منذ أن سرت حرارة الحياة في وعيي و تفتحت عيناي في هذا البلد الجميل الحزين، و أنا أتابع بأعين مشدوهة و فم مفتوح مسلسل الغزو الفرنسي في مختلف مناحي حياتنا، حدثنا أجدادنا و آباؤنا كثيرا عن جرائم الفرنسيين و فظاعاتهم التي ارتكبوها في حق شعبنا، حدثونا عن المذابح و عن المقاومة و الاغتيالات و عن.. و عن.. فارتسمت في أذهاننا صور سيئة عن "خالتي فرنسا" القاسية القاتلة، و تمنينا لو كنا كبارا حينها لنرد الصاع صاعين لهذه الظالمة، و لكن ما لم نفهمه فيما بعد و نحن نشب عن الطوق هو حجم هذا الحب الذي تمنحه بلدي لهذه "الخالة"، الخالة التي يبدو أنها خرجت من الباب لتدخل من النافذة، و تفعل كل ما يحلو لها، برأس متعالية و إحساس مترفع، فرنسا التي لازالت أياديها ملطخة بدماء أهالينا تصر على أن تتدخل في كل شيء بفضل جيوش العملاء الذين كونتهم في مدارسها و جامعاتها فصاروا موالين لها يعملون على نشر أفكارها و الدفاع عن مصالحها، فلا شيء غير فرنسا و كأنها جنة الله على الارض، و لا فكر إلا الفكر الفرنسي و كأنما لا يأتيه الباطل من أية جهة، و ما كان للرياضة باعتبارها جزءا اساسيا من حياة الشعب أن تفلت من هذا الأخطبوط الاستعماري الذي لف أذرعه بشكل جيد على مدى عشرات السنين على رياضتنا خاصة كرة القدم بمختلف منتخباتها و فرقها، و هكذا لم يكن مسؤولونا لم يكونوا يضعون ثقتهم غالبا إلا في الفرنسيين الذين يظهرون في أعينهم ملائكة منقذين، و ظلوا حريصين على زرع كراسي المسؤوليات الحساسة تحت مؤخراتهم التي سمنت في المغرب، و لا يبدو الحديث عن أي تغيير في هذه السياسة أمرا متاحا في الظروف الحالية. إن مشاعرنا التي يفترض بنا أن نحتفظ بها لفرنسا هي مشاعر سلبية متجهة نحو اليسار، و مع ذلك نجد أنفسنا مجبرين على الخضوع لها و لفكرها الذي يتسرب كغازات مميتة من أكثر من منفذ، في الوقت الذي نتغافل فيه عن تيارات نافعة تهب علينا من بلدان مشاعرنا اتجاهها محايدة على الأقل، و لنا في التجربة الآسيوية خير مثال، فالعملاق الآسيوي الذي انبعث من قمقمه و أبهر العالم خاصة خلال مونديال 2002 بكوريا و اليابان يستحق أن نتعلم منه و لو قليلا، سواء على مستوى التدير و التسيير أو على مستوى التأطير و العمل القاعدي، و لا أعتقد أن النتائج ستكون مخيبة طالما ان تقليد الناجح نجاح، بالطبع لا أدعو إلى التبعية و لا إلى التقليد الاعمى، و لكن ادعو إلى الانفتاح على "الآخرين" و الاستفادة من تجاربهم، عوض الاقتصار على نموذج ليس بالضرورة هو الأحسن و الافضل دائما.