أحالت عناصر الشرطة القضائية لأمن الحي الحسني عين الشق أخيرا، على محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، متهما بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والعلاقة الجنسية غير الشرعية. وقائع الجريمة ابتدأت في أحد أحياء منطقة الحي الحسني، التي ترعرع فيها المتهم، الذي تجاوز ربيعه العشرين بسنوات قليلة، كان شابا خجولا وطيبا، يعمل مع والده في متجر صغير مخصص لبيع المواد الغذائية والحلويات، ويساعده في إعالة والدته وباقي إخوته الصغار. كان المتهم، المتحدر من مدينة تارودانت، شابا لطيفا، وكان عمله مع والده في المحل التجاري، يشغل كل وقته، كان والداه يوليانه اهتماما كبيرا، ويمنعانه دائما من مجالسة رفقاء السوء أو معرفتهم، لذلك نشأ في مدينة الدارالبيضاء الواسعة، وهو لا يعرف منها سوى محل والده التجاري وبيت أبويه، لكن في أحد أيام الصيف الحارة. وبينما كان المتهم يرتب ما اقتناه والده من بضاعة في رفوف المحل، وقفت أمامه فتاة شابة، لم تتجاوز بعد ربيعها العشرين، وطلبت منه أن يبيعها بعض الحلوى، أمسك المتهم بالنقود من يد الفتاة، وسلمها الحلوى. لكنه ظل واجما أمام جمالها وأنوثتها، وسلمها قلبه الصغير، الذي لم يعرف الحب بعد، ومنذ تلك اللحظة، بدأ في البحث عنها إلى أن عرف طريقها، ثم شرع في ملاحقتها بين أحياء المنطقة. وفي المسكن الذي تعيش فيه برفقة صديقاتها، وتقرب منها ليقف أمام حقيقة واقعها، إذ علم أنها متزوجة منذ أن كان عمرها 15 عاما، وأن زوجها أقعده المرض بعد أن انتقلت معه إلى طنجة، واضطرت للتنقل بحثا عن العمل حتى استقرت في الدارالبيضاء. حيث سكنت غرفة بالقرب من المتجر مع بعض الفتيات، اللواتي يتحدرن من مدن مختلفة، وهجرنها للبحث عن عمل وإعالة أسرهن. وبعد مصارحتها له بواقعها، أصر المتهم على أن يرتبط بها عاطفيا، لأنه يحبها كثيرا، ونشأت بينهما علاقة حب تطورت إلى علاقة جنسية، يعاشران بعضهما كلما سنحت الظروف بذلك، وزاد ذلك من تعلق المتهم بعشيقته، التي أصبح يضحي بالغالي والنفيس من أجلها، بل وصل الأمر إلى حد الشجار مع والديه بسببها، وكانت ترافقه إلى أي مدينة سافر إليها. ورافقته إلى مسقط رأسه، وظلا هناك يعيشان كالمتزوجين لمدة أسبوع كامل، ثم سافر برفقتها إلى مدينة فاس، التي تتحدر منها، وطلب يدها للزواج دون علم والديه، لكن أبوي حبيبته، رفضا الأمر لأن ابنتهما متزوجة من رجل آخر، وهذا ما لا يقبله عقل ولا دين. تغيرت تصرفات المتهم رأسا على عقب، ولم يعد ذلك الشاب الخجول، بل بدأ يدخن السجائر ويشرب الخمر، ويهمل محل والده التجاري، ويغيب عنه لأيام طويلة، لمرافقة حبيبته أينما حلت وارتحلت. وهو ما أثار غضب والده، الذي بحث عنه، وطلب منه أن يعود لرشده، ويبتعد عن الضحية، وهدده بطرده من المنزل والمحل أيضا، لكن المتهم لم يكترث بتهديدات والده، وخرج من منزل الأسرة، وأصبح عاطلا عن العمل، وتمكن ببعض المال، الذي كان جمعه من قبل، أن يكتري غرفة صغيرة فوق سطح أحد المنازل بأحد الأحياء بالمنطقة ذاتها، بعيدا عن أنظار والده. ظن المتهم أن حبيبته ستفرح لتصرفاته، وأنه تخلى عن أسرته وعمله من أجل ألا يبتعد عنها، لكنه فوجئ بمشاعرها تتغير تجاهه، بمجرد أن علمت أنه أصبح عاطلا عن العمل، وأنه لا يمكنه أن يلبي طلباتها الكثيرة كعادته، إذ أقامت معه في الغرفة أياما قليلة، ثم غادرتها بحجة أنها تريد العودة للعيش مع صديقاتها، خوفا من كلام سكان البيت. ومع مرور الأيام، لم يتمكن المتهم من الحصول على عمل جديد، حتى أنه بدأ يقترض المال من حبيبته أو من بعض الأصدقاء، الذين يعرفهم، ليغطي احتياجاته من الأكل والسجائر وقنينات الخمر، التي أصبح مدمنا عليها جراء ابتعاد