هل أصبح الشعب الفلسطيني أحد الودائع في البنوك المنتشرة على طول الأراضي الفلسطينية وعرضها، وهل أصبح الشعب الفلسطيني برمته احد رهائن سوق الرهن السياسي؟ وهل بات هذا الشعب محكوما لدفع ديونه بدلا من استرداد حقوقه؟؟ الحالة مزرية، وكل الشعب يقف على بوابة التذمر من جمود الأفاق السياسية التي تمنحه الضمانه لتحريك عجلة حياته اليومية التي لاحت بوادر توقفها مع البدء الترويج لمشروع المصالحة بين فرقاء وحدة الشعب والوطن في الضفة الغربية وغزة، والحالة تزداد ازدراء عندما تلامس بنفسك تأوهات التجار الذين يتذمرون من انعدام الحركة التجارية في الأسواق الفلسطينية....! لقد اعتمد السوق المحلي الفلسطيني قبل قيام السلطة الفلسطينية على مداخيل العمال الفلسطينيين داخل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948 والتي اعتاد المجتمع الدولي والعربي على تسميتها بالخط الأخضر وهو خط الهدنة الذي يفصل الأراضي المحتلة عام 48 عن نظيرتها التي احتلتها إسرائيل عشية نكسة حزيران عام 1967من جهة ، وعلى عائدات المغتربين في الدول العربية وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى،لكنها الحالة تغيرت وانقلبت رأسا على عقب قيام السلطة الفلسطينية التي لعبت دور الكيان المستقل الذي أعفى الاحتلال الإسرائيلي من مسؤولياته الأخلاقية والاقتصادية عدا عن تحمله لنتاج جرائمه الأمنية والعسكرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني العزل ..! ففي الوقت الذي جردت به إسرائيل العمال الفلسطينيين حقوقهم، وأقامت سياسة العزل بالحواجز العسكرية، واعتماد سياسة البطاقات الممغنطة، وتصاريح الدخول للقدس والمناطق المحتلة عام 48 استسلمت السلطة الفلسطينية لشروط التمويل الغربي والأمريكي لمشاريعها وعلى رأسها التي التحتية بكافة اذرعها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مقومات الحياة الفلسطينية للحد الذي أصبح شريان حياة السلطة الفلسطينية حتى مؤسساتها الحزبية عبر فصائل منظمة التحرير محكومة بزر الضخ المالي الأوروبي والأمريكي الذي بضغطة من باريس يتم إيقاف الحياة بكافة أشكالها وبكبسة من أمريكا تدور عجلة الحياة بشكلها الطبيعي...!! لكن مالذي جعل السطة الفلسطينية تعلن أن الأزمة المالية الحالية حقيقية وهي التي أعلنت قبل توقيعها على ورقة المصالحة المصرية بأسابيع قليلة أنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها اتجاه موظفيها لمدة عام كامل؟ ما الذي تغير على السلطة وهي ما زالت بنفس التشكيلة الوزارية التي طمأنت الناس بان العجز في موازنتها انخفض بما نسبته 11%؟ ما هي المقومات الاقتصادية التي أوقفت العجز المالي للسلطة التي تعتمد على أموال الدول المانحة؟ هل عائدات السلطة من أموال الرسوم والضرائب والجمارك قادرة على تخفيض العجز بهذه النسبة؟ هل نسبة النمو في الدخل القومي الفلسطيني عائد الى الشفافية التي حدت من أوجه الفساد في مؤسسات السلطة؟ ولماذا إذن أصبحت الأزمة المالية في غضون شهر أزمة حقيقية تهدد بوقف رواتب الموظفين؟ لقد تحول ما نسبته ربع مليون عامل فلسطيني الى خزينة السلطة الفلسطينية بعد أن كانوا أحد أهم روافد الحركة التجارية الفلسطينية ما قبل قيام السلطة الفلسطينية، وأضافت السلطة المئات من الوزراء والوكلاء والمدراء العامين والمستشارين والسفراء وغيرهم الى كشوفات وزارة المالية في الوقت الذي التزمت به برواتب الآلاف من الموظفين الذين أحيلوا الى التقاعد المبكر بعد اتجاه السلطة الى تحديث مؤسساتها الأمنية والعسكرية والإدارية بدماء جديدة واستبعاد المئات من كادر منظمة التحرير الفلسطينية عن مراكزهم مقابل دفع 75% من رواتبهم شهريا وهو الأمر الذي حدا بالكثير من الموظفين الى الاتجاه نحو التقاعد المبكر والتوجه الى الأعمال الحرة. لا يخفى على احد أن السوق الفلسطيني يخسر أموالا باهظة لصالح السوق الأردنية نتيجة عودة الكثير ممن تقاعدوا من السلطة الفلسطينية الى عائلاتهم وبيوتهم في الأردن ، وأصبحت المبالغ التي يتقاضونها تتحول تلقائيا للبنوك الأردنية مما افقد السوق المحلي الفلسطيني ملايين الدولارات ،ولا يخفى على احد أن غالبية البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية هي فروع لبنوك أردنية ينتهي الحال بأرباحها السنوية للخزينة الأردنية...! فما الذي يحكم عجلة الاقتصاد الفلسطيني ومن هي الجهة المسؤولة عن تسرب المال الفلسطيني للأسواق المجاورة؟ وكيف يمكن التحرر من اتفاق باريس الاقتصادي الذي منح الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على كافة مفاصل الاقتصاد الفلسطيني؟ لقد بات الفلسطينيين رهائن للبنوك،وأصبح الراتب الشهري لا يتعدى ربع الراتب الأصلي الذي يذهب أصلا أقساطا شهرية للبنوك التي فتحت باب التسهيلات للقروض على المساكن والسيارات والمشاريع وغيرها من أوجه السيطرة على روافد الدخل الفلسطيني التي هي بالأصل لا تخرج عن إطار الراتب إذا ما استثنيا القلة القليلة المتحكمة في سوق المال والأعمال والعقارات في الوطن المسلوب. وأصبح من الطبيعي أن تسمع عن موظفا تقاضى دولارين أو ثلاثة من بقايا راتبه وهذا ما أكدته إحدى موظفات البنوك وهي تسرد قصة حزنها على الموظف الذي أخفى دموعه خلف ظهره ،وأصبح من الطبيعي أن تسمع عن تمني الكثيرين للهجرة الى الدول الأوروبية هربا من الحال الذي تفصفصه إمبراطوريات رأس المال في الوطن المحتلة أرضه ،وأصبح عاديا أن تسمع عن سفريات القادة والمسؤولين وان ترى كافة أشكال المواكب الرسمية تجوب شوارع الفقر والحاجة ،كما هو طبيعيا أن تسمع من مواطن بنى مسكنا واستدان من البنك أو اصدر شيكات مؤجلة بأنه لا يملك أجرة السفر من مدينة لأخرى،كما انه من الطبيعي أن ترى عشرات آلاف الدولارات تصرف على عدة ليال كرنفالية واحتفالية لمناسبة ثقافية أو فنية ممولة من عدة مؤسسات أجنبية. إذن هي الحالة الفلسطينية المستباح شعبها منذ الأزل لتبقى تحت مقصلة المستفيدين من الاحتلال وأوجه الاحتلال وسياساته ،وهي ذاتها الحالة نفسها التي تتمنى أن يبقى الانقسام الى ماشاء الله لتبقى مصالحها وغاياتها سارية المفعول الى اجل غير مسمى،وهي نفسها ربطات العنق الفاخرة التي تتنقل من مطار الى مطار على حساب أموال الشعب المنكوب تحت حجة دبلوماسية الضد،وهي نفسها التي جلست على الكراسي حتى إشعار آخر، فمتى تنتهي المعاناة الفلسطينية العامة سينتهي الاحتلال. عندها سينتهي الاعتماد على قنوات التمويل المشروط وعندها فقط ستنهار إمبراطورية الإشعار الآخر على استحقاق الجماهير فمتى تصحو الجماهير من غفوتها سيتبدل الحال وستعلن البنوك إفلاسها كما هي قيادات الابتزاز السياسي والاقتصادي التي تجيد لعبة التجويع لضمان تمرير سياسات التركيع.