هل الساكنون بمدينة سلا يعلمون أن حوالي 2000 مواطنا يعيشون على بعد 6 كيلومترات من وسط المدينة في اتجاه القنيطرة في دوار يدعى دوار الميكة ، أو "البلاستيك" كما يسميه البعض؛ الأمر يتعلق بدوار ليس كباقي الدواوير. إنه دوار مهمش و معزول بدون لا تجهيز ولا مسكن وحيد لائق. فبدوار الميكة ، أشياء كثيرة تستحق المعرفة . هنا في دوار الميكة يوجد مغرب جامد و مشوه وصل فيه إقصاء الإنسان إلى مستوى السكن ب: حفرة ... ، إنه مغرب آخر لفقراء غادرتهم شمس الحياة لسنين من الزمن و شابت رؤوسهم مع الحكرة و التهميش و انتظار حقهم في السكن الإجتماعي إلى غير أجل خلدون المسناوي كانت الساعة تشير إلى حوالي الثانية بعد الزوال حينما وصلنا إلى دوار الميكة بمدينة سلا . أول مشهد : دراجات ثلاثية العجلات تقل المواطنين عبر طريق البلوطة من حي الواد إلى دوار الميكة و أيضا العكس ، إنها وسيلة النقل الرئيسية لسكان دوار الميكة اتجاه أحياء الواد،الإنبعاث،الرحمة... نظرا لثمنها المنخفض درهمان مقارنة مع سيارات الأجرة و نظرا لكونها لا تصلح لنقل البشر فقط ،فهي تلك الوسيلة الناجعة لنقل الخضر خاصة منها الكرنب من حقول الدوار نحو أسواق الواد،الإنبعاث،الرحمة لبيعها. بعد ولوجنا إلى داخل أزقة دوار البلاستيك صادفنا مقاهي تقليدية تعج بشباب تظهر على وجوههم سمات البداوة و دخان الحشيش يتطاير من أفواههم بداخلها من هنا و هناك . فالحشيش منتشر هنا ولا سيما حشيش السي الطيبي الأكثر رواجا وبيعا بدوار الميكة الذي قد يتساءل الكثيرون من أبناء سلا و الرباط و ممن يعرفونه عن قصة بدايات نشأته الأولى. مع نهاية السبعينات من القرن الفارط ، بدأت تتوافد العشرات من الأسر من قرية بني احساين إلى الأرض التي يقع عليها دوار الميكة ستة كيلومترات بالطريق الوطنية 1 في اتجاه القنيطرة ، الدوار الذي ترتبط تسميته ببدايات بروزه الأولى ، بحيث أن الناس الأوائل القادمين إليه كانوا يعتمدون الأكياس البلاستيكية لتسقيف مساكنهم حتى لا تجتاح مياه الأمطار والرياح القوية مآويهم العشوائية التي كانوا يستخدمون التراب و الطين بالتحديد في بنائها بحيث كانوا يقتلعونهما من نفس المكان الذي يأتي عليه الدوار ، إذ تكونت على مر الزمن نتيجة لذلك حفرة كبيرة بوسط هذا الأخير بعمق يصل إلى 6 أمتار تحت الأرض و مساحة تصل إلى 200 متر مربع ، سرعانما وضعت بداخلها براريك قصديرية مع مطلع التسعينات قطنتها أسر زحفت متأخرة إلى الدوار من داخل مدينة سلا تكاد لا تحيا و لا ترى نور الشمس إلا بعد الخروج من مساكنها الكائنة داخل الحفرة تحت سطح الأرض الذي يقع عليها دوار البلاستيك . يقول ياسين شركية 25 سنة أحد قاطني الدوار و عيناه مفعمتان بالحزن و الآسى : حنا هنا عايشين فلفقر من زمان ماشي عاد ليوم ساكنين فهاد الحفرة لا مستقبل لا شمس لا تالعبا ، فكلا انتخابات تايجيو عندنا على السكن الإجتماعي أوالوا ، نكوليك هادا سميتو دوار الانتخابات ماشي دوار الميكة آلأخ ، عبارات من شاب قاطن بحفرة دوار الميكة تعبر عن مستوى التهميش الذي تصل إليه الحياة بالدوار و نفاذ الصبر في انتظار ساكنة الحفرة المذكورة حقهم في السكن الإجتماعي ، بحيث كان قد دفع أغلبهم مبلغ 20.000 درهم سنة 2007 كما تؤكد ذلك التوصيلات التي تسلموها كتسبيق من أجل نيلهم شققهم التي وعدوا بها بتجزئة سكنية بمنطقة البلوطة بالطريق المؤدية إلى حي الواد على أساس أنه سيتم إفراغ الحفرة من السكن العشوائي في سنة 2009 إلا أن الأمور لم تذهب نحو ما كان مأمولا و منتظرا ، أزيد من ثلاثة عقود من الحياة بدوار