من أجل لترات بنزين، أو كمية من السلع المهربة من الجانبين في تجارة الحدود المعيشية، يفقد بعض المغاربة حياتهم على الحدود المغربية الجزائرية.. آخرون يعتقلون فوق التراب الوطني المغربي، ويحتجزون ويحاكمون، ومواش مغربية تصادر، وأراض ممنوعة من الاستغلال من طرف الحرس الوطني الجزائري بمناطق حدودية غير مؤهلة، والتي تبقى تنميتها مسألة حيوية.. لم يكن عبد القادر بندودة ذلك الشاب الوسيم يتوقع أن خروجه عشية يوم الجمعة 2 أكتوبر الجاري، سيكون آخر يوم يرى فيه طفليه الصغيرين، وزوجته الحامل ببضعة أشهر، وكانت على وشك الوضع... ولم يكن يعلم أن تخطيه لمنطقة على شريط حدودي مغربي جزائري رسمتها أوهام عناصر الحرس الوطني الجزائري في مخيلتها بين منطقة فجيج والرفصة، ذريعة لهؤلاء" الجيران" المدجّجين بالأسلحة؛ لإطلاق وابل من الرصاص الغادر عليه، هو الذي كان أعزل، ومجردا من كل شيء؛ إلا من أمل العودة إلى بيته، وإلى صغاره وزجته... تبادل هؤلاء العسكريون العتاه كلمات النصر " On l'a eu, on l'a eu" "أصبناه، أصبناه"، كما لو أصابوا أرنبا بريا، أو حيوانا طريدة... لم يستطع الشاب التقدم خطوات بعدما اخترق الرصاص جسده، وتلاشت قواه، وتقيأ دماء رئتيه وجوفه، وتراءى له في لحظة خاطفة شريط أسرته وعائلته؛ قبل أن تغشى عينيه ضبابة، وتخفت أنفاسه، ويسلم الروح إلى باريها... كانت خطوات عناصر العسكر الجزائري تقترب، وضحكاتهم تتعالى، قبل أن تحاصر جثة الشاب عبدالقادر بندودة ذي ال25 ربيعا، والذي ودّع وراءه أيتاما، وأرملة، ورضيعا، لن يعرف والده أبدا إلا من خلال الصور، لكن سيحتفظ في ذاكرته بالمجرمين الذي سرقوا منه والده غدرا وجبنا... كما يحتفظ الجزارئيون الآن بجثمان والده ببني ونيف حتى استمكال الاجراءات المسطرية المعقدة لاستعادته قصد دفنه بمقبرة فجيج.
الرصاص الجزائري " كيف لهؤلاء الحرس الجزائريين أن تطاوعهم ضمائرهم، وإنسانيتهم، وإسلامهم، فيضغطوا على الزند بسهولة الألعاب، ويطلقوا الرصاص على أناس عزّل، لا يملكون إلا قَدَرهم الذي وضعهم في منطقة حدودية، يضطرون إلى التنقل من هذه الضفة إلى الأخرى لتبادل الزيارات بين أبناء العمومة، ويتعاطون لأنشطة التهريب المعيشي البسيطة، والذي هو واقع لا مفرّ منه بين أبناء الضفتين؟" يتساءل أحد أعيان قبائل منطقة فجيج ومستشار بالمدينة... ثم يشير إلى أنه لم يثبت في تاريخ البلدين أن أطلق عسكري مغربي رصاصة على جزائري واحد؛ رغم عبوره للشريط الحدودي الجزائري المغربي المترامي الأطراف، سواء أكان مدنيا أو عسكريا ، مهربا أو تائها، أو مختلا علقيا، أو فارّا من الجزائر مرشحا للهجرة السرية ومنهم العديد أو حتى زائرا بدون وثائق في المدن المغربية، أو...أو...لأن المغاربة يعتبرون سكان الضفة المقابلة أبناء عمومتهم وأشقاءهم، وكانت سمات المغاربة تجاههم وما زالت دائما التآخي والتسامح والتزاور والتآزر. ليس المرحوم عبد القادر بندودة أول الهالكين، أو آخرهم في هذه المنطقة بالرصاص الجزائري، بل سيكون رقما من الأرقام الذي ينضاف إلى قائمة ضحايا العسكر الجزائري الحدودي؛ ما دام ليس هناك احتجاجات وإدانات، أو ردود أفعال من المسؤولين المغاربة، أو تنديدات من طرف الجمعيات المدنية والحقوقية، أو المنظمات الدولية... قبل المرحوم بندودة، سقط شابان مغربيان، عشية يوم الثاثاء 16 يونيو 2009، بعد أن أطلق عليهما الحرس الحدودي الجزائري وابلا من الرصاص على