ذلك اتخذ المدير الجهوي قرار الإعفاء من المهام في حق رئيس دائرة غابوية لمنطقة القصيبة، كما تم تنقيل مهندس غابوي إلى الإدارة الجهوية، وهو ما نفاه المدير الجهوي الذي أكد ألا علاقة لقرار الإعفاء بالغابة بل يتعلق بأمر آخر. ويلزم ظهير 10 أكتوبر1917 المغير بظهير 30 أبريل 1949 من وقعت عليه السمسرة أو أصحاب الامتياز في الغابات بالمحافظة على الأشجار الواجب إبقاؤها، وعدم التغيير في قدر ما بيع من الخشب، بحيث لا يمكن زيادة أي شجرة ولا أي قطعة خشب، وذلك عن طريق الاكتفاء بقطع الأشجار مكتملة النمو والإبقاء على الأشجار والفروع الأخرى، والتي يتم تمييزها بالصباغة من طرف لجنة مختلطة. استصلاح الأراضي ذريعة للنهب الغابوي ظهرت في منطقة ناوور في الآونة الأخيرة ظاهرة تتجلى في استغلال رخص القطع التي يحصل عليها أصحاب الملكيات الغابوية الخاصة في إطار مسطرة استصلاح الأراضي لنهب الغابة في ظل غياب مراقبة حراس الغابة، كما أن الأمر قد يتعلق بما يسمى «التسليمات»، وهي مساحات من الغابات والأحراش تقع في ملكية الخواص وغير تابعة لأملاك الدولة، ذلك أن هناك تجار أخشاب متخصصين في شراء هذه التسليمات بعد حصول المالك على رخصة القطع لتوسيع الأراضي الزراعية وذلك للحصول على رخصة المرور - وهي الغاية من شراء» التسليمة»- لاستغلالها في نقل وتسويق الأخشاب المتحصل عليها من القطع غير القانوني ونهب الغابة والإدلاء برخصة القطع والمرور في حالة الإيقاف من طرف دوريات المراقبة والمرور. القطع غير القانوني والرعي الجائر تعيش غابات القصيبة، خاصة المنطقة الممتدة من وادي بويزرفان شرقا إلى منطقة اكنوس وشقوندة وصولا إلى غابات أبعلال جنوبا وغابات بوباغور شمالا، على إيقاع القطع والتخريب اليومي لأشجار فتية وخضراء، خاصة أشجار البلوط، وذلك لتسويق أخشابها وتفحيمها والحصول على مادة الفحم التي يتم تسويقها في مدينة القصيبة وتادلة والنواحي. ويلجأ شباب المناطق المجاورة للغابة في أفلا نفران وشقوندة بسبب الفقر المدقع والبطالة وغياب مشاريع تنموية مدرة للدخل إلى الغابة من أجل الحصول على مداخيل مالية من عائدات الفحم وبيع الأخشاب لبعض الحمامات في المدينة على حساب الثروة الغابوية. وأصبحت مساحات كبيرة من الأراضي الغابوية التي كانت تعرف بكثافة أشجارها وتنوعها عبارة عن أراض جرداء إلا من بقايا القطع الفحمية وبعض الجذور اليابسة التي تحول قطعان الماعز دون نموها من جديد وتتحول الأراضي المترتبة عن قطع الأشجار مع التساقطات المطرية إلى مجمعات لمياه الأمطار والمياه التي يحملها واد شقوندة، الذي تسبب في الكارثة التي ضربت قريتي شقوندة وأيت حمو وعبد السلام وخلفت سبع ضحايا وخسائر مادية فادحة. ويساهم الرعي بقسط كبير في تدهور الغابة، ذلك أن الأشجار المقطوعة سواء في القطوعات القانونية أو في المناطق التي تعرضت للنهب والسرقة تنبت من جديد وترسل براعم وسيقان تقضمها قطعان الماعز مما يعيق عملية التجديد. الاجتثاث والقطع العشوائي الذي تتعرض له غابات المنطقة الغابوية للقصيبة، وفي ظل التغيرات المناخية جعلت الوديان والفجاج المحيطة بمدينة القصيبة والمناطق المجاورة