الميكة بسلا الذي يعتبر نظرا لدرجة الفقر و الجهل المنتشران به من أهم الورقات الإنتخابية المربحة التي يوظفها المنتخبون المحليون للظفر بالأصوات الإنتخابية و لا سيما المجلس الجماعي العيايدة الذي يعد دوار الميكة تابعا له ، لم يتحرك فيها الواقع إلا نحو المزيد من التهميش و دور الصفيح و الإقصاء الإجتماعي . و عموما الحياة بالحفرة المتواجدة بدوار الميكة بمدينة سلا التي تزدحم بداخلها 20 براكة و التي يقطن فيها حوالي 90 شخصا , لا تختلف في الشيء الكثير عن باقي مساكن الدوار من حيث الفقر و التهميش ، فالجميع هنا يعيش في السكن الغير اللائق الذي تؤكد مصادرنا من نفس الدوار أنه إظافة إلى السكن ب - حفرة - ، هناك العديد من الطوابق و المنازل التي تبنى بدون لا ترخيص من طرف السلطة المحلية و لا تصميم هندسي و التي غالبا ما يشرع في بنائها في ساعات متأخرة من الليل بعلم المقدم داخل الدوار ، الذي يعيش جل سكانه على إيقاع البطالة جراء غياب أي نشاط اقتصادي بمحيطه يوفر فرص شغل لأبنائه ، ما عدا بعض حقول زراعة الكرنب بالدوار و الإشتغال في البناء ببعض التجزئات حديثة التأسيس بحي الأمل و بمجمع سعيد حجي و امتهان النقش على الحجر ببعض الدكاكين بطريق القنيطرة ، و التي لا تكاد توفر سوى فرصا قليلة للشغل معدودة بأصابع اليد لهؤلاء السلاويين من دوار الميكة و لاسيما من شبابه ، الذي قال لنا كثيرهم أنهم معزولون عن دور الترفيه و السينما و المقاهي ، بحيث عبر لنا مجموعة من الشباب و الأطفال هنا عن حنينهم إلى أنشطة المسرح المتجول التي شاء القدر أن حطت رحالها بالدوار و لأول مرة قبل مايناهز ال5 أشهر و التي تعتبر مبادرة إيجابية جاءت في سياق تظاهرة ثقافية و فنية دولية ، لم يسبق للسلطات المحلية و المنتخبون أن نظموا مثلها على مر طول تاريخ الدوار . و حدهما مبادرتا ، تشييد مركز صحي بقرب الدوار و بناء إعدادية لأبنائه إعدادية الهناء , ما جاء إيجابيا في الشهور الأخيرة لساكنة دوار الميكة ، فالأولى تصب في تقديم خدمة التطبيب لأبناء الدوار بدل قطع سكانه ل7 كيلومترات عند المرض إلى مستشفى الأمير مولاي عبد الله ، و الثانية تهدف توفير التعليم الإعدادي لأبنائهم ، هم الذين لا يتوفرون سوى على ابتدائية وحيدة ابتدائية سيدي عبد الله تقع بدوار الحلالة المجاور لهم ! ، في الوقت الذي ما زال المركز الصحي غير مفتوح إلى حد الآن في وجه المرضى بعد 4 أشهر مرت على بنائه -من بين 30 مركز صحي يتواجد بسلا يستوعبون أكثر من مليون نسمة - ، و في الوقت الذي يصل فيه تعداد سكان الميكة،الحلالة،الكزارة الدواوير القريبة من بعضها البعض إلى أزيد من 15.000 نسمة ، بحيث لا يسعنا القول إذن سوى أن الأمر أصبح يستدعي بناء ثانوية تأهيلية بالمنطقة , حتى يتسنى لأبناء دواوير الحلالة و الكزارة ، و - الميكة - استكمال تعليمهم الثانوي دونما الإضطرار إلى التكلف ماديا من أجل التوجه إلى ثانويتي النهضة أو الأيوبي بوسط مدينة سلا خاصة و كونهم بالكاد يوفرون لقمة العيش . دوار الميكة بمدينة سلا ، صورة من صور الفقر و التهميش و التخلف الذي ظل ينخر جسم مجتمعنا ، ورمز من رموز الهجرة الداخلية و مخلفاتها بالمدينة التي ما لبثت مع تراكم الضعف و الفشل في السياسات المحلية منذ عقود من الزمن أن دخلت خانة المدن المشوهة التي لا تحمل من التمدن سوى الإسم ، فدوار الميكة بسلا هو أحد العناوين البارزة للهجرة الداخلية و للسكن المشوه و للحياة الغير الكريمة و الذي لا يأتي واقعه إلا كجزء من واقع سلاوي يكاد لا يستثني من أحياء سلا إلا القليل ...