الشريط الحدودي بعمالة وجدة/ أنجاد، لقي أحدهما مصرعه في الحين، بينما نقل الثاني في حالة حرجة إلى أحد المستشفيات الجزائريةبتلمسان. وسقط الهاشمي الزايري مساء يوم السبت 29 يوليوز 2007، برصاص الحرس الجزائري على بعد عشرات الأمتار من دوار" الشرفة" المغربي، مسقط رأسه على الشريط الحدودي المغربي الجزائري بجماعة تيولي/ إقليم جرادة. وكان الضحية وهو من مواليد 1968، أب لطفلين يتأهب مطمئنا كعادته، بعد عبوره للشريط الحدودي على بهيمته، للتزود بالبنزين الجزائري المهرب؛ ليفاجئه عناصر الحرس الجزائري بإطلاق النار عليه غدرا، دون إعطائه الأمر بالتوقف لترديه قتلا. وكان الهالك معروفا لدى الحرس الجزائري، بحيث ليست هذه هي المرة الأولى الذي يعبر فيها الشريط كباقي العديد من شبان المنطقة الذين يتعاطون لتجارة الحدود من الجانبين. سقط الشاب عيسى بريسون برصاص الحرس الحدودي الجزائري يوم الجمعة 22 يوليوز 2005 داخل التراب الجزائري، على بعد 500 مترمن دوار" لحداحدة" المغربي مسقط رأسه على الشريط الحدودي بجماعة تيولي بإقليم جرادة، وسقط قبله يوم 16 من أبريل 2000 المواطن المغربي حسن معيان، المولود سنة 1958 برصاص الحرس الجزائري، مخلفا وراءه 7 أطفال في حالة يرثى لهم، وكلهن بنات.. وتعرض خال الضحية عيسى بريسون خلال السنة الحالية ، الشاب عبد السلام بريسون صاحب 22 سنة إلى طلقة نارية جزائرية كادت تعصف بحياته، وتؤدي إلى بتر رجله، حيث مازال يعاني من تبعاتها.. وآخرون... العسكر الجزائري عناصرمن العسكر الجزائري لا تكتفي بإطلاق النار بذريعة حماية" حدودها"، بل قامت عشية يوم الإثنين 4 ماي الماضي، باقتحام الحدود الجزائرية المغربية، بمنطقة جماعة أولاد سيدي عبد الحاكم التابعة لإقليم جرادة، ببلدة الدغمانية الواقعة على الحدود المغربية الجزائرية، والاستيلاء على 1100 رأس من الأغنام، ومصادرتها قبل اقتيادها إلى قرية" ماكورة" الجزائرية؛ في غياب صاحب القطيع الذي كان حينها يتبضع بأحد الأسواق الأسبوعية بالجماعة. وحسب أحد أبناء عمومة المواطن المغربي " الوالي الشيخ بنسالم" صاحب القطيع المحجوز، صُدم هذا الأخير بعد عودته عشية اليوم نفسه مما وقع، دون أن يجد تفسيرا أو تبريرا لاعتداء العسكر الجزائري على حرمة التراب المغربي، وحجز ممتلكاته. تصدى المواطنون من سكان البلدة الجزائرية" ماكورة" المقابلة للبلدة المغربية للحرس الحدودي الجزائري بغضب، واحتجاجات عارمة، محاولين في ذات الوقت منعهم من مصادرة قطيع الأغنام المغربية واقتياده، ومطالبين بإعادته لصاحبه، مما اضطر عناصر العسكر الجزائري إلى الاستنجاد بقوات أخرى؛ لتتمكن في الأخير من اقتياد قطيع الأغنام إلى ولاية تلمسانالجزائرية." كان ردّ فعل هؤلاء المواطنين الجزائريين من قبائل الشريط الحدودي منطقيا بحكم حسن الجوار لأشقائهم من المواطنين المغاربة، خاصة منهم الضحية الذي اعتاد أن يُعيد إلى أصحابها من القبائل الجزائرية المجاورة، كلّ حيوانات جزائرية ضلّت طريقها، وتخطت الحدود الجزائرية المغربية" يصرح أحد المواطنين المغاربة من المنطقة. لقد سبق للمواطن المغربي "بنسالم" البالغ من العمر حوالي 60 سنة، وأب لخمسة أبناء؛ أن أعاد إلى جيرانه الجزائريين أخيرا 30 بقرة، تجاوزت الحدود الجزائرية المغربية. وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم عناصر العسكر الحدودي الجزائري بما قامت به. لقد سبق لدورية للجيش