من بين الحسنات الكثيرة للأنترنيت أنه فتح مجالا لرواد الحرية في الإبداع والفكر والسياسة والفن ... وفي كل ميادين الإنتاج البشري، لكي يعبروا عن آرائهم وأحاسيسهم وانطباعاتهم دون تضييق أو تشويش، أو انتظار آليات التواصل القديمة من طباعة ورسالة وغيرها. ومكنتهم كذلك من تجاوز من انحصرت رؤيته في ظله، ومن لا يتسع بؤبؤ عينه للرؤية المستقبلية الواضحة، ويحُول ضيق حنجرته دون ابتلاع الرأي المخالف. لذا فإني أضع بين يدي القارئ هذه الأسطر، التي تبلورت وأنا أودع قبل أيام فعاليات المؤتمر الوطني الأول للرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية، وهو التنظيم الأبرز الذي يجمع أكبر عدد من المنخرطين في هيئة مدنية تسعى لتجميع من يرون في أنفسهم "صحفيين" إلكترونيين. ملتقى استطاع، رغم بعض الهَنَّات والنقائص الموضوعية والذاتية، أن ينجح في إثارة نقاش داخلي كبير لدى فئة طموحة تتطلع لمستقبل مهني كبير. لذا فإني لا أجد مساحة ولا مجالا أكبر من الأنترنيت للتعبير عن الأسئلة النقدية الممزوجة بحالة القلق التي ظلت تحاصرني طيلة أيام المؤتمر، ولم أسطع التعبير عنها بالقدر الكافي، نظرا لما سقناه في بداية هذا المقال. إذن فهل حسن النية والطموح الذين عبر عنهما المؤتمرون كافيين لمنح صفة المهنية والاحترافية لجل حاملي شارة مؤتمِر؟ وما مدى قدرة "الصحفيين" الإلكترونيين المشاركين بالمؤتمر في استيعاب هذه المرحلة التاريخية؟ وهل فعلا المؤتمر يمثل الشريحة المهنية الحقيقية للمشتغلين في الصحافة الإلكترونية؟ وما السر في غياب التغطية الإعلامية للمواقع الإخبارية المهمة لنشاط المؤتمر؟ والتي اكتفى أهمها بإعادة نشر محتشمة لتغطية وكالة المغرب العربي للأنباء « MAP ». وفي المقابل لوحظ وجود متابعات من طرف مجموعة من الصحف الإلكترونية البارزة لمؤتمر اتحاد كتاب المغرب ... !!! وهي رسالة واضحة للمؤتمر لا تحتاج إلى شرح أو تبسيط، وإنما لسعة صدر الجميع لتقبل النقد، وفتح قنوات التواصل الصحفي-الصحفي في جو هادئ ومسؤول. الرابطة ورهان الشراكة من بين منجزات الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية خلال المرحلة السابقة على محطة المؤتمر تحقيقه لعلاقات تشاركية مهمة مع مجموعة من الفاعلين الجمعويين والإعلاميين المغاربة والعرب، وهو شيء ساهم فيه بشكل كبير رئيسها بشهادة الجميع. وكان من أكبر الإشارات على ذلك حضور ومشاركة الرابطة في اليوم الدراسي التي نظمته وزارة الاتصال في ربيع السنة الجارية بمقرها بالرباط حول الصحافة الإلكترونية بالمغرب. بالإضافة إلى إشارات أخرى حملت بها فعاليات المؤتمر الأخير، كان أهمها الاحتضان الجميل من طرف منظمة الإسيسكو لهذا النشاط التنظيمي، وتوقيعه معها لشراكة تعاون لمدة أربع سنوات مقبلة، وكذلك إصدار الدراسة الميدانية حول الصحافة الإلكترونية بالمغرب، والتي سهر على إعدادها ثلاثة أعضاء من المكتب التنفيذي للرابطة بدعم من المنظمة دائما، ناهيك عن هيئات أخرى تتطلع لمد جسر التواصل مع صحافة الحاضر والمستقبل ... القريب طبعا ... دون ذلك فالبعيد يكتنفه الغموض. على هذا الأساس، فهل تستطيع الممارسة الإلكترونية بالمغرب تجاوز التنظيم وبناء تراكم مهني منافس؟ سؤال المهنية والاحتراف؟ ركز وزير الاتصال مصطفى الخلفي في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر على ثنائية الكم والمضمون في النشر الإلكتروني، وهي مسألة مهمة ولها دلالتها في تقييم الأداء المهني لرواد الأنترنيت بالمغرب عموما، ومن يختارون مهنة المتاعب ونشر الخبر عبر دعامة الأنترنيت بشكل خاص، حيث اعتبر أن المحتوى لا يرقى إلى العدد الهائل لرواد النت بالمغرب، مما ينعكس سلبا على صورة الصحافة الإلكترونية التي يتخرَّج أغلب "صحافيوها" من تجاربهم الإلكترونية الشخصية، ثم شق مسار مهني فيما بعد ... والنتيجة يعلمها الجميع؟ إن سؤال المهنية والاحترافية التي يدعو إليها مشروع الورقة التنظيمية لمؤتمر الرابطة لا يتناسب ومستوى النقاش الذي حصل بالمؤتمر حول مفهوم الصحفي الإلكتروني، فنجد أنها تعرف الصحفي الإلكتروني بما يلي: "الصحافي الإلكتروني هو من يعمل أو ينشر بشكل منتظم في موقع أو مواقع إلكترونية مهيكلة بشكل قانوني، ويحترم أخلاقيات المهنة والقوالب الصحافية المختلفة وينسجم مع آليات الإعلام الإلكتروني"، وبالتالي فإننا نلاحظ في هذا التعريف أنه لا يتطرق لعنصري التكوين والكفاءة بشكل صريح، مما يعني أن هذا المفهوم بقي محصورا ضمن تصور أغلب المؤتمرين أنفسهم، الذين أسقطوا تقييمهم ل"مغامراتهم" الإلكترونية الشخصية على نظرتهم المستقبلية للقطاع، رغم ما يمكن أن يُبَرَّر بأن مجموعة من الصحفيين نجحوا في الإعلام دون حصولهم على شواهد من المعاهد والمؤسسات التعليمية المختصة، وهو تعليل يدعو إلى الهواية أكثر منه إلى الاحتراف، وإلى فتح الباب أمام المتطفلين عوض وتحصينه، ويزكي هذا الرأي أن أغلب الزملاء الحاضرين ظلوا مرتهنين بالهاجس المشروع المتمثل في الحصول على بطاقة الصحفي، التي تحقق المشروعية القانونية فقط، دون التطلع للمستقبل والتفكير في تأطير 16 مليون مبحر عبر الشبكة العنكبوتية في المغرب، وهي نسبة لا تتناسب مع قيمة وجودة ما يبث من إنتاجات، وما يروج من مواضيع وقضايا من حيث القيمة الإبداعية. واستطاع المؤتمر الوطني الأول للرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية، رغم كل ما سقناه في هذه المقالة، أن يفتح نقاشا مهما وجريئا بشكل غير مباشر حول مستقبل بعض الدعامات الإعلامية الأخرى كالصحافة الورقية مثلا، ومدى قدرتها على التفاعل مع المستجدات التقنية الجديدة، بعيدا عن النظرة الاستعلائية المتشنجة. وأخيرا، فإلى أي حد تمكنت الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية من تشكيل قاعدة بشرية قوية بإمكانها تحمل مسؤولية الرفع من مستوى الأداء الصحفي الإلكتروني؟ حتى لا نصبح في يوم من الأيام أمام شكل من أشكال "البلقنة" الإعلامية لا أقل ولا أكثر، على غرار ما وقع في باقي الهيئات والنقابات المهنية، من تعدد في الأسماء واستنساخ للتجارب. والتي بدأت، للأسف، تبرز بعض ملامحه ..... نتمنى الأفضل ** صحفي وباحث المقال عبارة عن وجهة نظر على هامش المؤتمر الوطني الأول للرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية. [email protected]