الرئيس الموريتاني يحل بالمغرب في زيارة خاصة    الولايات المتحدة.. الاحتياطي الفدرالي يخفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة خلال 2024    الملك يعزي الرئيس ماكرون في ضحايا إعصار تشيدو بأرخبيل مايوت    ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟    ريال مدريد يتوج بلقب كأس القارات على حساب باتشوكا المكسيكي    برعاية مغربية .. الفرقاء الليبيون يتوصلون إلى اتفاق جديد في بوزنيقة    حجز آلاف الأدوية المهربة في مراكش    النقض يرفض طلب "كازينو السعدي"    وزير الخارجية الشيلي: العلاقة الشيلية المغربية توفر إمكانيات كبيرة للتعاون    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    الأمن يطلق بوابة الخدمات الرقمية    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    النقيب عبد الرحيم الجامعي يراسل عبد الإله بنكيران حول بلاغ حزبه المتعلق بعقوبة الإعدام    الرجاء يستجدي جامعة كرة القدم لمساعدته في رفع المنع من التعاقدات    مؤجلات الجولة 31 من الدوري الاحترافي .. الوداد ضيف ثقيل على الجيش الملكي بالقنيطرة والكوديم يتحدى نهضة بركان    تألق رياضي وتفوق أكاديمي للاعبة الوداد الرياضي سلمى بوكرش بحصولها على شهادة الدكتوراه    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    حزب العدالة والتنمية يواجه رئيس الحكومة بتهم تنازع المصالح بعد فوز شركته بصفقة تحلية المياه    مفوضة أوروبية: المغرب «شريك أساسي وموثوق» للاتحاد الأوروبي    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    زيان يسقط فجأة خلال محاكمته ويُنقل للإسعاف    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح        الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    المغرب يتجه نحو الريادة في الطاقة المتجددة... استثمارات ضخمة    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسطينيون بين معاناة المهجر ومعاناة المحشر
نشر في السند يوم 17 - 11 - 2010

ما بين معاناة المهجر ومعاناة المحشر تشكلت الشخصية والهوية الفلسطينية النضالية والمستقلة حتى أصبح الفلسطيني والمعاناة توأمين،إلا أن ما لم يكن واردا أن نصل لمرحلة يصبح فيها الفلسطيني يعاني على يد الفلسطيني قبل أن نصل لمرحلة الاستقلال والدولة.هذه المعاناة لا تندرج في إطار المعاناة الخلاقة الناتجة عن صراع الفلسطيني مع العدو ،معاناة واضطهاد الفلسطيني على يد الفلسطيني تسيء للشخصية والهوية الفلسطينية وتسيء لعدالتها وتوصيفاتها الأولى كحركة تحرر ،معاناة الفلسطيني على يد الفلسطيني باتت تنتج أعداء داخليين يحلون محل العدو الخارجي .
بسبب طول عهد الفلسطينيين مع الاحتلال والغربة باتت المعاناة من الاحتلال الصهيوني ومن الظلم والاضطهاد والإهانة من طرف الأنظمة التي يقيمون فيها، وما أبدعه الفلسطينيون من وسائل لمواجهتها ،باتت جزءا من الهوية والشخصية الفلسطينية .صقلت المعاناة بكل أشكالها الشخصية الفلسطينية حيث تُذكر الفلسطيني دوما بأنه فلسطيني بدون وطن وإنه إما شخص غير مرغوب به وضيف ثقيل أو أداة إنتاج ومصدر استثمار للبلد المضيف،وكل شعارات القومية والاشتراكية والإسلام لم تشفع له ولم تمنحه الحق بالعيش متساويا مع أبناء البلد الذي يقيم فيه ويرفع أي من هذه الشعارات،كانت المعاناة تدفع الفلسطينيين لمزيد من التآلف والتوحد وتعزز لديهم الانتماء لفلسطين والشوق للعيش فيها حتى وهي تحت الاحتلال.
لكل فلسطيني في الشتات تجربة مع المعاناة ،فإما أنه دخل معتقلا أو استدعاه الأمن للتحقيق أو مُنع من الدخول إلى بلد ما أو تم حجزه لساعات أو لأيام في المطارات وعلى الحدود البرية أو شعر بالتمييز بحرمان أبنائه من الدراسة أو العلاج في البلد الذي يقيم فيه وأحيانا يتم طرد الأبناء وفصلهم عن أسرهم عندما يبلغوا سن الرشد،وبالنسبة لفلسطينيي المحشر الصامدون على أرض فلسطين فمعاناتهم أشد ولكنها أكثر تأكيدا على الانتماء للوطن والتمسك بالحق، فأن يتعرض الفلسطيني للقتل أو الأسر أو هدم منزله أو مصادرة أرضه أو لإهانة الاعتقال والتحقيق والحواجز... فهذا أمر طبيعي وجزء من ديالكتيك الصراع مع العدو والفلسطيني مستعد لدفع هذا الثمن لأن هذا السلوك الصهيوني يؤكد بأن الفلسطيني يسير على الطريق الصحيح .