الوطني الجزائري أن قامت يوم السبت 17 يناير الماضي بإرغام راعيين مغربيين، محمد أيت صابح، وحدو آيت صابح، من قبيلة من إملشيل بورزازات، كانا يرعيان قطيع أغنامهما البالغ عدد رؤوسه 1000 رأس كعادتهما بمنطقة الحلوف بضواحي فجيج؛ على تحويل القطيع نحو التراب الجزائري. لم يسجل تاريخ البلدين كذلك أن قامت عناصر الجيش المغربي المرابطة بالحدود المغربية باعتقال جزائري واحد، أو سطت على قُطعان أغنام، أو أبقار لمواطنين جزائريين، وصادرتها، أو أطلقت رصاصة واحدة على جزائري واحد من أولائك المتعاطين للتهريب المعيشي، أو العابرين للحدود من أجل الهجرة السرية، أو غيرها، في الوقت الذي تكرر ذلك من طرف الجزائريين في حق المواطنين المغاربة، والذين يذهبون إلى اقتحام الحدود، وحجز ممتلكاتهم، واعتقالهم فوق التراب المغربي... الأراضي المغربية لم يعد أهل فجيج يتوفرون إلا على خمس أراضيهم؛ بعد أن استحوذت السلطات العسكرية الحدودية الجزائرية على أربعة أخماس، ومنعوا من استغلالها منذ سنة 1994، مع أن هؤلاء العسكر يعترفون بأحقية أهل فجيج فيها، وهي الأراضي التي تدخل في ما يمكن تسميته بالعمق الاقتصادي لفجيج، أو المجال الحيوي، بما فيه الأراضي والنخيل والمياه، ومجال الرعي و" المعاذر" أي الأراضي الخصبة البورية التي اعتادوا حرثها في هذا الموسم، وتنتج فيضا دون حاجة إلى مزيد من العناية، خاصة لما يكون هناك" القَبول". ورغم أن هناك اتفاقية 1992 لرسم الحدود على مناطق مغربية، ومن سنة 1901 إلى اتفاقية مغنية التي تعدّ نصوصها الواضحة، لا بالنسبة لقصور "فجيج" من جهة المغرب، ولا بالنسبة لقصور "إييش" بالنسبة للجزائر، مع التنصيص على الأرض الخلاء، إلا أن الجزائر لم تحترمها، وركبت على ما تركه الاستعمار الفرنسي، واستحوذت على جزء كبير من الأراضي المغربية. " لقد تكون لدى سكان فجيج مركب نقص، وتشكلت لديهم عقدة نفسية؛ لأنهم يعيشون مع ذلك الماضي الجميل، ويتوقون إلى مستقبل زاهر؛ في انتظار حلّ يأتي، أو لا يأتي؛ لاستغلال أراضيهم المصادرة، ورجوع المياه إلى مجاريها..."، يصرح بكل حزن وأسى أحد الأطر الفجيجية من مستشاري الجماعة الحضرية لفجيج. والتمس سكان فجيج من الحكومة المغربية، والمنظمات غير الحكومية، والجمعيات الحقوقية والمدنية؛ أن يضغطوا على الجزائر لإيجاد حلّ لهذا المشكل، والدفع به إلى الأمام، مع العلم أن المغرب فتح أبوابه، وطالب غير ما مرة بفتح الحدود مع الجارة الجزائر، وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه ، حتى يتمكنوا من دخول أراضيهم، واستغلالها، والتي هي في ملكيتهم، تشهد بها الوثائق، ويثبتها القانون منذ 600 عام، مع العلم أن الجزائريين لا يستغلونها، بل بالعكس، يصيبها التلف بسبب الحرائق، أو الفيضانات، خاصة تلك الواقعة على وادي زوزفانة. أشار الصديق كبوري، رئيس تنسقية مناهضة الغلاء ورفع الأسعار ببوعرفة؛ أنه منذ ميلاد النزاع حول الصحراء، ونحن نلاحظ أن السلطات الجزائرية في سباق محموم لضم أراض مغربية بالصحراء الشرقيةوالجنوبية إلى حوزتها، مستغلة سكوت الدولة المغربية عن هذا المشكل، دون الحديث عن مناطق بشار، والعين الصفراء، والقنادسة، ولحمر، وغير ذلك من المناطق التي تم ضمها في عهد الاستعمار إلى التراب الجزائري بعد استقلال الدولتين؛ وإنما نقصد مناطق واسعة تم ضمها بعد حرب الرمال لسنة 1963. وتستغل السلطات الجزائرية عدم ترسيم الحدود بينها