حبيبته عنه. وخلال الفترة ذاتها، بلغ إلى علمه أن حبيبته بدأت تخونه، وتتعرف على شباب آخرين ليغطوا طلباتها، بل كانت تختلق الحجج الواهية كي لا تلتقي معه أو تقابله، بعد أن أدركت تدهور أموره المالية، وأنه لم يعد سخيا. حاول إقناعها بالانتقال للسكن بجواره لكنها رفضت، وطلب منها الانفصال عن زوجها والارتباط به، لكنها رفضت أيضا، فزاد ذلك من غيرته عليها، وشكوكه في تصرفاتها التي تغيرت بشكل كبير تجاهه، وعندما تبين له ممانعتها وصدها، حاول استدراجها إلى غرفته للانتقام منها، لكن قبل ذلك، انتقل إلى أحد الأسواق الشعبية، واشترى سكينا متوسط الحجم، وخبأه في الغرفة، ثم اتصل بها ليبلغها أنه كسب صفقة تجارية وأن أوضاعه المالية تحسنت كثيرا، ودعاها لقضاء سهرة في غرفته المكتراة. حضرت إليه بكامل أناقتها وزينتها، وبعد أن ارتشفا بعض السجائر، وتجاذبا أطراف الحديث، تأكدت أن ما قاله المتهم كان فقط كذبة منه ليستدرجها إلى الغرفة، التي لم يكن يؤثثها سوى حصيرة وطاولة صغيرة، فغضبت منه كثيرا، وارتدت جلبابها لتستعد للخروج، وما إن اقتربت من باب المنزل الرئيسي، حتى فاجأها المتهم بإخراج السكين من بين تلابيبه، وتوجيه طعنة غائرة إلى عنقها، ونحرها من الوريد إلى الوريد، سقطت بعدها جثة هامدة في درج المنزل، وسط دمائها. غادر المتهم المنزل نحو وجهة مجهولة، تاركا حبيبته ملقاة على وجهها، والدماء تنزف منها، واكتشف جثتها سكان الحي، الذين سارعوا إلى إبلاغ عناصر الشرطة القضائية، وبعد تحريات مكثفة، والبحث في علاقات الضحية الشخصية والأرقام الهاتفية بهاتفها المحمول. توصل المحققون إلى المتهم، وألقوا عليه القبض بعد أن وجدوه مختبئا في منزل والديه، اللذين لم يخبرهما بجريمته، ثم أعاد المتهم تمثيل وقائع جريمته، بعد التحقيق معه وتسجيل اعترافاته في محاضر قانونية، ليحال بعدها إلى محكمة الجنايات، التي ستقول كلمتها فيه. وقررت الاعتصام أمام مقر العمالة، احتجاجا على الوضع في 27 يناير الجاري، بعدما لم يجد المشاركون في مسيرة 3 يناير اهتماما من طرف المسؤولين عن الجهة لمطالبهم. وقال محمد بملكميمي، عضو اللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ل "المغربية"، إن الجهات المسؤولة بالإقليم لا تبالي بمشاكل السكان، إذ أن هناك تهميشا لعدد من المطالب سبق للجنة أن دعت إلى تلبيتها من دون جدوى. وأوضح بلكميمي أن ضعف القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المواطنين تحول دون توفير الحطب، الذي تعمل بعض اللوبيات على احتكاره والمضاربة بأسعاره، ويؤدي بالتالي إلى المعاناة وارتفاع الأمراض الناتجة عن موجات البرد في الأوساط الفقيرة. وأضاف أن اللجنة دعت إلى إيجاد حلول بديلة في غياب الحطب، بتخفيض أسعار الكهرباء، واللجوء إلى توفير الفحم الحجري، لتحقيق مطالب المتضررين، مشيرا إلى أن موجات الثلج والبرد تحول في غالب الأحيان دون توجه الأطقال إلى المدارس التي لا تتوفر على التدفئة. وذكر أن المسؤولين عن الإقليم لم يحاولوا فتح باب الحوار مع الفعاليات الجمعوية التي طالبت، خلال مسيرة 3 يناير بضرورة تدارس مشاكل المنطقة في توفير وسائل التدفئة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار، وضعف المداخيل وغياب فرص العمل، ما يضرب القدرة الشرائية للأسر المعوزة، ويؤدي بالتالي إلى سوء التغذية، التي تساهم بدورها على ارتفاع حرارة الجسم ومقاومة البرد. وتحدث بلكميمي عن وجود أسر فقيرة ببولمان تستعمل الأحذية البلاستيكية والملابس القديمة والأخشاب البالية والأفرشة للتدفئة، مشيرا إلى أن روائحها تؤثر على صحة الأطفال. وأشار بلكميمي إلى أن السكان يواجهون مشاكل