جندي أسير سابق لدى البوليساريو والعسكر الجزائري يطلب تمليكه للبيت الذي يسكنه بوجدة بعد 24 سنة من المعاناة القاسية جنود أسرى قدامى للبوليساريو وأرامل شهداء يطالبون باسترجاع الأبواب الحديدية لبيوتهم التي تم نزعها وحجزها من طرف قائد المقاطعة بوجدة جندي أسير يطلب تمليكه البيت الذي يسكنه... كان سِن مظهره وهيأته وأخاديد وجهه تتجاوز بكثير عمره الحقيقي حيث كان يجر جسده المتهالك الذي احدودب ظهره تحت ثقل قامته الطويلة وحتى تحت حمل الهموم والفقر والعوز، وكان يتوقف بعد بضعة خطوات يخطوها ويتوكأ على أحد جدران المنازل ليسترد أنفاسه التي بدأت تتثاقل. كان يبدو عليه العياء والتعب بل كانت ملامح وجهه تؤكد ذلك إضافة إلى بعض القسمات التي توحي بمعاناة داخلية... يبلغ غدي ميمون من العمر 60 سنة وكان يشتغل في سلك القوات المسلحة الملكية المغربية بالصحراء المغربية حيث انخرط فيها سنة 1966 وتم أسره سنة 1977 من طرف البوليساريو ،كما تم إطلاق سراحه سنة 2004. شارك في المجموعة العسكرية التي أرسلت إلى الزايير ثم عاد إلى أرض الوطن بالصحراء المغربية ، وبعدها ذهب إلى موريتانيا قبل أن يقع أسيرا في يد البوليساريو الذي كان مدعوما بالقوات الجزائرية. "ضحيت من أجل وطني وعانيت مدة 24 سنة في السجون بتندوف وبالجزائر لكن عند عودتي لم أجد العناية التي كنت أنتظرها من المسؤولين المغاربة وعشنا مُهمَّشين..." يقول ميمون الجندي المتقاعد المفرج عنه من الأسر. استفاد بعض الجنود العائدين من الأَسْر ومنهم غدي ميمون وبعض الفقراء المحتاجين الذين أسدوا خدمات لهذا الوطن ، استفادوا بعد انتظار طويل ومعاناة مع الكراء، من منازل بُنِيت بتبرعات الأمير الراحل للإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لكن أصبحوا يعانون من وضعيتها التي سلمت لهم فيها حيث الأبواب مهترئة والقنوات مسدودة وشبكات الماء والكهرباء غير سوية...لكن ما حزَّ في نفس غدي ميمون هو استكثار بلده الذي ضحى من أجله ووهبه 24 سنة من شبابه وحياته أن يسلم له المنزل ملكية بدل الكراء،" هاانت تشوف المشاكل اللي وقعو لنا...باش يتعطاو لنا ملك خطرة وحدة..." يشتكي ميمون بغصة في الحلق، قبل أن يتساءل "واش أنا ما ضحيتش على هاذ الوطن؟ هذا الوطن اللي ضحيت عليه 24 سنة... كيفاش يرتاح الضمير ديالي في وطني ونقول أنا تعذب على وطني وجازاني...قاسيت هنايا منين وليت وما كانش في الرصيد ديالي والو والتقاعد كان في الأول غير 80 ألف فرنك في الشهر...ومن بعد شكيت زادولي شي حاجة...". ومع ذلك قام ميمون بعد عودته من محنته بالجزائر بأعمال مختلفة حتى يتمكن من تلبية أبسط حاجيات أسرته المتكونة من أربعة أطفال إضافة إلى الزوجة. لكن ميمون أصبح اليوم عاجزا ولم يعد قادرا على العمل بعد أن أصيب بعدة أمراض نتيجة 24 سنة من الأسر في سجون الجزائر والبوليساريو إضافة إلى شتى أنواع التعذيب التي مورست عليهم والأشغال الشاقة والقاسية التي اجبروا على تنفيذها من طرف الانفصاليين والجزائريين. قضى ميمون 10 سنوات ب"الروبيني" بتندوف لدى المرتزقة ، و14 سنة لدى العسكر الجزائري بمناطق تلمسان ومغنية وبشار وبوغار والأصنام (الشلف حاليا)، وكان العسكر الجزائري يعمل على تغيير المناطق التي كانوا يسجنون فيها حتى لا يألفوها ويألفوا أمكنتها وطرقاتها ويحاولون الهروب. ويتذكر بحزن وأسى ما كان يفعله الجزائريون حيث كانوا يعذبونهم العذاب الشديد من جوع وعطش وعري وضرب وإهانة وقمع ،" الجزائر أكبر عدو للمملكة...