كنا وما زلنا مستعدين لدفع فاتورة الانتماء للوطن ،مستعدين لتحمل معاناة الغربة وتشتت العائلة ، مستعدين لتحمل معاناة الإهانة على المعابر والحدود ، مستعدين لتحمل معاناة الاحتلال والحصار بكل أشكالها،ولكن ما لم يكن يخطر على بال أن يصبح الفلسطيني يعاني على يد الفلسطيني .إنها لمصيبة كبرى أن تتشكل أجهزة أمن ومعتقلات فلسطينية داخل فلسطين المحتلة ،أجهزة أمن ليست مهمتها حفظ أمن الوطن والمواطنين في مواجهة العدو الصهيوني بل أجهزة مهمتها مراقبة ومطاردة المواطنين الفلسطينيين والتضييق على حرياتهم بما يخدم استقرار حكومة خاضعة للاحتلال وموجودة بمشيئته وعاجزة ليس فقط عن تحرير الوطن بل عاجزة حتى عن وقف عمليات الإذلال اليومي الذي تتعرض له من دولة الاحتلال ،فلا هي قادرة عن وقف الاستيطان وعمليات القتل والاعتقال في الضفة ،ولا هي قادرة على رفع الحصار وفرض السيادة والاستمرار في تهج المقاومة في قطاع غزة ،حكومتان بات شغلهما الشاغل كيفية إخفاء فشلهما في إنجاز المشروع الوطني وفشلهما في خياريهما – التسوية والمقاومة- من خلال التضييق على معارضيهم ومنتقديهم والبحث عن أعداء (وطنيين ) لتحميلهم مسؤولية فشلهم وعجزهم ،أجهزة وحكومات لا تعتقل وتطارد المجرمين والقتلة فقط ولا المسلحين والحزبيين المعارضين فقط بل كل صاحب رأي حر يفكر بعقلانية وبحسابات الوطن لا بحسابات الحزب والوظيفة والأجندة الخارجية .
هذه المعاناة الجديدة للمواطنين الفلسطينيين تُنتج مفاعيل متعارضة كليا لمفاعيل المعاناة من القوى الخارجية والمعادية،فإذا كانت ممارسات الأعداء تولِد معاناة تعزز الهوية والانتماء وتزيد من إحساس الفلسطيني بثقته بنفسه وبالعزة والكرامة ،فإن المعاناة المتولدة عن ظلم واضطهاد أجهزة الأمن الفلسطينية المحكومة بعقد نقص متولدة من قمع الاحتلال لها ،هذه المعاناة تشكل إهانة للفلسطيني وجرحا لكرامته وعلى المستوى العام تسيء للهوية والشخصية الوطنية وتزيد من تمزق الشعب الفلسطيني واستبعاد فرص المصالحة والوحدة الوطنية.
يبدو أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ليس فقط فاشلة وعاجزة بالمفهوم الوطني ولكنها لا تخلو من جهل سياسي، الأنظمة السياسية الديمقراطية تحتاج للمعارضة وقد قال سياسي أوروبي ( لو لم تكن معارضة لخلقناها) وهذا إيمان بأهمية المعارضة وحرية الرأي وحاجة الأنظمة لان ترى الصورة الأخرى من ممارساتها وهي صورة لن تراها من خلال الكتبة المأجورين والمنافقين أو من خلال إعلامها وأتباعها ،بل ستراها من خلال كتابات المفكرين والمثقفين الذين ينظروا إلى المشهد السياسي بكليته ،وأن تزعم السلطة ،أية سلطة، بأنها ديمقراطية وجاءت عن طريق صناديق الانتخابات فإن فلسفة الديمقراطية تقوم على حق الأغلبية بالحكم وحق المعارضة بان تمارس حقها بانتقاد ممارسات الحكومة القائمة والتعبير عن نهج وتصور بديل ،من حق المعارضة والمستقلين امتلاك الحرية في توصيل تصوراتهم للجمهور بكل الوسائل الشرعية والسلمية كما هو منصوص عليه في الدساتير.
