قد يبدو من غير المقبول التأكيد على أن وصول شباط لقيادة واحد من أعرق الأحزاب السياسية المغربية وأقدمها ما هو إلا حلقة من كل الحلقات التي مرت وتمر وستمر من المسلسل الطويل الذي أطلق عليه اسم الربيع العربي، لكن تأمل مجموعة من المعطيات يجعلنا نقبل بهذه الفرضية.. عندما طار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بنعلي ليلة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 في الأجواء في اتجاه المجهول قبل أن تحتضنه المملكة العربية السعودية لم يطر الشخص فقط.. ولكن الذي طار تلك الليلة وبلا رجعة هو نظام حكم وصورة قديمة للحاكم العربي لم يعد استمرارها ممكنا.. الزعيم أو القائد أو الحاكم المحاط بهالة يجللها الثراء الفاحش ويحميها حراس أشداء انتهى .أنه زمن آخر تغيرت فيه أشياء كثيرة وآن الأوان أن تنزل تلك الصورة العملاقة المعلقة على الجدار.. الرئيس الأمريكي يتناول وجبة خفيفة بلباس بسيط في مطعم عادي وسط الأمريكيين، ووزير يتوجه إلى مقر عمله على متن دراجة هوائية..صور وغيرها تم تداولها بشدة في السنوات الأخيرة، ومن يعتقد أنها كانت برئية ويروج لها على هذا الأساس فهو حتما ساذج.. إنها صورة الحاكم القادم، والتي يجب أن تعمم في كل الدول العربية. بعد بنعلي، يعتلي كرسي الرئاسة المرزوقي، ذلك المواطن الأسمر والجاهل تماما بكل البروتوكولات التي قضى سلفه وقتا ثمينا في تعلمها ليليق بكرسي كانت البروتوكولات جزءا من المؤهلات الضرورية لملئه.. وبعد مبارك الرئيس الذي كانت بذلة واحدة من البدل التي يرتديها تكلف ميزانية البلاد 16100 دولارا، جاء مرسي الذي لم يغير الكثير في نظام عيشه السابق وتخلى أيضا عن الكثير من البروتوكولات... لكن إنهاء عهد الزعيم القائد لم يبدأ مع ثورة التونسيين على رئيسهم، بل ربما دشنه إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ذلك الإعدام الذي كان إعداما رمزيا لمجموعة من القيم ومن الاختيارات أكثر ما كان إعداما لشخص الرئيس المخلوع.. فقد كانت شخصية صدام طاغية على صورة العراق، بينما اليوم أكاد أجزم أني لن أجد بسهولة مواطنا مغربيا في الشارع العام يعرف اسم الرئيس العراقي الحالي.. وسينتهي تبعا لما يجري كل الرؤساء والزعماء الذين يتمسكون بالنظام القديم سواء طوعا أو كرها.. إنه تسونامي.. وما على الأنظمة التي لم تطلها أمواجه بعد، إلا أن تتخلص من الرداء القديم وتنخرط اختيارا في النظام الجديد.. وربما يمر النظام الملكي بالمغرب بأكبر منعطف في تاريخ الملكية على ضفاف المحيط الأطلسي، حيث أن محمد السادس حاول التخلص من الكثير من البروتوكولات، لكن يبدو أن التيارات المتجاذبة قوية جدا بمحيط القصر.. ومما يحسب للنظام الملكي المغربي أنه تلقى الرسالة المشفرة منذ سنوات طويلة، فكان اختيار زوجة الملك محمد السادس من الطبقة المتوسطة والكشف عن هويتها هو تجاوز كبير لطقوس القصر التي ظلت فيها هوية زوجة الملك من المقدسات التي لا يجوز الاقتراب منها، كما أن نشر عدد من الصور للملك وهو يمارس رياضته المفضلة يدخل في هذا السياق ، بل إني أعتقد أن نشر صورة للملك وقد علا الوحل حداءه وجزء كبير من ملابسه أثناء زيارته لموقع زلزال الحسيمة قبل سنوات؛ كان خطوة مدروسة تحاول القطع مع زمن كان فيه حتى الذباب الذي يجتاز عتبات القصر يصبح مقدسا.. لكن كل هذه المحاولات لاجتياز مرحلة تاريخية والدخول إلى منعطف تاريخي آخر لم تنجح كثيرا بدليل الإصرار على أقامة حفل الولاء مع التقليص من مدته الزمنية و التخفيف من أعبائه البروتوكولية خلال السنة الماضية، رغم كل ما يثيره هذا الحفل الموغل في القدم من رفض شعبي.. وعلى ما يبدو فإن صورة الزعيم القديمة لم يعد لها مكان حتى في الأنظمة الحزبية العربية، حيث أن آل الفاسي مثلا في حزب الاستقلال يمثلون نظاما قديما لم يعد الحزب قادرا على تحمله، فوضع بالاستعانة بالآليات الديمقراطية على رأسه رئيسا جديدا يعرف المواطنون أنه مهني بسيط سابق (سيكليس) وأنه يقيم في شقة بسيطة بحي بنسودة الفقير في فاس. وبهذه الخطوة يتفوق حزب الاستقلال على حليفه في الحكومة ومنافسه في السياسة حزب العدالة والتنمية الذي يقيم أمينه العام ورئيس الحكومة الحالية في فيلا وسط الرباط تعود ملكيتها لزوجته.. ستتساقط مزيدا من الأسماء الثقيلة الوزن من لائحة الزعماء السياسيين، وسيتنافس الرؤساء وما سيصمد من الملوك في تغيير صورهم القديمة بصور تنسجم مع صورة أوباما وهو يلتهم شطائر الهمبرغر في مطعم شعبي إن أرادوا الاستمرار، لأن النظام الدولي الجديد ليس فقط سياسات تغير رسم الخرائط ولكنه أيضا مجموعة قيم تسعى الدول الكبرى في فرضها على بقية المعمور.