لها تكتسي خطورة كبيرة على السكان وممتلكاتهم بالنظر إلى حجم الفيضانات التي بدأت تعرفها المنطقة، حيث شهدت تساقطات غير مسبوقة، وتسببت في فيضانات جرفت حقول الزيتون في منطقة أمشاظ وأفلانفران. شجر الغار في خبر كان «شجرة الغار» أو «ورق سيدنا موسى» هي شجرة دائمة الخضرة وكثيرة الأوراق تفوح منها رائحة عطرية متميزة، وتستعمل في المطبخ كما يستخرج منها زيت يستعمل في صناعة الصابون ذي جودة عالية. كانت هذه الشجرة من الأشجار المهمة في غابات القصيبة إلى جانب البلوط، وكانت مصلحة المياه والغابات تبيع امتياز شراء أوراقها بالسمسرة إلى خواص كانوا معروفين بحسهم البيئي وحبهم الشديد لهذه الشجرة، خاصة المرحوم موحى وناصر. وكان موسم جني الأوراق، والذي كان يتم في فصل الصيف، فرصة للسكان المجاورين للغابة الذين تتوفر لديهم فرص للعمل لعشرات الأيام بأجور جيدة، غير أنه في السنوات الأخيرة ظهرت عصابات متخصصة تستعمل الدواب والعربات في نهب أوراق هذه الشجرة وقطع أشجارها لتسهيل السرقة. ونظرا لكون الأوراق الخضراء أمرا ضروريا بالنسبة إلى حياة هذه الأشجار فإن أشجار الغار التي تبقى بلا أوراق طيلة السنة يكون مصيرها الموت المحتوم. وهكذا أصبحت مناطق «أقا بوعصات» و«تولزدامر» و«أقا بوبريد» على حالتها «المزرية»، تؤكد مصادر من المنطقة، تشهد على «الجريمة» البيئية التي ارتكبت في حق هذه الشجرة، كما تتعرض، إلى جانب شجر الغار، الأعشاب الطبية والعطرية إلى الاستغلال المفرط والتخريبي من طرف أشخاص يقتلعونها بجذورها ربحا للوقت ورغبة في جني أكبر كمية ممكنة نظرا للطلب المتزايد على هذه الأعشاب من طرف المرضى ومحلات العطارة. الاستغلال المفرط، وغير المنظم لهذه النباتات، حكم على غابات القصيبة بالموت البطيء، حيث تحولت أجزاء مهمة منها إلى أراض قاحلة «لا حياة فيها لهذه النباتات» التي كانت تميز منطقة القصيبة فقط دون مناطق أخرى بالمغرب. وعزا مصدر من مندوبية المياه والغابات سبب تراجع الغطاء النباتي بشكل عام في جميع الغابات الطبيعية إلى التدخل المفرط والاستغلال الكبير لأشجارها، وأن هذا يتدخل فيه الرعي المكثف، حيث إنه يمنع الأشجار التي تم قطعها من النمو من جديد، كما أن قطع أشجار فتية عوض الأشجار التي تم الترخيص بقطعها هو «جريمة» في حق الغطاء الغابوي. «التفحيم السري» ظاهرة قديمة لم ينف بعريس مصطفى، المدير الجهوي للمياه والغابات بجهة تادلة أزيلال، تعرض غابات جهة تادلة أزيلال للتخريب كغيرها من الغابات على الصعيد الوطني، حيث أكد أن التفحيم السري هو وجه من وجوه الاستغلال غير القانوني الذي يتم خلسة من طرف السكان المجاورين للمساحات الغابوية، وأنه يصعب على المديرية الجهوية وكل الجهات المخول لها قانونيا حماية هذه الغابات القيام بذلك. وأضاف بعريس أن التفحيم السري هو ظاهرة قديمة جدا لها ارتباط بحاجيات سكان المناطق المجاورة لهذه الغابات والقريبة من المراكز الحضرية، وتلجأ إليها لعوامل سوسيو اقتصادية، وأن الأمر لا يتعلق ب«مافيات قطع الخشب». وأكد المدير الجهوي أن التدخل يكون إما عن طريق معالجة قانونية عن طريق تحرير محاضر غابوية يتم