شيع مئات الآلاف من أتباع ومؤيدي جماعة العدل والإحسان الإسلامية المغربية جنازة مؤسس الجماعة ومرشدها الروحي الشيخ عبد السلام ياسين الذي توفي أمس الخميس. حيث اجتمعت وفود المواسين والمعزين والمشيعين والمودعين في بيت الشيخ ياسين ليلقوا على جثمانه نظرة الوداع، وليحملوه في مسيرة من المشيعين من حي السفراء حيث بيت الإمام في اتجاه مسجد السنة بالرباط. وتوافدت الحشود المكونة من رجال ونساء من جميع الأعمار منذ صباح يوم الجمعة 14 دجنبر الجاري على المسجد وسط العاصمة الرباط والمحاذي للقصر الملكي لأداء صلاة الجنازة على الشيخ ياسين، وسط حضور أمني مكثف. ونقل جثمان الشيخ ياسين -الذي توفي صباح الخميس عن عمر يناهز 84 عاما- بعد انتهاء الصلاة ليتم دفنه في مقبرة الشهداء المقابلة لشاطئ الرباط، وسارت جنازة الشيخ ياسين -الذي ينحدر من قرية أمازيغية في جنوب المغرب ونشأ في مراكش- في موكب مهيب بشوارع الرباط يتبعها عشرات الآلاف من أتباع الجماعة بعد أن منعتهم السلطات من المرور بالشارع الرئيسي في العاصمة. وبعد إتمام مراسم الدفن، ألقى عضو مجلس الارشاد الأستاذ محمد عبادي عظة بليغة، ذكّر فيها بالله تعالى، وبالموت المقدَّر على عباده، ودعا إلى الإكثار من ذكر الموت والاستعداد للقاء الله تعالى، وذكّر بمناقب الشيخ ياسين وسيرته التي اقتفى فيها منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في كل شأنه، في سلوكه إلى الله تعالى، وفي دعوته إلى معرفته سبحانه، وفي جهاده من أجل النهوض بالأمة من وهدتها السحيقة. كما ذكّر عبادي الذي صاحب ياسين لأكثر من 35 سنة ، بسعة صدر الشيخ عبد السلام ياسين، وبرحمته حتى بمن ظلمه، ودعا جموع المؤمنين المشيعين إلى الاقتداء بهذا الإمام ارتباطا بكتاب الله تعالى، القرآن الكريم، آناء الليل وأطراف النهار، تلاوةً وحفظا وعملا. غياب وعلى الرغم من المشاركة الشعبية الحاشدة غاب الحضور الرسمي عن الجنازة، باستثناء مشاركة مصطفى الرميد وزير العدل والحريات ،الأمر الذي اعتبره مراقبون "دليلا على عدم استعداد السلطات للتخلي عن خلافاتها مع الجماعة أو فتح صفحة جديدة معها". وعرفت الجنازة مشاركة اعضاء مجلس الارشاد وقيادات من الجماعة ووجوه سياسية وفكرية وفنية واسلامية وطنية ورموز حركات اسلامية من داخل وخارج المغرب . وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط منار السليمي لرويترز "هذا يبين أن الدولة قدمت إشارة سياسية بأنها ستتعامل مع الجماعة بنفس طريقة معاملتها لها في حياة عبد السلام ياسين، هذه رسالة سياسية". وعن مستقبل الجماعة بعد وفاة ياسين، قال السليمي في اتصال هاتفي لرويترز"رغم أن الجماعة قوية تنظيميا لكن من الصعب أن تستمر بنفس الشكل الذي كانت عليه تحت زعامة عبد السلام" . وأضاف أن الشيخ ياسين "سيتحول إلى تراث فكري، والصراع الموجود في الجماعة لم يكن ليبرز في عهد ياسين وهو الصراع بين التربوي والسياسي في الجماعة، هناك قاعدة كبيرة من الشباب في الجماعة لها نزعات سياسية ستحاول أن تضغط لتدفع بالجماعة كي تصبح سياسية أكثر منها تربوية". ولم يتضح من الذي سيخلف الشيخ ياسين الذي سجن عدة مرات لمعارضته الملكية، ويتوقع محللون صراعا بشأن التوجه المستقبلي للجماعة. مواقف واشتهر الشيخ ياسين الذي أسس الجماعة عام 1981 برسالة وجهها إلى ملك المغرب الراحل الحسن الثاني بعنوان "الإسلام أو الطوفان". فقد نصح ياسين الملك في تلك الرسالة ب"التوبة إلى الله وأن يختار الإسلام وإلا فسيكون الطوفان"، الأمر الذي دفع الملك إلى إيداع الشيخ ياسين مستشفى الأمراض العقلية ووضعه بعد ذلك رهن الإقامة الجبرية. كما تعرض العديد من أعضاء الجماعة للاعتقال والملاحقات القضائية بسبب أنشطة الجماعة التي ترفض السلطات الترخيص لها كما ترفض الجماعة المشاركة في الحياة السياسية وتنبذ العنف السياسي. وكانت جماعة العدل والإحسان إحدى المكونات الرئيسية لحركة 20 فبراير الاحتجاجية التي طالبت بإصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد، وأدت إلى تبني دستور جديد في يوليو/تموز 2011 تنازل بموجبها الملك محمد السادس عن جزء من صلاحياته الواسعة. وظلت الجماعة نشطة داخل الحركة بعد تبني الدستور وفوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية بالانتخابات البرلمانية للمرة الأولى في تاريخه، ثم أعلنت انسحابها من الحركة التي خفتت مسيراتها ووقفاتها مع كثرة اعتقال نشطائها. وتظل جماعة العدل والإحسان الإسلامية نشطة على المستوى الاجتماعي، خاصة في الأحياء الشعبية وعن طريق الجمعيات الخيرية التي ينتمي إليها نشطاؤها. ويهدف مشروع الجماعة غير المعترف بها قانونيا من طرف السلطات المغربية إلى إقامة دولة الخلافة، وترفض في الوقت نفسه اللجوء إلى العنف لتحقيق أهدافها. ولا تعترف الجماعة في جوهر مذهبها للملك محمد السادس وقبله والده الراحل الحسن الثاني بشرعية "إمارة المؤمنين في المغرب"، وهو ما يشكل نقطة الاختلاف الأساسية بينها وبين حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود التحالف الحكومي الحالي. شاهد صور تشييع جثمان الشيخ عبد السلام ياسين عدسة عادل اقليعي