في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية، خصوصا الصحية، لأن المنطقة في حاجة إلى مستشفى تتوفر فيه جميع الاختصاصات، إضافة إلى قسم المداومة والمستعجلات، موضحا تذمر العديد من المواطنين من تصنيف المؤسسة الصحية بالمنطقة ضمن مراكز صحية، مبرزا أن المركز الصحي لن يلبي حاجيات سكان المنطقة، الذين يضطرون في الحالات الصحية الحرجة إلى نقل مرضاهم، بمن فيهم النساء الحوامل إلى مستشفيات مدينة فاس البعيدة. وأفاد بلاغ اللجنة، توصلت "المغربية" بنسخة منه، أنها دعت كل الهيئات السياسية والحقوقية والنقابية والجمعوية لدعم ومساندة حقوق السكان بكل الأشكال ووالوسائل المشروعة، وتنظيم اعتصام أمام مقر عمالة بولمان في 27 يناير، احتجاجا على كل أشكال المراوغة والتماطل في وضع حد لضرب القدرة الشرائية لسكان المنطقة والمضاربة بحطب التدفئة. وأشار المصدر نفسه، إلى أنه بعد الأشكال النضالية التي خاضها سكان المنطقة للمطالبة بحقوقها العادلة والمشروعة، جراء الظروف الطبيعية القاسية التي تميزها خصوصا الأمطال والثلوج والبرد، لتوفير وسائل التدفئة للجميع، بدءا بالوقفة الاحتجاجية، التي نظمت في 18 دجنبر الماضي، وبالمسيرة الاحتجاجية التي خاضوها في 3 يناير الجاري، والتي جابت شوارع المدينة، انطلاقا من المكتب الوطني للكهرباء، ومرورا بباشوية بولمان لتصل إلى إدارة المياه والغابات. وتفاعلت الجهات المسؤولة، حسب المصدر نفسه، بلغة الصمت واللامبالاة والآذان الصماء، ما أثار حفيظة المتضررين، ليعلنوا سخطهم على الواقع المزري المتسم، خصوصا عبر حرمانهم من حطب التدفئة لمواجهة موجات البرد، التي تؤثر خصوصا على الأطفال والمسنين. وأشار بيان سابق للجنة التحضيرية، حول الأسس المادية للمسيرة الاحتجاجية التي نظمها السكان في 3 يناير، إلى أن المجال الغابوي بدائرة بولمان يمكن أن يشكل موردا أساسيا، يوفر أنشطة اقتصادية، واجتماعية للدولة وسكان المنطقة على السواء ، وترتبط هذه الأنشطة بما تدره الأشجار، والأخشاب للمباني والخيام وأدوات الانتاج ألفلاحي، ومواد الاستهلاك للأكل كدقيق البلوط والطبخ والتدفئة ، من فحم ، وحطب، غير أن هذه المنطقة الغنية بماشيتها وأراضيها الشاسعة وجبالها، أصبحت عاجزة حتى عن تموين وتمويل ما يكفي لتدفئة سكانها. وأشار المصدر نفسه إلى أن أغلب سكان مدينة بولمان يحرقون أحذيتهم البلاستيكية المهترئة وملابسهم البالية ويقذفون بها في مدفأتهم المنزلية عساها تقيهم شر الصقيع «والجريحة» ، على حساب جهازهم التنفسي الذي يصاب بالعدوى حين يستنشق روائح الأحذية البلاستيكية، التي تفوح وتنفثها المدفئة التقليدية. وأوضح المصدر أيضا أن دائرة بولمان رغم قدمها (1957) ، ورغم إمكانياتها البشرية، وثرواتها المعدنية، وغاباتها وسهوبها الشاسعة، ظلت عاجزة أن تكون منطقة لتصنيع الخشب، وضخ الأموال في تنمية حقيقية لهذه المنطقة ، كما ظلت الثلوج المتهاطلة عرضة للذوبان والضياع في متاهات الشعاب، بدل أن تجد لها طريقا ومنفذا لاستثمارها في ما يسمونه بالسياحة الجبلية. وكانت هذه الوضعية موضوع نقاش داخل اللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع بولمان، بدعم وتنوير من ومع السكان وبأشكال تواصلية متعددة ومختلفة ومستمرة ، وعلى ضوئها خرجت اللجنة التحضيرية بتوصيات وتقارير في اجتماعاتها ومذكراتها المطلبية. وفي إطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تقرها المواثيق الدولية وفي ظل هذا الوضع، كان خيار القيام بمسيرة في 3 يناير 2009 بمثابة إشعار وإعلان قدمه سكان بولمان لصناع القرار المحلي والإقليمي الجهوي والوطني، غير أن المسيرة لم تلق صدى لإيجاد حل لرفع التحدي، ولحل مشكل التدفئة بهذه المدينة الباردة.