العدو الكبير هو الجزائر لكن كنا صابرين لحقاش كنا دايرين الوطن في قلوبنا...". ذهب شباب عدي ميمون كما ذهبت 24 سنة من حياته وذهبت قوته وافقد صحته وعافته بعد أن أصيب بعدة أمراض كمرض القلب والروماتيزم والسكري والضغط الدموي. وما يطلبه ميمون نيابة عن رفقائه في المحنة أن ينظر لحالتهم بعين الرأفة والرحمة ويسلم المسؤولون لهم المنازل عن طريق التمليك لتجاوز مبالغ الكراء وتمكينهم من إصلاحها ،" حنا مساكين وما عندنا منين ونطلب من هاذ السلطة هاذي باش تشوف من الحالة ديالنا ويعطيونا هاذ الديور ويخليونا نصلحوهوم...علاش ما نصلحوهومش... البيبان ما يتسدُّوش والواد الحار فاض علينا...بغيت هاذ الناس يسمعو لنا ويديرو بهاذ الشي اللي كا نقولو لهم...لو كان نموت نخلي أولادي بلا دار ويقول بَّانَا ضحى على الوطن وخلانا في الخلاء... بغينا المسؤولين يفهمو هاذ شي اللي راحنا نقاسيو به...".
جنود أسرى قدامى للبوليساريو وأرامل شهداء يطالبون باسترجاع الأبواب الحديدية لبيوتهم التي تم نزعها وحجزها من طرف قائد المقاطعة بوجدة "مشكلتنا كبيرة حيث سلمت لنا المنازل دون أبواب ولا نوافذ، وبعد أن قمنا بوضع أبواب من حديد لحماية أنفسنا وأولادنا ومتاعنا ، قام القائد باقتلاعها بالقوة وحجزها" تصرخ الزهراء سبعة أرملة جندي شهيد بالصحراء المغربية ومعيلة لعشرة لأسرة من عشرة أفراد، قبل أن تستطرد في سرد معاناتها مع وضعيتها " لقد انتظرنا مدة سبعة عشر سنة ليتم تسليم هذا المنازل خربا حيث قمنا بإصلاحها من جديد كل حسب استطاعته...". هذه الأرملة تقاوم متطلبات الحياة بالتجارة المعيشية في السلع المهربة بين مدينة الناظور ومدينة وجدة لكسب بعد الدريهمات بعد أن تقضي يومين أو ثلاثة خارج البيت ولم تطلب شيئا من السلطات إلا السماح لها ولجيرانها في المحنة، باسترجاع أبوابهم الحديدية لحماية أمن أسرتها. لقد عبر بعض المستفيدين من تلك المنازل التي توجد برياض إسلي بمدينة وجدة عن استيائهم وغضبهم وحنقهم لما لحقهم من غبن وحكرة بعد أن أقدمت السلطات في شخص قائدها بنزع الأبواب الحديدية بالقوة التي أقاموها بالمداخل الخارجية للمنازل بعد أن شعروا بالخوف والقلق وعدم الاطمئنان على أرواحهم وأمتعتهم خاصة وأن المكان غير مؤمن ويُعد ملجأ للمتشردين والمتسكعين والمتعاطين للخمور والمخدرات حيث يسهل على الزائر معاينة ذلك لوجود علب الجعة وقنينات النبيذ في أركان المنازل. "قام القائد بنزعها بحجة أنها تشوه المنظر الخارجي للحي مع أن المبلغ المالي للباب تجاوز ال3000 درهم ، كما أن ما يشوه المنظر هي المزابل التي أقيمت هنا وهناك وانعدام الطرقات المعبدة حيث غطى أرضيتها العشب والنباتات ، والحفر وبالوعات الواد الحار المخنوقة والمتدفقة مياه نتنة لأن ليس هناك قنوات لتصريفها..." يحاول شرح الوضعية عبدالله سامر مع بعض هؤلاء المتضررين بإحساس المقهور حيث أن أغلبهم من الجنود الأسرى لدى البوليساريو العائدين إلى أرض الوطن. استفاد مجموعة من المواطنين من تلك المنازل التي بناها أمير الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد ين سلطان آل نهيان في إطار مجموعة من المشاريع السكنية التي تكلف بإنجازها لفائدة الفقراء والمحتاجين غير القادرين على توفير سكن لأسرهم، بعدة أحياء من المدن المغربية بل والبلدان العربية. وبلغ عدد المنازل ب"رياض إسلي" الواقع في امتداد حي كولوش بمحاذاة "كولف إسلي" بمخرج مدينة وجدة في اتجاه مدينة بركان، 40 منزلا، حصل على ستة منها، منذ أربعة أشهر، ستة جنود مغاربة من أصل 34 قدموا طلباتهم للاستفادة، كانوا أسرى لدى البوليساريو لمدة 24 سنة، بفضل تدخل والي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة