عبد المجيد محمود.. عينه مبارك وأقاله مرسي (الفرنسية) بقدر الشعبية والإجماع على التأييد الذي حظي به قرار الرئيس المصري محمد مرسي بإقالة قيادات الجيش في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، كان الانقسام والضجة التي أحدثها قراره الأخير بإعفاء النائب العام المستشار عبد المجيد محمود من منصبه، وتعيينه سفيرا لدى الفاتيكان. وقبل قرار الإقالة بحوالي أسبوعين انتشر على عدد من المواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، خبر يفيد بإقالة محمود وتعيين المستشار زكريا عبد العزيز -الرئيس السابق لنادي القضاة- بدلا منه، وذلك خلال وجوده في ألمانيا في رحلة علاجية، لكن تم تكذيب الخبر الذي اعتبر حينها "بالونة اختبار". القرار الذي اتخذه مرسي -بعد مرور يوم على قرار محكمة جنايات القاهرة بتبرئة المتهمين في "موقعة الجمل"- ليس جديدا في تاريخ القضاء المصري، والأقرب إلى الذاكرة بهذا الشأن القرار الذي سبق أن اتخذه الرئيس المخلوع حسني مبارك في يوليو/تموز 2006 بإقالة المدعي العام المستشار ماهر عبد الواحد وتعيين عبد المجيد محمود بدلا منه. ربما يكون المستشار عبد المجيد محمود الرجل الوحيد صاحب المنصب الرفيع الذى تم تعيينه في عهد مبارك ولم يتم تغييره أو الإطاحة به بعد ثورة 25 يناير، على الرغم من أن ذلك كان مطلبا للمشاركين في الثورة، وذلك لطبيعة هذا المنصب الحساس الذي يكتسب حصانة من العزل أو الإقالة، حيث لا يبعده عن منصبه شيء سوى الوفاة أو بلوغ سن التقاعد أو تقديم استقالته بمبادرة منه شخصيا، وذلك وفقًا لما تنص عليه المادة (119) من قانون السلطة القضائية الحالي، وثمة انقسام قانوي في تفسيرها. لكن ما طبيعة المنصب، ومن المستشار عبد المجيد؟ حساسية المنصب النائب العام هو رأس الهرم في تراتبية جهاز النيابة العامة، وسمي بهذا الاسم لأنه ينوب عن المجتمع في تحريك الدعوى الجزائية والادعاء فيها أمام المحكمة المختصة، ويوكل في ذلك إلى مجموعة من الأشخاص يسمون وكلاء النائب العام أو وكلاء النيابة. يتبع النائب العام جهاز كامل يسمى النيابة العامة، وهي شعبة من شعب القضاء تضم محامين عموم ورؤساء نيابة ووكلاء نيابة ومساعدين ومعاونين، وجميعهم يمارسون وظائف قضائية وإدارية متصلة بجهاز النيابة. وطبقا للقانون المصري فإن النائب العام هو صاحب الدعوى الجنائية، وهو النائب العمومي المختص بالدفاع عن مصالح المجتمع، وأي جريمة تقع على أرض مصر أو خارجها، ويكون أحد أطرافها مصريا، يحق للنائب العام تحريك الدّعوى الجنائية فيها. وباعتماد تعديل قانون السلطة القضائية عام 2006، أصبح النائب العام غير خاضع لسلطة وتبَعية وزير العدل، وإنما لرئيس الجمهورية مباشرة. وبينما رأى بعض القانونيين أن هذا التعديل جعل المنصب يتحرر من التبعية لوزارة العدل، يرى المنادون بإصلاح القضاء أنه حتى يكون النائب العام أكثر تحررًا يجب ألا يتم اختياره مباشرة من قبل رئيس الدولة، ويطالبون بأن يكون اختياره عبر القضاة أنفسهم من خلال ترشيح الجمعيتين العموميتين لمحكمتي النقض والاستئناف، لثلاثة أسماء ترفع لرئيس الجمهورية ليختار واحدا منهم لتعيينه في هذا المنصب الرفيع. سيرة ولد عبد المجيد محمود عام 1946 وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1967. عمل معاونا للنيابة عام 1969، وتم تعيينه رئيسا للنيابة عام 1979. عمل محاميا عاما عام 1985، ثم عين رئيسا لمحاكم استئناف القاهرة عام 1992. انتُدب وكيلا أول لإدارة التفتيش القضائي في النيابة العامة عام 1993، وتم تعيينه نائبا عاما مساعدا لنيابة استئناف القاهرة عام 1996، ثم تولى سلطة النائب العام بالقرار رقم 225 لعام 2006 والصادر من رئيس الجمهورية في 1 يوليو/تموز 2006. دخل عبد المجيد محمود العمل العام عندما تم انتخابه عضوًا بمجلس إدارة النادي الأهلي في الفترة من 1980 وحتى 1984، وكذلك الفترة من 1998 وحتى 1992، ثم تم تعيينه من قبل الجهة الإدارية عضوًا بمجلس إدارة النادي الأهلي في الفترة من عام 1992 حتى 1996، ومن عام 96 حتى عام 2000. تباين تتباين آراء قطاعات من المصريين في شخصه، فالمدافعون عنه يرون فيه شخصا جريئا، قوي الشخصية، يصر على استخدام ما منحه إياه القانون من سلطات وصلاحيات واختصاصات. ويستشهدون في هذا الرأي بعدد من القرارات اتخذها في قضايا رأي عام، مثل "رشاوى مرسيدس" و"غرق العبارة" و"بيع التراث الغنائي المصري" و"مقتل الشاب خالد سعيد" و"شحنة القمح الفاسد" و"توريد أكياس دم فاسدة" و"المرأة الحديدية هدى عبد المنعم" و"ألف ليلة وليلة". على الجانب الآخر يُذكّر الرافضون لعبد المجيد محمود بما اشتهر به أيام مبارك من كونه أكثر محامي العموم تعاونًا مع جهاز مباحث أمن الدولة سيئ السمعة في عهد الرئيس المخلوع. ومن ثم تواصلت مطالبات القوى الثورية والسياسية والحزبية بإقالته، كما تظاهر عدد من ممثلي الإسلام السياسي أمام دار القضاء العالي للغرض نفسه بدعوى أنه كان يتواطأ مع رموز النظام السابق، وينأى عن إحالتهم للمحاكمة في التهم التي طالتهم عقب إسقاط النظام. بلغ التعبير عن هذه المطالب الشعبية ذروته في 27 فبراير/شباط الماضي، حيث حكم على عبد المجيد محمود ب"الإعدام شنقا" في المحاكمة الشعبية التي أقامتها بعض القوى السياسية في ميدان التحرير، بتهمة إفساد الحياة السياسية.