رحم الله زمنا كان في وجدة الآذان آدانا، والمؤذنون مؤذنين.. وقتها، كانت مدينة وجدة رغم حجمها سكانها المتوسط مكتفية ببعض الصوامع التي كانت تعد على رؤوس الأصابع(الجامع الكبير-الجامع الصغير- حدادة -) وآخر خارج الاصوار، كمسجد الحسن الثاني، أو مسجد نضارمة...كانت هده الجوامع تقوم بدورها في إشعار المصلين بمواعيد الصلاة، وذلك بضبط محكم لتوقيت الآذان، ولطريقة أدائه؛ إلى درجة كنا نتعرف من خلال أصوات المؤذنين وطريقتهم في الأداء هل هو مؤذن الجامع كذا، أم مسجد كذا. كذلك، في ذاك الزمن، كان للآذان قدسيته التي تلاشت مع ضغط الحضارة والمدنية، إذ مازلت أتذكر الفقيه سي محمد مباصو، وهو يوصينا خيرا بالآذان قائلا: "يا أبنائي، لما تسمعون أول كلمة من الآذان، قفوا إن كنتم تمشون، وذلك احتراما وجلالا للأذان حتى ينتهي ثم استأنفوا طريقكم" اليوم، ومع العدد الهائل للصوامع لم نعد نتذوق نكهة روحانية وصفاء الآذان صوتا وأداء، كما في ذلك الزمن الغابر؛ إذ بمجرد أن تشير عقارب الساعة إلى موعد النداء إلى الصلاة، حتى تندلع جوقة من الأصوات الغير المتناسقة عبر مكبرات الصوت المترامية أينما وليت أذنيك منها( الاصوات) من يشرق، ومنها من يغرب في طريقة أدائها؛ فمن المؤذنين من يؤذن على الطريقة الشرقية، ومنهم على الأفغانية(وكأن المغرب ليس له مدرسته في هذا المضمار) بينما آخرون يؤذنون على مخارج حروفهم، وطبقات أصواتهم التي ورثوها من مناطقهم التي هاجروا منها إلى وجدة؛ حتى أصبحنا نشعر وكأننا لسنا في مدينة وجدة، آذ فقد الادان هويته بالمرة، ناهيك عن الضجر السمعي الذي تحدثه الأبواق، وكأن هنالك تنافس خفي ومرير بين المؤذنين لإسماع صوتهم، وذلك بالزيادة في حجم مكبر الصوت.. وربما كان مرد هذ ا-مع الأسف الشديد- إلى كون المساجد لا زالت تحمل في أذهان المقيمين والمرتادين عليها أسماء من تبرعوا يوما ما لبنائها، والاستمرار في بعض الحالات إلى النفقة عليها. أظن أن الوقت قد حان ليرد الاعتبار للآذان ولطريقة أدائه. لقد حان الوقت ليتدخل المؤتمنون على الشأن الروحي في مدينتنا لتشخيص الاختلالات التي تشوب الآذان وطريقة أدائه، والتفكير في تنظيمه؛ كاعتماد جدول زمني على طريقة الصيادلة مثالا ومثلا، وتوزيع حصيص على مساجد كل مقاطعة تحددها وزارة الأوقاف بتعاون مع المجلس العلمي المحلي، وبشراكة مع وزارةالداخلية. إن الآذان له أصوله وقواعده، وليس من هب ودب مؤهل للآذان. إن الآذان ليس ضربا لمواعيد الصلاة فحسب، وإنما هو الباب الأكبر للصلاة.. فبدون إعادة النظر في تأديته العملية والجمالية، فستظل سماء وجدة أثناء الآذان عبارة عن كاكوفونيا تصم الأذن، ليس إلا...