كلما تداولت الألسن قرية املشيل إلا وخطر على بالك موسم الخطوبة، أو الزواج العشائري، أو الجماعي عند هذا النسيج الجماعي الحديديوي.. إنها القرية العريقة في التاريخ، تاريخ المقاومة والكفاح.. تقع في قلب الأطلس الكبير، جنوب المغرب، تحيط بها جبال شاهقة تجعل منها سجنا في العراء.. ظروف مناخية جد قاسية حيث الأمطار والثلوج والبرد القارس طيلة شهور السنة، مداخيل العيش عند أهلها قليل من الكسب والزراعة المعيشية.. قصارى القول إنني لست هنا لأعرج على جغرافية وتاريخية وحياة قبائلها؛ لكنني أود الوقوف عن" املشيل الموسم " فكلما تداولت الألسن قرية املشيل إلا وخطر على بالك موسم الخطوبة، أو الزواج العشائري، أو الجماعي عند هذا النسيج الجماعي الحديديوي.. هذا الواقع الذي تخفيه وسائل الإعلام المختلفة؛ فقد عاينته ووقفت عليه كمستطلع لأجد عالما لم أجد له عنوانا.. هذا الأخير الذي تاه بين سطور الماضي المستملح بالروايات والأساطير( أسطورة تيسليت وايسلي، أسطورة دموع الحب...) والحاضر المطبل له بشعارات التنمية الاجتماعية والثقافية.. فما واقع الحال يا ترى؟. ظل الإعلام الرسمي ولمدة طويلة يعطي صورة مغلوطة لموسم الوالي الصالح" سيدي احماد اوالمغني" جاعلا من المناسبة والموقع فضاءين لإحياء الثرات الثقافي الأصيل، وتجسيد الموروث التاريخي والسوسيولوجي... لقبائل ايت حديدو بأعرافه وتقاليده لكن في المعاينة الحقيقة، حقيقة البؤس والحرمان والانغلاق؛ كما تعبر عنه جغرافية المنطقة المحاطة بالجبال، والمحاصرة بسياسة التهميش والإقصاء، والعزلة التي تلوح تجلياتها في القريب والبعيد.. تلوح في: - الظروف الطبيعية والمناخية والجغرافية الصعبة التي تميز المنطقة، حيث المسالك والطرق الوعرة غير المعبدة؛ بما فيها حتى المؤدية إلى الضريح الذي يرقد فيه الوالي الصالح، ناهيك عن الانعدام الكلي للمرافق الحيوية، بل للبنية التحية بشكل عام. - أطفال وشيوخ حفاة عراة يعترضون الطرق والسبل استرزاقا من المارة المغاربة الزوار والأجانب السواح. - نساء لم يبقين مرتديات" للحنديرة " رمز ثقافة اللباس عند هذه القبائل، وجئن فعلا للزواج العشائري، بل تراهن مثنى وثلاث، يتجولن مستبدلات الحنديرة ذلك اللباس الصوفي التقليدي المقاوم للبرد بأثواب بالية، وألبسة من أكياس البلاستيك المخيطة( خناشي)، يلتقطن المتبقى من فضلات طعام وشراب الزوار والسائحين، متسترات، يرفضن آلة الصور المتجهة نحوهن تعبيرا عن رفضهن لكل سائح، أو زائر أراد المتعة ببؤسهن... وجمالهن المتستر الذي لم يترك منه الحرمان والفقر إلا الملامح الخجولة.. إنها سياحة المتعة والترفيه والفرجة في لوحات الكآبة والبؤس: امرأة غير موشومة كما العادة، غير متمتعة بزيها التقليدي المعهود... شيخ تجاعيده كثر، يفكر في الغد القريب البارد الماطر المثلج، وبما يعيل به عياله.. تجاوز تفكيره حدود الحنين إلى ماضيه وماضي أجداده.. جعل منه الصحافي المسترزق، والسائح المتطلع، والزائر الشغوف، مرجعا للسؤال والرواية الفائتة، أما يومه( موعد الموسم) فيوم الفرصة، فرصة البحث عن الأعطية والصداقة، لا يوم الاحتفال بخطوبة وزواج أبناء عشيرته كما عهد أجداده. إنها لوحات تعبيرية عن واقع التشرد، والفقر، والعزلة... لا لوحات فنية( كما تروج وسائل الإعلام) تعبر عن الحب والعشق، والسعادة والفن والتراث. إنه موسم الفرجة فعلا.. موسم" موسيقى الأعالي" كما يروج: الفرجة في مظاهر الإنسان المقهور، كان محروما ومعتقلا في الكهوف، ولازال يقبع في السجون الهوائية... موسم الفرجة والاستماع بأعالي الأصوات في أعالي القمم لأنين الفقراء الجياع... إنها السياحة الجبلية في قمم العراء والعراة الحفاة.. فكم هي الشعارات الزائفة.. شعارات التنمية والثقافة والسياحة... فمن يمتع الآخر بالفرجة في اللوحات المذكورة؟ هل وزارة السياحة، أم وزارة الثقافة، أم هما معا؟، ومن ينمي منطقة املشيل الصامدة؟ هل وزارة التنمية الاجتماعية، أم وزارة الفلاحة، أم الداخلية، أم؟... متى ستصل قافلة التنمية تابعة قوافل الفقراء والمضطهدين؟ متى سيروج لنا إعلامنا حقائق الحال والأحوال... إنها الحقيقة المرة.س