وبين المغرب( الحدود مرسمة من السعيدية إلى عين بني مطهر فقط)، الشيء الذي فتح شهيتها التوسعية، وحرمت المواطنين المغاربة بإقليم فجيج من موارد عيشهم، وضيقت على أرزاقهم . قبائل مغربية جزائرية يمتد الشريط الحدودي المغربي الجزائري الرسمي على مسافة أكثر من 540 كلم، من مدينة السعيدية حتى مدينة فكيك، عبر العديد من المدن الصغيرة، والقرى، والدواوير من كلتا الضفتين، يتعايش فيها عبر القرون، أبناء العمومة من القبائل المنتشرة على أراضيه، وجباله، وسهوله، ونجوده، محافظين على أواصر الدم، والقرابة، والأخوة، والتقاليد، والأعراف، ومواسم الأولياء، والروابط بشيوخ الزوايا، و زيارات الشرفاء؛ رغم ما اعترى، ويعتري العلاقات السياسية بين مسؤولي البلدين، المغرب والجزائر، من سحابات داكنة اللون أحيانا. تعيش مدن وقرى الشمال الشرقي بالمغرب، والشمال الغربي بالجزائر، حركة دائبة تتمثل في التجارة الحدودية، والتعاون" الاقتصادي الغير المراقب" بالشريط الحدودي، والمتواصل بين مدنه المتقابلة عبر عدة منافذ ومسالك. مدينة السعيدية المغربية(60 كلم عن مدينة وجدة) تقابلها على الشريط الحدودي بالجزائر مرسى بلمهيدي الجزائرية( يفصلهما وادي كيس)، واحفير(40 كلم عن وجدة)، يقابلها مركز بوكانون الجزائريى، ثم قرية العالب المغربية، تقابلها" امغاغة" الجزائرية، وبني درارالمغربية( جماعة بني خالد: 20 كلم)، تقابلها الشبيكية الجزائرية، والنقطة الحدودية" جوج بغال" بوجدة، يقابلها مركز" العقيد لطفي" الجزائرية( مدينة وجدة تقابلها مدينة مغنية)، وعلى الشريط الحدودي في اتجاه جنوب مدينة وجدة( 8 كلم) دوار لغلايس، دوار الفاقة، جماعة رأس عصفور( أهل أنجاد)، تقابلها قرية ربان( بني بوسعيد) الجزائرية( يفصلها وادي لغلاليس)، ثم قرى تويسيت، وسيدي بوبكر، وتيولي(25 كلم على مدينة وجدة: المهاية)، تقابلها قرى سيدي عيسى، وسيد الجيلالي الجزائرية، والدغمانية المغربية(30 كلم عن وجدة)، تقابلها العريشة الجزائرية، ثم مدينة تندرارة(200 كلم عن وجدة)، فمدينة بوعرفة( 284 كلم عن وجدة)، ثم مدينة فيكيك( 392 كلم عن وجدة: لخناك)، تقابلها" بني ونيف( 6 كلم). وعرف الشريط الحدودي أحيانا نوعا من التوترات، تتمثل في عدة سلوكات، كاستحواذ العسكر الجزائري على بعض ممتلكات القبائل المغربية المجاورة للحدود، مثل واحات النخيل المثمرة المغربية بمنطقة فكيك، أو حجز رؤوس الأغنام والبهائم؛ بدعوى دخولها التراب الجزائري. بل يذهب الجزائريون في بعض الأحيان إلى منع الفلاحين من حرث الأراضي المغربية من المنطقة الحدودية العازلة المسماة ب" الشرطة"، ثم حفر الآبار( الثقب المائية لوصول إلى الفرشات المائية العميقة) لاستغلال، واستنزاف الفرشة المائية. ومن جهة أخرى، فغالبا ما يقع المواطن المغربي وبكل سهولة ضحية رصاص العسكر الجزائري، بل يصطاد كالطرائد دون أي إحساس بالذنب، في الوقت الذي لم يسجل فيه التاريخ سقوط ولو جزائري واحد برصاص الحرس الحدودي المغربي. ورغم أن العديد من الجزائريين دخلوا ويدخلون التراب المغربي ، بل دخل الآلاف من هؤلاء الإخوة عبر الهجرة السرية، ولم يسجل حادث من هذا القبيل واحد ضدهم، ورغم أنهم ضبطوا يتجولون بمدينة وجدة، ومنهم من ضبط بآلاف الأقراص الطبية المهلوسة التي تعبر الشريط الحدودي الجزائري المغربي تحت أعين الحرس الجزائري، دون أن يحركوا ساكنا ما دامت وجهتها تستهدف الشباب المغربي" الشقيق"...