إرسالها إلى السلطات القضائية للبت فيها، أو من خلال خلق مشاريع مندمجة تأخذ بعين الاعتبار حاجيات السكان لجعلهم يقلعون عن عادة استغلال الغابات والاستعانة بأشجارها لتأمين قوتهم اليومي. وتم خلق 17 تعاونية على صعيد الجهة، يؤكد بعريس، دورها أن تكون صلة وصل بين المديرية الجهوية للمياه والغابات بالجهة وهؤلاء السكان، وأن تأخذ على عاتقها إقناعهم بأهمية الغابة في حياتهم وبضرورة حمايتها والحفاظ عليها من جهة ثانية. كما تلعب هذه لجمعيات دورا آخر في الحفاظ على المنظومة الإيكولوجية الغابوية، إذ إن الجهة تنفرد بوجود مجموعة من الأشجار الطبية والأعشاب العطرية ك«الخروب» و«ورق سيدنا موسى» و«الزكوم»، حيث تسعى المديرية من خلال خلق هذه التعاونيات إلى جعلها تحمل على عاتقها هم الحفاظ على هذه النباتات من خلال تجديدها وتثمين سلاسل الإنتاج إلى التسويق، وأن المديرية سارت في هذا المنحى، فلأول مرة لم تقم بسمسرة بيع الخروب هذه السنة، وأنه أعطي لهذه التعاونيات في إطار الشراكة التي جمعتها بالمديرية الجهوية للمياه والغابات، يضيف المدير الجهوي. «ناقوس الخطر» صرح بعريس مصطفى بأن الفيضانات التي شهدها دير القصيبة مؤخرا هي بمثابة ناقوس خطر للجميع، بمن فيهم السكان، على أن الغابة التي كانت تحميهم من غضب الطبيعة طيلة السنوات الماضية لم تعد قادرة على ذلك بسبب استغلالها المفرط وغير المعقلن، إذ لم يسبق لهذه المنطقة أن عرفت فيضانات خلال مواسم ممطرة سابقة، أي أنها كانت تلعب دورها في الحفاظ على التوازنات البيئية في المنطقة، وأنه بسبب الضغوطات والتدخل المفرط حدثت بها اختلالات تسببت في هذه الفيضانات، وهو ما يدعو إلى ضرورة تكاثف الجهود لإعادة هذه التوازنات إلى وضعها الطبيعي، يؤكد بعريس. كما أكد بعريس أن المديرية الجهوية لا تسمح بقطع الأشجار التي ما زالت في وضع جيد، علما أن الغابة بحاجة إلى التجديد، وأن «التسليمات» التي يتم من خلالها في بعض الأحيان، وبطرق «غير قانونية»، اقتلاع أشجار فتية عوض الأشجار المرخص بقطعها، لا تتم بتاتا، يؤكد المدير الجهوي، بالمساحات الغابوية التي توجد في مناطق الدير، بل تكون في ملكية الخواص، وأن المديرية في حالة «التسليمات» التي تتعلق بغابات الخواص تقوم بتشكيل لجنة تقرر تسليمها أو العكس وفق الشروط التي تلزم القطع أو ترفضه حماية للثروات الغابوية، وأنه في حال وجود قطع غير قانوني لأشجار فتية فإن ذلك لا يكون في علم المديرية. تجدر الإشارة إلى أن الغطاء الغابوي بجهة تادلة أزيلال يمتد على مساحة 500 ألف هكتار، وهي غابات تتكون من أشجار البلوط والورقيات التي تغطي أزيد من 75 في المائة. وأضاف باعقي أن عاملي الفقر وغياب الوعي يدفعان السكان المجاورين للغابة إلى قطع أشجارها واستنزاف خيراتها لتوفير لقمة العيش، لذلك فالدولة مطالبة بخلق مشاريع تنموية مدرة للدخل في إطار التنمية المستدامة عن طريق تشجيع تربية النحل وتغيير الماعز المحلي المعروف بعدوانيته تجاه الشجرة بالماعز المستورد قياسا على ما تم القيام به في المناطق الشمالية والجنوبية وخلق تعاونيات نسائية وإمدادها بالقروض وتوفير الأسواق لمنتجاتها