إدريس البويوسفي أي دور لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ في تفعيل مضامين المخطط ألاستعجالي يعتبر مجال التربية والتعليم رهانا من الرهانات الكبرى من أجل تحقيق التنمية، ولهذه الغاية تشكلت سنة 1999 اللجنة الخاصة للتربية والتكوين لبلورة مشروع لإصلاح المدرسة المغربية، وقد أفضت أشغالها إلى تبني وثيقة مرجعية حظيت بالتوافق التام. إنه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي اعترضته العديد من المعيقات أثناء التطبيق، بدء من سنة 2000 . أمام هذه الوضعية، دعا الملك محمد السادس في افتتاح الدورة التشريعية لخريف 2007 إلى وضع مخطط لتسريع وتيرة الإصلاح . وقد جاء المخطط ألاستعجالي في سياقات عدة : - العولمة وإشكالية التربية والتكوين . - تقرير البنك الدولي. - المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005 . - تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2006 . كما اعتمد المخطط في مرجعياته على : - التوجيهات الملكية "خطاب 7 أكتوبر 2008. - التصريح الحكومي أمام البرلمان 27 أكتوبر 2008. - الميثاق الوطني للتربية والتكوين . إن المخطط ألاستعجالي يتكون من 23 مشروعا، يهدف كله إلى تسريع وتيرة الإصلاح حسب رأي واضعيه والمتحمسين له، وقد جاءت كالتالي : 1. عشرة مشاريع تخص تحقيق الإلزامية في التعليم إلى غاية سن 18 سنة . 2. أربعة مشاريع تخص حفز روح المبادرة والتميز في الثانوي ألتأهيلي والجامعة. 3. سبعة مشاريع تهدف إلى حل إشكالية الموارد البشرية والتدبير. 4. مشروعان يخصان وسائل التحقيق الفعلي للمخطط وضمان نجاحه . إن الإصلاح شيء إيجابي بالنسبة لقطاع التربية والتعليم؛ باعتباره قاطرة التنمية الاقتصادية والارتقاء الاجتماعي، ثم الوعي السياسي، لكن لانريده أن يتم على حساب مجانية وجودة التعليم والاستقرار بالمنصب؛ مما ستكون له آثار سلبية على الاستقرار المادي والمعنوي للشغيلة التعليمية... لذا، فإن أي إصلاح لا ينطلق من خصوصية وعقلية وبيئة المجتمع المغربي، من المؤكد أنه إصلاح له تأثيرات على واقع المجتمع المغربي بكل مكوناته، خاصة أن المخطط ركز على الجوانب التقنية في الإصلاح، مع تعزيز مكانة التعليم الخصوصي، وهو ما نعتبره بعيدا عن واقع الأغلبية الساحقة من المغاربة . وحتى لاننعت بالعدمية، فإن المخطط له بعض الإيجابيات، نحصرها في ما يلي:
- إقرار التعليم الأولي بالعالم القروي . - تأهيل المؤسسات التعليمية بتجهيزها وصيانتها. - محاربة التكرار والانقطاع عن الدراسة. - الدعم المدرسي والدعم الاجتماعي. ويمكن اعتبار هذه الإيجابيات من بين المجالات التي كانت ولازالت جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ توليها اهتماما كبيرا، ولازالت قادرة على الاستمرار في بذل المزيد من الجهود في البعض من هذه المجالات؛ باعتبارها من أهم شركاء المؤسسات التعليمية. أما نقط ضعف المخطط الاستعجالي، فيمكن إجمالها على الخصوص في كونه مبادرة فردية قامت بها وزارة التربية والتعليم، دون إشراك كافة الشركاء والعاملين والمهتمين بحقل التربية والتعليم، ونضيف إلى هذا المعطى الخطير: - محاولة المخطط ضرب المجانية عبر تفويت مؤسسات تربوية للقطاع الخاص، مع إعفاءات ضريبة في البناء والتجهيز. - إحداث صناديق للدعم تمول من طرف جميع مكونات المجتمع المغربي. - محاولة العمل بقوانين مغايرة لنظام الوظيفة العمومية، وذلك باللجوء إلى نظام التوظيف بالعقدة فضلا عن الأستاذ المتعدد الاختصاصات... وهنا، لابد من الإشارة إلى أن الموارد البشرية في قطاع التربية والتعليم، قد عرفت استنزافا بإغلاق مراكز التكوين، وتراجع أعداد الخريجين، فضلا عن مخلفات المغادرة الطوعية.. ثم لا ننسى 29900 متقاعد سنويا، لا يتم تعويضهم... ومع ذلك، جاء المخطط ليختزل 1000 منصب مالي بالإعدادي، وحوالي 850 منصبا بالثانوي التأهيلي، وكلها عوامل تفسر العديد من الظواهر والأمراض المزمنة التي يعاني منها القطاع، كالاكتظاظ، وتعدد المستويات، خاصة بالعالم القروي، وتدني المستوى اللغوي، والقدرة على التحليل، خاصة أننا نسجل تراجع الوزارة عن تدريس الفلسفة بمستويات الجذوع المشتركة، وتقليص ساعات اللغات الأجنبية والرياضيات ... إذاً، تستمر الأزمة، والمخطط الاستعجالي لم يعلن القطيعة مع الماضي، بل يؤكد في ديباجته على أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعتبر مرجعا