أعلنت وزارة الاتصال بالمغرب قبل أيام عن أسماء لجنتين استشاريتين، إحداهما مكلفة بإعداد الكتاب الأبيض حول السينما، ويرأسها الباحث والوزير السابق الأستاذ عبد الله ساعف، والثانية من أجل إخراج مدونة للصحافة. إعلان شكل للوزير الشاب والطموح مصطفى الخلفي ومن حظي بشرف التعيين بهما، خاصة الثانية التي ترأسها الصحفي والمؤرخ العربي المساري، استمرارا في ورش الإصلاح الذي بدأته حكومة "الربيع العربي" بالمغرب في قطاعات متعددة من جهة أولى، وإقصاء لصوت ورأي الكثير من "الصحافيين" الذين يتخذون من الأنترنيت دعامة لعملهم "الصحفي" من جهة ثانية. إذن فهل أصابت الوزارة أم أخطأت في منهجية التعيين هاته؟ أم إن اللجنتين استحضرتا كل الحيثيات الفكرية والمهنية المهتمة والممارسة بشكل يومي ودائم؟ وهل تخلصت الوزارة من هاجس التراضي الذي كان حاضرا في الأداء الحكومي السابق؟ وما وجاهة الرأي القائل بضرورة تمثيل "الصحفيين الإلكترونيين" بلجنة المساري؟ سيقول قائل: كيف للجنة استشارية يرأسها وزير سابق ويتألف أعضاؤها من الأكاديمي والحقوقي والجامعي والصحفي (التقليدي) والنقابي والمحامي والخبير الجنائي ... أن تقبل في عضويتها مدون مشاغب أو صحفي إلكتروني مناضل لم يتخرج من إحدى المدارس أو المعاهد المتخصصة في الإعلام؟ أقول: استراتيجية البناء للمستقبل تتطلب مشاركة الجميع، منظرين وممارسين، يستوي فيها المدير والحارس، الطبيب والممرض، مصمم الأزياء وماسح الأحذية ... ولنا في تجارب التربية والتعليم، والصحراء المغربية، والأمازيغية، والنقل ... خير مثال على عدم اكتمال نجاح مشاريع اللجان التخصصية التي يقتصر تعيينها على الخبراء والباحثين دون استحضار للبعد التشاركي في كليته. شيء جميل أن يكون باللجنة كل ذلك الطيف، لكن غير الجميل هو أن يحضر كل هؤلاء ولا يستدعى ولو مهندس أو خبير معلوميات أو صحفي إلكتروني !!؟ فالريبيرتوار المغربي غني بالكفاءات التي يستحيل معها القبول بتغييب طرف أساسي في المعادلة بدعوى الأكاديمية. إضافة إلى الصدى الإيجابي الذي كان ستخلقه تمثيلية للصحفيين الذين يشتعلون في "الأون لاين" على الصعيد المحلي والدولي. أنا لست هنا لأدافع عن أداء الصحافة الإلكترونية بالمغرب، فحال غالبها يغني أي مقال، وقد عبرت عن ذلك في وجهة نظر شخصية بعنوان: "الصحافة الإلكترونية بالمغرب، بين المشروعية وسؤال المهنية". لكن هناك فرق بين الأداء المبني على تراكم التكوين والتأطير والاحتكاك والتجربة ...، وهي أشياء تتحكم الدولة جزء كبير من ضعف منها، وبين الاستماع والإشراك في تنزيل مشاريع قوانين يغيب عن أجرأتها من سيكون تحت ناصية أحكامها !!! فلو استطاع المسؤولون استحضار هذه الفلسفة في الاختيار لكفت ميزانية الدولة الملايير جراء ما تشهده قطاعات مهنية واسعة من اضرابات نقابية واجتماعية، كان بالإمكان تلافيها لو فُتح بين الجميع نقاش هادئ دون إقصاء أو صم للآذان أو تغشية للعيون ... هذا مع العلم أن الجسم الصحفي الإلكتروني بالمغرب لا زال بدوره يعرف ثقوبا في شرايينه ومصاعب في هضم قاعدة البقاء لله ... فكان من أعراض هذه الأمراض فقدان المسؤولين للثقة في الإلكترونيين وتغييبهم عن العضوية بلجنة إعداد مدونة الصحافة. وأخيرا نتمنى أن لا يأتي يوم نقول فيه عن مدونة الصحافة بالمغرب: "من الخيمة خرج مايل". نتمنى أن تستحضر مدونة الصحافة تطلعات الجميع ... نتمنى الأفضل. ** صحفي وباحث في الدراما الوسائط المتعددة [email protected]