يوم الأربعاء 10/11 توصلت باستدعاء من الأمن الداخلي لحكومة حماس في غزة يطلب فيها حضوري لمقرهم في مجمع أبو خضرة في الساعة العاشرة صباح الخميس،ولأنني لست من الباحثين عن البطولات ولا من أصحاب التضخيم والإشهار والتشهير فقد انصعت للطلب وذهبت في الموعد المحدد ،وبعد أن تركوني انتظر لساعة على البوابة مع الحراس أدخلوني لأحد المسئولين ولطوال ساعة ونيف ونحن نتحدث عن السياسة ووضحت له موقفي وتصوراتي ،وفي نهاية الحديث الذي تخلله فنجان قهوة وشيئا من الصراحة طلب مني مسئول الأمن التعهد بعدم انتقاد حركة حماس وحكومتها وعدم التشهير بهما لا كتابة ولا عبر وسائل الإعلام فرفضت ذلك كما رفضت التوقيع على تعهد مكتوب بهذا الشأن موضحا له أنني كاتب حر مهمتي الكتابة منذ ثلاثين عاما ،نعم أنا معارض لحركة حماس ونهجها ولكنني لست عدوا لحركة حماس أو لحكومتها ، أنتقد الخطأ أيما كان مصدره سواء من حكومة غزة أو حكومة الضفة ،من فتح أو من حماس ،وأدافع عن الإيجابيات أيما كان مصدرها ،وإن لم أكتب أنا ككاتب فلسطيني عن المشهد السياسي بكل تفاصيله وأوثقه فمن سيكتب عن الحالة الفلسطينية؟وهل نترك للصحف والمحطات الإسرائيلية لتكتب وتحلل الوضع الفلسطيني ؟أم نترك الكُتاب والصحفيين العرب والأجانب ليكتبوا عن قضيتنا ؟ وعندما أصررت على رفض التوقيع تركوني جالسا في غرفة ذكرتني بمثيل لها في مراكز اعتقال أجهزة الأمن العربية ،وبقيت حتى الساعة الرابعة مساء حيث أعادوا لي هاتفي الخلوي مع استدعاء جديد بالعودة لهم يوم الأحد.
إن هكذا ممارسات تدفعني وتدفع كثيرين غيري للكتابة بمزيد من الإصرار عن الوضع الداخلي بدلا من التفرغ للكتابة عن الاحتلال وممارساته .هذه الممارسات – وليست هذه تجربتي الأولى مع الأمن الداخلي لحماس -لا تفيد حركة حماس وحكومتها،ومع افتراض أن حركة حماس تتعرض للتشهير ومحاولات لمحاصرتها أو للقضاء عليها فإن مواجهة هذا المخطط لا يكون بكسب مزيد من الأعداء والتضييق على الحريات بل بمصالحة وطنية شعبية ولو على مستوى القطاع بحيث تتصالح الحركة مع الشعب ،مع معارضيها قبل مؤيديها ،من سيحمي حماس من العدوان والتآمر عليها كما تقول ليس السلاح وقمع الحريات ولا ارتباطاتها الخارجية بل الشعب ،حب الشعب وثقته،إن من لا يستطيع التصالح مع الشعب في القطاع الذي يمثل سكانه سُبع الشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يتصالح مع كل الشعب، فبالأحرى أن يدعي أهليته لقيادة الشعب،وإذا كانت حكومة غزة حكومة منتخبة ديمقراطيا فإن من شروط واستحقاقات الديمقراطية حرية الرأي والتعبير ،من حق حكومة غزة كحكومة أمر واقع أن تعتقل وتحاسب من يخرج عن القانون الفلسطيني ولكن ليس من حقها أن تُوقف وتَعتقل وتُهين من يخالفها الرأي، لم نسمع عن حكومة سواء ديمقراطية أو غير ديمقراطية تطلب من المعارضين والكتاب والمثقفين التوقيع على تعهد بعدم انتقاد الحكومة والحزب الحاكم.
لو كانت الحالة الفلسطينية صحية وسليمة لكان من الممكن الكف عن الحديث في السياسة أو اقتصرت كتاباتنا عن الإنجازات المُبهِرة لحكومتي الصفة وغزة،ولكن في ظل أوضاع هي الأسوأ في تاريخ قضيتنا وفي ظل حالة الانهيار والتيه السياسي يصبح من حق كل صاحب قلم وطني حر أن يكتب ويحلل ويبحث عن مخارج للأزمة في إطار المصالحة والوحدة الوطنية وتجاوز أخطاء وسلبيات الماضي وتدشين عهد جديد من العمل السياسي.
‏13‏ تشرين الثاني‏ 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.