تقديم : انعقد المجلس الوطني للكونفدرالية الديموقراطية للشغل -وهو أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر – يوم 17 نونبر 2012 بالمقر المركزي بالدارالبيضاء.. وقد وقف على عدة قضايا دولية وجهوية ومحلية ،لكن من القضايا التي كانت محط انشغال كبير هي محنة الحريات النقابية بوارزازات وبوعرفة والقنيطرة واكادير ومكناس وغيرها من المدن المغربية . في هذا السياق ساساهم بهذا المقال المتواضع حول الحريات النقابية ببوعرفة بين التشريعات والواقع ، ولن اكتفي في هذا المقال بالتشخيص ، بل سأقدم بعض المقترحات لحماية هذه الحريات . أولا : الحريات النقابية في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية يراد بالحريات النقابية حق ممارسة العمل النقابي وتأسيس النقابات أو الانضمام البها بكل طواعية دون ضغط أو أكراه ، كما تشمل هذه الحريات حق اللجوء إلى الإضراب للدفاع عن الحقوق الشغلية ، و يشترط أن تكون النقابات مستقلة عن الأحزاب والدولة ، فما هو موقف المواثيق الدولية والقوانين الوطنية من الحريات النقابية ؟ 1- الحريات النقابية في المواثيق الدولية . أ – اتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية . تأسست منظمة العمل الدولية سنة 1917 وهي تهتم بالتشريع في مجال الشغل على المستوى الدولي ، والتفاوض حول قضايا الشغل بين الأطراف الثلاثة : الحكومات والنقابات العمالية ونقابات أرباب العمل . وقد اصدرت منظمة العمل الدولية منذ التأسيس إلى الآن أزيد من 180 اتفاقية ،واهم الاتفاقيات التي تهتم بالحريات النقابية هناك : - الاتفاقية الدولية رقم 87 بشان الحرية النقابية وحماية الحق في التنظيم التي التزمت الدولة المغربية بالمصادقة عليها في اتفاق 26 ابريل 2011 . - الاتفاقية رقم 98 لسنة 1949 وهي تنص على المفاوضة الجماعية وفقا لمعايير محددة . - هناك ايضا دستور منظمة العمل الدولية وهو ينص على حق تكوين النقابات والانضمام إليها ،وتجدر الإشارة إلى أن المغرب عضو بهذه المنظمة وملتزم بدستورها التأسيسي . ب- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . صدر هذا الإعلان عن الأممالمتحدة في 10 دجنبر 1948 ، وهو يضم ديباجة و 30 مادة تناولت الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وينص الاعلان في مادته 23 على حق كل شخص أن ينتمي إلى نقابات حماية لمصالحه . ت- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . صدر هذا العهد عن الأممالمتحدة سنة 1966 ، وتعتبر الدولة المغربية من الدول التي صادقت عليه في وقت مبكر ، بمجرد سريان مفعوله ، وينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافة في المادة 8 على : - الحق في الانضمام إلى النقابة بدون قيد . - حق النقابات في إنشاء اتحادات فيما بينها . -حق الإضراب بشرط أن يراعي قوانين البلد المعني . ث - اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة . صدرت هذه الاتفاقية التي يتم اختصارها في كلمة –سيداو- عن الأممالمتحدة .وقد صادق عليها المغرب وتهدف إلى تمتيع المرأة بحقوقها ومساواتها بالرجل في جميع المجالات بما فيها المجال النقابي . ج- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري : نصت هذه الاتفاقية الصادرة عن الأممالمتحدة في المادة 5 على الحق في تأسيس النقابات والانتماء اليها . ح- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم . تنص هذه الاتفاقية الصادرة عن الأممالمتحدة في المادة 40 على حق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في تكوين نقابات للعمال ، كما لايجوز وضع أية قيود على الممارسة النقابية . 2- الحريات النقابية في القوانين الوطنية من الملاحظ أن الحريات النقابية قد تم التنصيص عليها في مجموعة من القوانين الوطنية المغربية ، ونظرا لكثرة النصوص سأقتصر فقط على قانون 1957 والدستور المغربي ومدونة الشغل تجنبا للإطالة . أ- ظهير 1957 بشأن النقابات المهنية . صدر في بداية الاستقلال ظهير شريف رقم 119-57-1 بتاريخ 16 يوليوز 1957 بشان النقابات المهنية ويضم أربعة ابواب خصص الباب الأول للنقابات المهنية والغاية من تأسيسها . فقد نص الفصل الثاني من ظهير 1957 على : يجوز أن تتأسس بكل حرية النقابات المهنية من طرف أشخاص يتعاطون مهنة واحدة يشبه بعضها بعضا أو حرفا يرتبط بعضها ببعض ومعدة لصنع مواد معينة أو يتعاطون مهنة حرة واحدة .