تازا سيتي: إنها المعاناة التي ما بعدها معاناة، تجسيد جلي للقطيعة بين السياسات العمومية و الواقع المعاش، إنه التهميش الذي يشكل العنصر الباصم للأحياء الصفيحية بإقليم تازة. ففي مختلف جغرافياتة (وسط المدينة و هامشها) تكاد تكشف مظاهر الإقصاء، والتي تظهر في العجز التنموي على مستوى الخدمات و البنيات و المؤسسات، وهذا يعني أن الأولويات التنموية لا تجد طريقها إلى التحقق واقعيا في هذه الأحياء، ولو في حدودها الدنيا. أحمد يمتهن "النجارة" يقطن بحي الشلوحة، وهو عبارة عن تجمع سكني من دور الصفيح، يحكي أنه ولد تحت سقفها وعاش بين أزقتها، وبرغم أنه حاول أن يقطن بعيدا عنها فقد أرجعه بؤس الظروف الاجتماعية إليها مرة أخرى، ويقول: "حرفتي لا تستطيع أن تمدني بدخل محترم يؤهلني لأمتلك سكنا يحترم آدمية الإنسان؛ ولذلك فإن العيش في "البراكة" هو الحصن الأخير الذي نحتمي به من البرد والتشرد". وتقاسمه الرأي السيدة "أمينة"، التي تضطر إلى قطع مسافة طويلة وهي تحمل طفلها الصغير على ظهرها أربع مرات في اليوم لكي يتعلم الحروف الأبجدية بروضة للأطفال بعيدا عن عوالم "دور الصفيح" قائلة: "بدون تلك الأسقف المتهالكة من الزنك والبلاستيك سيكون مصيرنا التشرد، بعدما اضطرتنا ظروف الجفاف بقريتنا إلى الهجرة مكرهين إلى المدينة"، وتضيف: "لا أحد يرضى أن يعيش تلك المعيشة باختياره، ولكن -البراكة- على الأقل تحفظ ما تبقى من كرامتنا". لا أحد يستطيع أن يحس بحقيقة الحياة تحت سقف من الزنك وفوق مجاري الماء العادم، غير أولئك الذين تقاذفتهم الظروف لكي يكونوا صانعي تلك الأحزمة بإقليم تازة. فإذا كان موسم الشتاء يمر عليهم كأنه ضيف ثقيل بما يحمله لهم من شقاء وبرد وقطرات الأمطار التي تجول وتصول على أشباه الأغراض والأمتعة، فإن فصل الصيف يجعلهم في انتظار مقلق لحريق سيندلع بسرعة الريح ويلتهم ما تبقى من رحلة الشتاء. ست سنوات مرت حتى الآن على إعلان الحكومة المغربية عن برنامجها "مدن بلا أحياء صفيح ".. وبرغم بداية عام 2010 الذي من المفترض أن يشهد في نهايته تحقق حلم القضاء على أزيد من 200 ألف مسكن غير لائق، فإن الواقع يؤكد أن ما تحقق على أرض الواقع أقل بكثير من المأمول، بل إنه ينعدم في بعض المدن والنموذج هو مدينة تازة، فكانت بذلك خارج البرنامج، وبات من الواضح أن حبوب الحكومة فشلت في تعقيم تناسل البراريك و دور الصفيح، و الحالة هاته فإنه كان لزاما كذلك أن نصوغ الأسئلة التالية – ولا أقول أن نطرح الأسئلة لأنني أكاد أجزم بأنه لا مجيب-:لماذا مدينة تازة "خارج" برنامج مدن بدون صفيح؟ هل مدينة تازة ، مدينة مصنفة ضمن المدن التي تم القضاء فيها على دور الصفيح معتمدين في ذلك على تقارير قديمة وهنا نذكر مثلا :دوار ميكة، دوار الزريبة ، سيدي عيسى....أم أن هناك اعتقاد لدى المسؤولين بأن المدينة لا توجد بها أحياء الصفيح...وكفى... فأقول :فكيف ستصنفون الأحياء التالية: دوار الشلوحة (قرب محطة القطار) ، دوار بارك أفوراج ، الربايز،حي أحد (الكارطي)،حي الزيتون التنيس،دوار المجازر، دوار المخازنية (قرب أحراش)،دوار المخازنية (المصلى).... إنها الصورة الأكثر وضوحا، والتي تختزل تاريخا من التهميش و الهشاشة و العطب والباثولوجيا الإجتماعية، إنها التراجيديا، إنها المأساة... وليس من رأى كمن قرأ... فقاطني دور الصفيح يستغيثون ،فهل من مجيب... تازة تنادي فلبو النداء...ولنعد لتازة ابتسامتها --------