مبنى ضخم في قلب المدينة بشارع الحسن الثاني، يحتوي في واجهته على لافتة ضخمة مكتوب عليها " المجلس البلدي"، به طاقم كامل من الأطر، والموظفين، والعمال، يساعدون 27 منتخبا في أداء مهامهم، في ما يسمى خدمة المواطنين. يترأس هؤلاء رئيس للمجلس، يتساوى في منصبه مع ذوي أعلى المناصب الدستورية بالمغرب. ميزانية كبيرة ترصد لتغطية نفقات هذا الحشد، ورتبهم الوظيفية، ومهام الأعضاء، وتنقلاتهم، وسيارتهم، يدفعها المواطن من جيبه، من رسوم، وضرائب، وغيرها؛ باعتبار هذا المجلس ممثلا للمواطن، والمواطن بعيد كل البعد عن مجلسه هذا، ولا يعرف حتى ما يجري بدهاليزه. المجلس من الناحية القانونية، يمثل المواطنين بصفة مباشرة، ومسؤول عن حماية حقوقهم، ورعاية مصالحهم، ولكن، من الناحية الواقعية، نرى شيئا آخر، فبدلا من التنافس بتقديم المخططات، والبرنامج الأفضل لصالح المواطن، ولتنمية المدينة، وبه يكون قد قدم الخدمة المطلوبة للمواطنين، فيألفوه، ويألفهم، ويحبوه، ويلتجئون اليه... بدلاً من ذلك، تحول مجلسنا هذا بين عشية وضحاها إلى مجلس للصراعات بين أعضائه، وتصفية الحسابات الضيقة بينهم، مما أدى إلى إعاقة أدائه، وعدم القيام بواجباته، فعطلت معه شؤون المواطن، وساهمت بشكل أساسي في تعطيل التنمية، والمشاريع بوجه عام، وتضررت المدينة منه ككل، وأصبح المواطن يحس أنه لا يتم التواصل معه إلا عند الانتخابات، مما رسخ لديه صورة وانطباعات سيئة، إذ إن الحالة هذه، ساهمت في إبعاد المواطن من المجلس. مرت خمس سنوات ونصف تقريبا على انتخاب أعضاء مجلسنا البلدي هذا، هذه الفترة كانت لبعض البلديات الأخرى محطة بامتياز. اجتهد خلالها أعضاؤها قدر الإمكان في خدمة منتخبيهم، وحل مشاكل المواطنين، والوصول بهم إلى تطلعاتهم، في حين، كانت هذه الفترة لمجلسنا البلدي وللأسف سنوات عجافا، محفوفة بالصراعات، والمخاصمات، والفضائح، ناهيك عن السب، والشتم بين الأعضاء خلال الدورات، بما لا يقال، أو يسمع حتى في الشارع" الزنقة"، فتعطلت مع هذا الواقع عجلة التنمية، وحرمت المدينة من جراء ذلك من تحقيق ما أمكن من المشاريع التي تعيد الأمل بها، وتنعش اقتصادها، وتنميتها، وتفك العزلة عنها؛ كتشغيل المطار، والقطار، وفتح جامعة، أو فروع منها لتقريب، وتشجيع الدراسات العليا للأبناء، وتجديد عقدة الأطباء الصينيين لعودتهم مجددا إلى مستشفى المدينة... وغيرها من المشاريع الأخرى. هذه الصراعات وصلت حتى أروقة الإدارة الوصية، وللإشارة هنا، فقد سبق للإدارة المذكورة أن أوقفت نشاط المجلس البلدي هذا في مطلع سنة 2009، نظرا للمشاكل والصراعات التي كان يعيشها آنذاك، وهي نفس الصراعات التي تواصلت، واستمرت بعد استحقاقات 2009، لأن ثلثي أعضاء المجلس القدماء، تم انتخابهم من جديد، وهكذا لم ينته الصراع، بل استفحل، وتأجج بوتيرة كبيرة، مما اوقف معه عجلات التنمية بالمدينة، ذلك أن أعضاء المجلس، سواء الأغلببية منهم، أو الأقلية، بتصرفاتهم هذه، قد خانوا منتخبيهم، والأمانة التي حملوها، لدرجة أنهم انحرفوا عن المسار الحقيقي للمهمة التي انتخبوا من أجلها، وأصبحوا يؤسسون للفرقة، والخلافات بين مواطني المدينة الواحدة. يقع هذا في غياب الوعي السياسي، والثقافة السياسية للأعضاء، بالتعصب الحزبي الضيق، واستعمال العضوية بالمجلس بشكل خاطئ على أنها ملكية خاصة. تلك هي حكاية أعضاء المجلس البلدي، قدمتها في عجالة، دون الدخول في لزوم ما لا يلزم، كإطلالة على واقع مرير، على أمل أن يتعرف المواطنون على منتخبيهم. إذاً، من المسؤول عن هذا الوضع الشاذ؟ الأغلبية، أم الأقلية، أم هما معا؟، أم هم المواطنون؟. نعم، المواطنون هم المسؤولون عن هذا الوضع، مهما حاولوا الهرب من هذا النفق الذي هم فيه، والذي لم يصنعه أحد، بل صنعوه هم بأنفسهم، وهذا ما أوضحه جلالة الملك في إحدى خطبه، على أن المواطنين يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية الفساد الذي جعلهم، وجعل الوطن ثابتا في مكانه، لا يتحرك. البلدة إذاً لم تعد تتحمل المزيد، وسواد المواطنين على اختلاف أطيافهم، وتوجهاتهم، يشكون من أعضاء المجلس، ويتطلعون إلى اليوم الذي سيتخلصون منهم... فالواجب الوطني والأخلاقي يقول إن العزوف، والنأي بالنفس، مسؤولية على عاتق أصحابها أمام الله، وأمام الوطن، فالمدينة تزخر بالطاقات المهمة، من مثقفين، وفاعلين جمعويين، وسياسيين، وأطر،، وكفاءات وشرفاء، من ذوي الغيرة، الذين يعتبرون قوة، وأهلا لتحمل المسؤولية، وتسيير الشأن المحلي، وبه تعزز المواطنة، ويدفع بمعدلات التنمية في اتجاه الصعود.