جاء في عدد المساء أمس الثلاثاء 2 اكتوبر الجاري في خانة "سري للغاية" أن وزارة الأوقاف أخذت من الحجاج توقيعات بعدم التظاهر في أيام الحج. في هذه السنين الأخيرة، توالت احتجاجات ضيوف الرحمن من المغاربة داخل المطارات على التأخرات الغير مبررة لمواعيد الطيران، من غير إشعار، ودون نقل المسافرين إلى فنادق، أو حتى إطعامهم كما تفرض ذلك قوانين المطارات، ووصل الأمر أحيانا إلى المبيت جوعا وفي العراء ولأكثر من يوم وليلة كما وقع السنة الفارطة، وكما وقع في عمرة رمضان لهذه السنة في مطار جدة.كما حتج المسافرون المغاربة عدة مرات على غياب وسائل النقل التي تؤمن التنقل مابين الحرم المكي والحرم المدني، وما بين الحرم المدني ومنى وعرفاة والمشعر الحرام، مما قد يهدد بضياع ركن من أركان الحج وبالتالي بطلانه. إن الإحتجاج من أجل توفير النقل بكل أنواعه وشروط ذلك لإتمام أركان الحج له ألف مبرر. ولا مجال للوزارة لمنعه للتغطية على تهاونها وعجزها. أما المرافق الأخرى كالصحة وغيرها من الخدمات اليومية إضافة إلى الإستشارات الدينية فلم نسمع يوما أن المغاربة قد احتجوا حولها ... "الله يجعل البركة في بلادات الناس" ... فلولا خدمات الدول الأخرى لبقي المغاربة تائهين بين الأمم فاغرين أفواههم أمام التنظيم الرائع الذي تميزت به العديد من الدول خصوصا الدول الأسيوية وتركيا. وزارة الأوقاف تفرض على الحجاج توقيع التزام بعدم التظاهر !!.. لعلها فتوى تحت الطلب. فتوى تعتبر الإحتجاج من نواقض الحج. وإلا فإن الدستور المغربي بل كل القوانين وكل الشرائع التي تحترم الإنسان وتحترم نفسها لن تجرأ على منع الإنسان من المطالبة بحقه الضائع. في حين لم تجد وزارة الأوقاف أي فتوى تدين الأثمنة المرتفعة التي يؤديها المغاربة الحجاج شهورا عديدة قبل موعد السفر، مقابل خدمات رديئة كالغرف المختلطة "رجال ونساء" والإكتضاض : ستة أشخاص في غرف لا تتسع لأكثر من شخصين أو ثلاث كما نسيت وزارة الأوقاف أنها مطالبة برعاية ضيوف الرحمان بما يليق بالضيف الكريم والمضيف سبحانه، واستقبلتهم بالتهديد والوعيد والإلتزام المكتوب بدل الإستماع لحاجياتهم وخصوصيات مريضهم وشيخهم. قد نتفق حول ما سبق، وقد نختلف، لكن ما معنى أن يوقع الحاج ورقة يلتزم فيها بعدم الإحتجاج ؟ وما مصير من لم يوافق على التوقيع ؟ ... فهل يمنع من السفر بعد أن انتظر دوره وفاز أخيرا في قرعة الحج ؟؟ وما مصير من وقع في "المحظور" ولم يستسغ ظلما ما، واحتج بشكل فردي أو جماعي ؟؟ فهل يطرد أم تنصب له جلسات في المحاكم عند عودته ؟ وماذا ستكون تهمته. ؟ هل اختلط عند المسؤولين - لكثرة ما استبدوا- معنى المطالبة بالحقوق الضائعة وشغب الأطفال الصغار ؟ لم يعد أمامهم بعد توقيع الإلتزام إلا مطالبة المسافرين بتوقيعات ولاة أمورهم أو من لم يسافر من عائلاتهم حتى نهدد هؤلاء بهؤلاء في خطة قدافية بائدة. أسلوب مخزني ومقاربات أمنية لاتنتهي وتكلف النظام أكثر مما تكلفه مواجهة المشاكل مباشرة فإن كان هذا أسلوب وزارة الأوقاف، النقية التقية، مع الشيوخ والشباب المومن، الذي فر من الدنيا بمطالبها وملاهيها، ليتفرغ للطاعات. ورأت في المطالبة بالحق تطاولا فماذا عن وزارة الداخلية التي ترى في تطاولها حقا مشروعا ؟ الجواب نسمعه يوميا في التقارير الدولية والوطنية التي تفضح يوما عن يوم شيخوخة النظام وترهله وعدم قدرته على تجاوز مشاكله حتى صار معروفا لدى الخاص والعام أن المغرب بلد القمع والتعديب كان آخرها إصدار المحكمة الأوربية حكما ببطلان إحدى المحاكم لاعتمادها على تصريحات المتهم التي جاءت تقارير ومحاضر مغربية انتزعت من المتهم تحت التعذيب. فأي مستقبل سياحي، وأي مستقبل اقتصادي، وأي مستقبل سياسي، بل أي مستقبل لبلد قد يرفع حجاجه أيديهم إلى السماء في عرفات يدعون على كل ظالم حين لا تختنق في دواخلهم صيحات الإحتجاج.