ويمكن أن تحدث نقابات بين موظفين . غير انه لايمكن للأعوان المكلفين بالسهر على سلامة الدولة والأمن العام أن يستفيدوا من هذا الحق . وقد صدرت فيما بعد مراسيم تحدد بعض الفئات التي لايمكنها ممارسة العمل النقابي : الدرك- الجيش – القوات المساعدة – الأمن – الوقاية المدنية – المتصرفون بوزارة الداخلية – القضاة ... ب- الدستور : من نافلة القول أن كل الدساتير المغربية قد قرت بالحريات النقابية :1962-1970-1972-1993-1996-2011 وسأتطرق في هذه الفقرة الى الحريات النقابية في دستور 2011 لأنه يلغي جميع الدساتير السابقة . من الملاحظ إن دستور 2011 على خلاف جميع الدساتير السابقة أولى اهتماما بالغا للحريات النقابية . فالفصل 8 من الدستور وبعد تعريفة للنقابات أكد على ممارسة هذه الأخيرة لأنشطتها بحرية في نطاق الدستور والقانون ، كما ألزم السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية وفق الشروط التي يتص عليها القانون . ت – مدونة الشغل . هي مدونة قامت بتجميع التشريعات المغربية حول الشغل وقد خصصت حيزا مهما للحريات النقابية والمفاوضات الجماعية . ثانيا : الحريات النقابية ببوعرفة هناك بون شاسع بين التشريعات وبين واقع الحريات ببوعرفة وسأورد بعض الخروقات التي تم تسجيلها من خلال تجربتي النقابية ككاتب للاتحاد المحلي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل . أ – عرقلة تأسيس النقابات : هناك أمثلة كثيرة حول عرقلة السلطات لتأسيس النقابات التابعة للكونفدرالية الديموقراطية للشغل عبر رفض تسلم الملفات القانونية ، بدعوى أن المكاتب النقابية تضم أشخاصا غير مرغوب فيهم لانتماءاتهم السياسية ، فقد سبق للسلطات المحلية أن رفضت الملفات القانونية للنقابة الوطنية للتجهيز والنقابة الوطنية للبريد والنقابة الوطنية للاتصالات .والنقابة الوطنية للماء الصالح للشرب ... ب – الطرد لأسباب نقابية : هناك 3 حالات معروضة في الوقت الراهن تتعلق بالطرد لأسباب نقابية : - حالة زروال عبدالعزيز العون المكلف بالحراسة في قباضة بوعرفة الذي تم طرده من العمل نظرا لانتمائه إلى الكونفدرالية الديموقراطية للشغل . - تسريح أزيد من 30 عامل بمعمل ديماغاز لرغبة صاحب المعمل في اجثثات العمل النقابي بالمعمل رغم أن عدد كبيرا منهم لايرغب في مغادرة العمل . - الاستمرار في رفض السماح لشنو المحجوب بالعودة إلى العمل بعد إطلاق سراحه ، ويعتبر المحجوب كاتب النقابة الوطنية للإنعاش الوطني ببوعرفة . ت- طلب وثائق غير قانونية : نصت المادتين 414 و415 من مدونة الشغل على كيفية إيداع الملف النقابي الذي يجب أن يتكون من القانون الأساسي للنقابة والقائمة الكاملة للأشخاص الذين عهد إليهم بتسييرها ، وحددها في أربعة نظائر تعفى من التنبر ، وتسلم للسلطة المحلية مقابل وصل . لكن في الواقع يطلب من النقابيين وثائق غير منصوص علها ، كشواهد السوابق العدل والصور ونسخ من البطائق الوطنية والانتماء السياسي ... ث -رفض التفاوض إن المثال الساطع بخصوص رفض التفاوض هو ما تمارسه السلطات الإقليمية حاليا ، فهي ترفض الجلوس مع النقابات بمبررات غير مفهومة رغم كثرة المراسلات التي وجهت لها . ج- التنقيلات التعسفية والاقتطاع من الأجور تعرض بعض النقابيين للتنقيل التعسفي خاصة بقطاع الجماعات ويتعلق الامر بكبوري احمد الذي تم تنقيله من عمالة بوعرفة إلى عين الشعير ومنلايخاف الحبيب الذي تم تنقيله من عمالة بوعرفة إلى دائرة فجيج . كما تعرض النقابيون إلى الاقتطاع من الأجر بالجماعات والصحة والعدل . ح- التمييز بين النقابات . وهنا نسجل تورط بعض رؤساء المصالح ودفعهم لخلق نقابات معينة موالية ، ولدينا أمثلة عديدة لرؤساء مصالح يحاربون العمل النقابي الكونفدرالي ، وساهموا في خلق نقابات قصد التشويش . د- منع التظاهر النقابي إن السلطات ببوعرفة منعت مرارا تظاهرات نقابية خاصة المسيرات، التي لاترخص لها إلا في فاتح ماي ، وآخر منع كان هو المنع الكتابي للمسيرة التي قررت تنظيمها الكونفدرالبية الديموقراطية للشغل والفدرالية الديموقراطية للشغل في إطار اليوم الاحتجاجي الوطني بتاريخ 7 دجنبر 2012 . خاتمة :
كما وضحت في هذا المقال فهناك خروقات عديدة على مستوى الحريات النقابية ، لكن السؤال المطروح ما هي المقترحات العملية لمواجهة ذلك ؟ إنني في هذه الخاتمة اقترح ثلاثة إجراءات من شانها ضمان ممارسة الحرية النقابية وهي تتمل فيما لي : - تكوين المنفذين للقوانين ورجال السلطة ببوعرفة في المجال القانوني واطلاعهم على كل المستجدات القانونية . - تكوين النقابيين في المجال القانوني . - تشكيل جبهة محلية عريضة من النقابات والجمعيات الحقوقية والقوى الديموقراطية لصيانة حق الممارسة النقابية .