أساسيا للمخطط الاستعجالي. إن الشروع في تطبيق المخطط ، يطرح اليوم العديد من التساؤلات المرتبطة أساسا بتغليب المنطق المحاسباتي التقني المحض، والذي تتحكم فيه التوازنات المالية، خاصة أن العديد من المنظمات الدولية ذات التوجه الرأسمالي، تعتبر قطاع التعليم ومعه قطاع الصحة قطاعين غير منتجين، وأن التعليم أصبح بوابة لتفريخ أفواج من العاطلين عن العمل، وجيوش من المغادرين للمدرسة؛ مما خلق أزمة ثقة لدى الأسر المغربية، ممزوجة بالشك اتجاه كل مبادرة إصلاحية. ومن منطلق المسؤولية نقول، كممثلين لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ؛ باعتبارنا جزءا لا يتجزأ من الحياة المدرسية، وعنصرا فاعلا في المجتمع المغربي، لقد حان الوقت للدفاع عن المدرسة العمومية المغربية، بمجانيتها وجودة خدماتها، ومقرراتها التي تبقى في حاجة للمراجعة، وجعلها قادرة على رفع التحدي، وربطها بمختلف التطورات التي يشهدها العالم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ حتى تتمكن أجيالنا من تحمل المسؤولية كاملة، وتواجه تحديات العصر بسلاح المعرفة والفكر. حان الوقت لتتخلى الجمعيات عن الصورة النمطية المتمثلة في إصلاح الأقفال، ومختلف الإتلافات . إن الجمعيات في حاجة إلى الوعي بذاتها وإمكاناتها المادية والمعنوية، فهي تتمتع بقوة قانونية لتشارك وبفعالية في المجالس التربوية، ومجلس التدبير بالمؤسسات التعليمية... كما أن الوزارة الوصية عن قطاع التربية والتعليم، جعلت شعارات الدخول المدرسي لمواسم 2006/2007 ، و2007/2008 ، تصب في اتجاه إشراك الأسرة كي تتحمل مسؤوليتها في تحقيق التواصل الإيجابي مع المدرسة؛ من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة في تربية وتتبع مختلف مراحل الحياة المدرسية لأبنائنا، وحتى تبقى المدرسة أداة للإنتاج الفكري والعلمي، وتكوين الإنسان المغربي المتشبع بقيم الديمقراطية والمواطنة الحقيقية.. وحتى ننجح في مهمتنا، لابد من بحث آليات جديدة وفاعلة لتطوير أدائها، والقيام بمهامها المخولة لها من طرف القانون، صيانة لأجيالنا القادمة. إن فدرالية جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، ووعيا منها بالمسؤولية الملقاة على عاتق الأسر المغربية، دقت ناقوس الخطر برصدها للعديد من الاختلالات، خاصة ما تعلق بالتعبئة الشاملة حول المدرسة العمومية، نتيجة ضعف مردوديتها المرتبط أساسا بإضعاف المنظومة التربوية، خاصة أن المخطط لم يتحدث عن المقررات الدراسية التي بإمكانها أن تربط المتعلم بسوق الشغل، بل اهتم بالجانب التقني المرتبط بما تعتبره الدولة إكراهات مالية؛ رغم أنها لا تمول القطاع إلا بنسبة 51% فقط، بينما الجماعات التي تراهن عليها الدولة، لا تمول سوى 0.3% فقط من الميزانية... ويستمر القطاع في التراجع على مستوى المناصب المالية المحدثة؛ إذ انطلق الموسم الدراسي 2008 بخصاص يقارب 3000 منصب، أما الأعوان والإداريون، فيبلغ حجم الخصاص 18540 موظفا. لقد أعلنت الفدرالية أكثر من مرة استعدادها لتحمل المسؤولية، والمشاركة في كل إصلاح، إلا أن المخطط الاستعجالي، لم يذكر الجمعيات إلا ثلاث مرات في تقرير يتكون بما يناهز 800 صفحة: - في المسار المتدرج لإشراك وانخراط جميع الأطراف المعنية - أثناء جرد الجهات المراهن عليها لتطوير التعليم الأولي . - في المشروع23 المتعلق بالتعبئة والتواصل حول المدرسة، وذلك بعقد الشراكات .. ومرة أخرى، نجدد الدعوة إلى إشراك حقيقي وفعلي للفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ؛ في وضع خطط وبرامج لإصلاح المنظومة التربوية، وكل ما له صلة بمجال التربية والتعليم والمدرسة العمومية، خاصة أن هذه الجمعيات تكاد تكون مؤسسات مالية، كما تضم كفاءات قادرة على رفع التحدي، والمشاركة في إيجاد حلول ناجعة لإصلاح قطاع التربية والتعليم. وخير ما نختم به هذه المساهمة، هي الدعوة إلى تحمل المجتمع المدني بكل مكوناته ومن خلاله جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ المسؤولية كاملة لصيانة مكسب المجانية والجودة بالمدرسة العمومية؛ عبر خلق آليات للتواصل والإبداع والتشارك؛ من أجل الحفاظ على مدرسة مغربية للجميع، تنتج المعرفة، وتساهم في تربية الأجيال القادمة المتشبعة بقيم المواطنة والديمقراطية الحقة. إدريس البويوسفي مشارك في الملتقى الوطني الأول لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