أنجاد، إضافة إلى بعض أرامل شهداء الواجب الوطني بالصحراء المغربية ، حصلوا عليها ليس بالتمليك ولكن عن طرق الكراء بمبلغ شهري حدد في 300 درهم تكلف أحد المحسنين بتامين نصفه مساعدة لهؤلاء، فيما تم توزيع الباقي على آخرين. كما أعطي وعد للباقي بتمكينهم سواء من بقع أرضية أو شقق في أمكنة أخرى. ولج هؤلاء المستفيدين منازلهم التي اكتروها بعد أن كانوا يرغبون في تفويتها لهم ملكية تقديرا لتضحياتهم دفاعا عن الوطن بحياتهم وشبابهم وصحتهم، ولجوا بيوتا خربة بعد أن تم بناؤها بمواد فاقدة للجودة حيث خشب الأبواب والنوافذ تآكلت واعوجت وتطايرت مساميرها ومغالقها وتناثرت قشرتها ورفضت كلها الانغلاق، أما قنوات تصريف المياه للمرافق الحيوية من مراحيض ومطبخ فلا وجود إلا لأمكنتها من ثقب وحفر تمويها، وليس قنوات الماء الصالحة للشرب بأحسن حال مثلُها في ذلك مثل شبكات الكهرباء داخل الغرف وخارجها. كل هذا لم يثن هؤلاء المستفيدين من قبول المنازل الخربة مقهورين بانعدام بديل آخر لفقرهم وحاجتهم وعوزهم وإقصائهم من حياة كريمة، وقاموا لإصلاح ما يمكن إصلاحه تدريجيا عن طريق الاقتراض أو السلفات أو المساعدات أو الصدقات أو الانتظار حتى يأتي الفرج "والله أسيدي إلى خدمت الباب ب300 ألف فرنك غير بالكريدي ، والله إلى الحداد راه يسالي حتى يجيب الله..." يقول أحد المستفيدين المتضررين،"والله إلى واحد الهجالة مسكينة هي وأولادها ما عندهوم الماء، وراحنا غير نعاونوها بالماء باش تشرب..." يقول آخر،"والله واحد المرأة إلى غير جمعنا لها باش دارت الكونتور انتاع الماء...". قبل هؤلاء كل هذه الوضعية التي سلمت لهم فيها تلك المنازل الخربة ويحاولون إصلاحها بما أوتوا من إمكانيات جد متواضعة بحكم أجورهم القليلة أو معاشاتهم وقاموا أول ما قاموا به هو تأمين المنافذ والنوافذ الخارجية بوضع أبواب وشبابيك حديدية بهدف ضمان راحة البال وسلامة الأسرة وأمن الأثاث المتواضع " البيبان انتاع الخشب غير طروفا (أجزاء) لا ما ء، لا ضو في الحومة ولا بوخرارب...سلمونا الديور بجهالة...كلعو لنا البيبان وقالوا لينا راحنا نشوهو المنظر..آش من منظر غادي نضيعوه؟" تتساءل الأرملة المقهورة. غضب هؤلاء غضب المقهورين بعد أن تم نزع الأبواب الحديدية نزعا دون حتى سابق إنذار، في الوقت الذي يتهمون السلطات المحلية والمنتخبة بتشويه منظر الحومة التي اكتسحتها الأزبال وقنينات الخمور كما اكتسحت أزقتها غير المعبدة النباتات والحفر والبرك. يطالب هؤلاء من المسؤولين بتزيين منظر الحومة بتوفير شاحنة نقل الأزبال التي تراكمت هنا وهناك وأصبحت مرتعا للكلاب والقطط والفئران، وتعبيد الأزقة وتوفير الإنارة بها وإقامة مركز أمني للشرطة لثني المتسكعين والمخمورين والشماكرية من احتلال الحومة والعبث بأمنها وزرع الرعب في أطفالها ونسائها وشيوخها الذين ورثوا أمراضا عديدة جراء التعذيب الذي أذاقه لهم مرتزقة البوليساريو وحماتهم من العسكر الجزائري خلال فترة أسرهم...هؤلاء يطالبون باسترجاع أبوابهم وشبابيك منافذهم الحديدية وتركهم لحال سبيلهم كما يطالبون اعترافا بهم وبتضحياتهم بتمليكهم المنازل التي بُنيت خصيصا للفقراء تبرعا من بانيها المرحوم الأمير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان..."لقد سمعنا أن ديور الشهداء ما يتكراوش ويتعطاو لأولاد الشهداء باطل ويسلمهم لهم ملكية..حنا لم نستفد لا من لاكريمة ولا حتى من حاجة واصبرنا 17 سنة، منين كانوا مخربين ما حضروش عليهم ومنين صاوبناهم راهم يتكلموا عليهم..." تصرخ الأرملة بصوت المقهورة المحقورة العاجزة عن ردِّ الأمر...