كان القبطان علي نجاب واحدا من أوائل طياري الجيش المغربي، ويشاء القدر فيما بعد أن يقضي الرجل 25 سنة من الأسر في مخيمات البوليساريو. في ما يلي شهادة أسير حرب سابق على معاناة مواطنين مغاربة ومدنيين وعسكريين، في سجون تندوف. - بصفتك ضابطا، هل استفدت من معاملة خاصة داخل سجون البوليساريو؟ < عدا أن جميع الضباط وضعوا في أماكن منفصلة عن باقي الجنود، فإننا لم نحظ بأية معاملة خاصة، في أي حال من الأحوال. أكيد أنه في البداية تم إعفاؤنا من الأشغال الشاقة، لأنه كان عليهم أن يستفيدوا منا في آلة الدعاية لأنفسهم أمام الساكنة وأمام وسائل الإعلام، لكن سرعان ما بدأنا القيام بالأشغال الشاقة. وقد تعرضنا جميعا لكل أشكال الشتائم والإهانات، كنا نزحف على الأرض عراة لإرضاء السادية التي كانوا يتصف بها أولئك الذين كانوا يعذبوننا، وكنا نستعمل لقضاء حاجتنا الطبيعية مكانا واحدا لا يتجاوز مترا مربعا، وكنا ننظفه بأيدينا. - تحدثت عن البروباكاندا الإعلامية، ما الذي كنتم تجبرون على فعله بالضبط؟ < كان علينا أن نعطي تصريحات وحوارات يفترض أن ندافع فيها عن طرح البوليساريو. وكانت تلك الحوارات تفكك وتسجل وترسل بانتظام إلى الجزائر العاصمة، والويل لأولئك الذين يقولون أشياء مغايرة لتلك التي يطلب منهم أن يقولوها، حتى مراسلاتنا مع أهلنا والتي كان علينا أن نستهلها بشعارات معادية للمغرب، كانت مراقبة. تصور نفسك تكتب رسالة إلى أهلك وأسرتك وبجانبك واحد من البوليساريو يراقب كل رسالة تكتبها. - خلال الخمس والعشرين سنة التي قضيتها في المخيمات، هل ربطت صداقات مع بعض الأفراد أو المسؤولين في البوليساريو؟ < أصدقاء. لا، أبدا. إذا حدث هناك تواصل أو حديث فكان مع بعض السكان. ثم إنه كلما حدث هناك تبادل للحديث بيني وبين أحد من السكان، كنت أفاجأ بدرجة جهل السكان التام بالمغرب وبحقيقته. لقد فعلت الآلة الإعلامية فعلتها إلى درجة أن الناس هناك أصبحوا لا يرون في المغرب سوى صورة العدو والوحش الذي يريد أن يسحق الصحراويين، والذي يهضم حقوقهم، وهنا كان دورنا محددا لأننا، مهما كان، كنا نجحنا في أن نشرح لهم ما هي الصورة الصحيحة للمغرب، والكثير من الناس الذين تبادلنا معهم الحديث عادوا بالفعل إلى المغرب. - أي نوع من الاتصال كان يحدث بينك وبين قياديي البوليساريو؟ < لم يكونوا يستدعونا إلا لكي يستغلونا أو ليبينوا لنا أننا كنا تحت رحمتهم. وأذكر هنا أن لاحمد البطل، الشهير بتعذيبه للمعتقلين، قد استدعاني ذات يوم، في مكتبه، ألقى نظرة من النافذة على أطفال صحراويين كانوا يلعبون في الخارج وسألني إذا ما كنت أنا وملكي نعتبر هؤلاء الأطفال مواطنين مغاربة كاملي الحقوق مثل الباقين. فأجبت بالإيجاب، وهنا أمرني أن أعطيهم دروسا في اللغة الإنجليزية، وكان ذلك ما قمت به بالفعل. هذا أعطاني الفرصة لكي أتواصل مع السكان ولكي أوضح لهم الكثير من الأشياء عن المغرب. وذات يوم جاء البطل إلى القسم من أجل التفتيش، عندما تفحص دفتر أحد تلاميذي وجد فيه مجموعة من الأشكال الهندسية ورسوم حيوانات وتحتها مسمياتها بالإنجليزية، وانتبه إلى أن أحد الأطفال رسم مستطيلا أحمر وبجانبه نجمة خضراء، فقال لي: «لم يعد ينقص سوى أن تطلب منهم أن يضعوا النجمة وسط المستطيل»، وكانت تلك الجملة هي ما وضع حدا لتلك المرحلة. مع مرور الوقت، هل تمكنت من فهم لماذا لازال البوليساريو يحارب المغرب؟ < هناك عدة عناصر تدخل في تفسير استمرار البوليساريو في خوض هذا النزاع، لا تنسوا أنه في وقت معين، كان هؤلاء القياديون أعضاء في تنظيم إلى الأمام، فهم إذن ثوريون، هذا بالإضافة إلى أن استمرار النزاع يخدم مصالح البعض الذين يغتنون على حساب السكان الصحراويين، والبعض الآخر ممن لا يمكنهم أن يتصوروا حياتهم في صورة أخرى غير تلك التي يعيشونها، والذين لا يمكنهم العودة إلى المغرب. - في أية ظروف تم إعلامك بأنه سيتم إطلاق سراحك؟ < لقد تم إعلامنا بذلك في وقت كنا قد فقدنا الأمل تماما في أن يطلق سراحنا، وإذا كان قد سمح لنا باسترجاع حريتنا، فإن الكثير أيضا قيل عن الطابع المادي الانتهازي للبوليساريو، حيث إن هذا الأخير قد تقاضى ثمن إطلاق سراحنا. أعلم أن القذافي قد دفع ثمن حرية ثلاثمائة جندي من أجل تبييض تورطه السابق في هذه النزاع، كما أعرف أيضا أن إسبانيا وعددا من المنظمات غير الحكومية قد دفعت للبوليساريو نصيبها مقابل إطلاق سراحنا. ترجمة سناء ثابت