كان القبطان علي نجاب واحدا من أوائل طياري الجيش المغربي، ويشاء القدر فيما بعد أن يقضي الرجل 25 سنة من الأسر في مخيمات البوليساريو. في ما يلي شهادة أسير حرب سابق على معاناة مواطنين مغاربة ومدنيين وعسكريين، في سجون تندوف. - لقد أشرت إلى الفرق الموجود بين التجهيزات العسكرية المتطورة التي تمتلكها البوليساريو، وتلك التجهيزات غير الملائمة التي يمتلكها المغرب. هل كان إلقاء القبض عليك وكذا كل الصعوبات التي واجهها المغرب أثناء الحرب راجعا إلى غياب المعدات العسكرية اللازمة؟ < لقد كانت مهمتنا في الصحراء هي الاستجابة إلى حاجيات قوات الجيش البرية من حيث تقديم المساعدة الجوية لهم. نحن نعمل غالبا في ظل ظروف مناخية سيئة جدا. لقد كانت الرؤية ضعيفة جدا بسبب الرياح المحملة بالرمال، ولكن أيضا لأنه لا الطائرات ولا المدرجات كانت مجهزة بوسائل الملاحة الجوية التي تضمن السلامة اللازمة. لقد كنا نتلقى من رؤسائنا الأوامر لتنفيذ مهام كانت صعبة جدا وخطيرة جدا باستعمال طائرات غير مجهزة بمضادات للصواريخ. وفي المقابل، كنا في مواجهة عدو يمتلك صواريخ مضادة للطائرات. أضف إلى ذلك أن جميع الربابنة الذين وقعوا في الأسر أو أولئك الذين قتلوا في الصحراء تم إسقاط طائراتهم بواسطة سام 6 أو سام 7 أو سام 9. الطائرة «سي 130» التي تم إسقاطها في كلتة زمور، تم إسقاطها من علو 22000 قدم، أي حوالي 7 فاصلة 5 كيلومتر. بمعنى أنه رغم أننا كنا نعرف جيدا كم هي محدودة قدرات طائراتنا إلا أننا كنا نطيع الأوامر. بحماسنا كنا نتغلب على كل شيء. إذن، ليس من حق أحد أن يقول إن ربابنة الطائرات قد أخلوا بواجبهم. وأقولها وأعيدها، نحن لم نلق بأنفسنا من طائراتنا لكي نسقط في أحضان البوليساريو. إن من يتحمل المسؤولية في الآلام التي تحملناها خلال كل هذه السنوات هي قيادتنا العسكرية، في أعلى مستوياتها. - هل تقصد شخصا بعينه؟ < أقصد من كان قائد المنطقة الجنوبية، في ذلك الوقت الذي تم فيه أسري. لقد وبخني عندما استقبلني في أكادير عند عودتي في مارس 2005 كما لو أنه ليس المسؤول عن وقوعي في الأسر. لقد تم توبيخي لأن قائد قاعدتي الذي أمرني بشكل مباشر بالقيام بهذه المهمة كان ينفذ أوامر الأركان العامة بالعيون، والتي كان يرأسها الجنرال الذي استقبلنا في أكادير. - لكنك لم تكن الوحيد الذي وقع في الأسر، فالبوليساريو احتجزت 2300 عسكري مغربي. لماذا في نظرك كان كل هذا العدد من أسرى الحرب؟ < لنضع الأشياء في إطارها التاريخي. بعد انقلابي عامي 1971 و1972، تم وضع وحدات الجيش البرية في وضع احترازي إلى غاية عام 1975، حيث تم إرسالهم إلى منطقة الجنوب، دون أي تحضيرات وبأسلحة متآكلة، لمحاربة العدو بتقنيات حرب العصابات الحديثة. وقد كلفنا هذا عددا من الخسائر مثل لمصايل وخلوة وبويرات. - قبل أن يتم إطلاق سراحك. ألم تحاول أبدا الهرب؟ < لم تتح لي الفرصة أبدا لأفعل، لكن غيري فعلوا. لقد هرب ثلاثة طياري طائرات حربية ورقيب مساعد ورقيب أول، نجح طياران، وهما لايزالان إلى الآن في العمل في القاعدة الجوية بمكناس، أما الرقيب المساعد فقد عثر عليه ميتا بعد ذلك بثمانية أشهر. أما في جانب أسرى القوات البرية فقد كانت هناك العديد من المحاولات للهروب، البعض منها نجح والبعض الآخر فشل، لكن الكثيرين من بين من فشلوا قبض عليهم وتم تعذيبهم أمام أعيننا حتى الموت. - اليوم، ومع مرور كل هذا الوقت، ما هو أكثر شيء تأسف عليه؟ < أتأسف على كون قيادتنا لم تهتم باستقبالنا كما ينبغي، ولأنها قصرت في واجبها بالعرفان تجاه هؤلاء الجنود، ومن بينهم الطيارون الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، وأعتب أيضا على بلدي لأنه لم يكترث لمصيرنا. لقد تم التوقيع على وقف إطلاق النار عام 1991، لماذا لم يطالب بلدنا بإطلاق سراحنا في اليوم الذي تم فيه التوقيع على اتفاق هوستن؟ لقد بقينا منسيين داخل تندوف خمس عشرة سنة بعد وقف إطلاق النار، في خرق سافر لبنود اتفاقية جنيف التي يوجد المغرب من بين الموقعين عليها. عند عودتنا، وجدنا أنفسنا في نقطة البداية، كما لو أنه أريد أن تقلب الصفحة وأن يتم نسيان خمسة وعشرين سنة من حياتنا. رتبتي كقبطان حصلت عليها عام 1974، وهي الرتبة نفسها التي أحلت بها على التقاعد عام 2004. هناك العديد من الزملاء الذين يعيشون نفس معاناتي. ظلم كبير وقع عليهم في حياتهم المهنية. ونحن أسرى الحرب جميعا، نتوجه إلى الملك لكي يرفع عنا هذا الظلم. ألم يقل محمد الخامس: ما ضاع حق وراءه مطالب. ترجمة سناء ثابت