ليس سراً أنني لم أتفاءل يوماً بما سمي اتفاق مصالحة بين حماس وفتح والذي تم توقيعه في 04/05/2011، وليس سراً أنني ضد أي محاولة لإنقاذ فريق التفريط في رام الله من ورطته ورمي طوق النجاة له، وليس سراً أيضاً أنني قلت أن حماس تُجرم إن هي قبلت بذلك دون عودة هؤلاء إلى رشدهم وتركهم لغيهم واعتذارهم للشعب الفلسطيني عما اقترفوه من جرائم بحقه. لكني وفي أكثر السيناريوهات تشاؤماً لم أتوقع أن ينقلب عبّاس ومن معه بهذه السرعة على الاتفاق الذي وقعوه، لم أتوقع أن "يفرط" الاتفاق عند أول منعطف، وبأن يعلن عبّاس وبشكل لا لبس فيه شروطه لتطبيق الاتفاق، والتي لا يقبل فيها نقاش، لأنه وحده صاحب الكلمة، الآمر الناهي، وعلى الجميع أن يرضخ. لقد شكّلت تصريحات عبّاس ومعاونيه، خاصة لقاءه الأخير مع قناة LBC اللبنانية يوم 20/06/2011 تراجعاً ونقضاً وخرقاً واضحاً لكل النقاط والبنود التي وقعوها – رغم اعتراضنا عليها مبدئيا – وشكّلت تلك التصريحات والممارسات الميدانية على الأرض موقفاً حاداً وأكثر تشدداً من ذي قبل، سلاحه اتفاق المصالحة، وتوريط الطرف الآخر، برعاية اسرائيلية-أمريكية معتادة. وحتى لا نطيل ونسهب في الشرح، هذه هي مواقف حركة فتح التي يختطفها عبّاس ورهطه، السياسية والميدانية، بعد توقيع اتفاق المصالحة: · لم تتوقف الاستدعاءات والاعتقالات وحالات الاختطاف، بل زادت وتيرتها. · لم يتم إطلاق سراح أي من المختطفين. · إصرار الأجهزة القمعية في الضفة أنه لا يوجد لديها معتقلين سياسيين، وهو ما أكده عزام الأحمد متحدياً أن يكون هناك معتقلاً واحداً على خلفية سياسية. · مُنعت كل مظاهر التضامن مع المعتقلين بدون استثناء، ولوحق المنادون بها. · باستثناء مظاهرتين في الخليل ونابلس – تم تصوير المشاركين فيهما ومن ثم استدعاؤهم – رفضت كل طلبات التظاهر تأييداً لاتفاق المصالحة المفترضة. · الغريب أن من التزم بيته ولم يتظاهر فرحاً تم استدعاؤه وسؤاله عن عدم مشاركته. · تلخص الكاتبة لمى خاطر الموقف الرسمي من ملف الاعتقال السياسي في ضوء تصريحات عباس الأخيرة بقولها: ملف الاعتقال السياسي الذي ظلت التطمينات السياسية التي أطلقت منذ توقيع المصالحة تؤكد أنه في طريقه للحل نكتشف اليوم أنه خارج حسابات البحث وغير قابل للمساس، لأن المعتقلين الموجودين حاليا (وفق تصنيف عباس لهم) إما أن يكونوا مهربي أموال أو مهربي سلاح! وهذه الفئة أعلن أنه سيستمر في اعتقالها وملاحقتها! مع ضرورة التذكير هنا بأن تهمة (تبييض الأموال) تطلق على مخصصات الأسرى وذوي الشهداء والمشاريع الخيرية التي لا تمر من قناة حكومة فياض، فيما تنسحب تهمة (تهريب السلاح) على السلاح المقاوم للاحتلال، بدليل أن عدداً من المعتقلين الحاليين هم مقاومون مطلوبون للاحتلال على الخلفيات ذاتها التي تعتقلهم أجهزة السلطة عليها. · وتضيف الكاتبة بشأن فياض: أما ما يتعلق بفياض؛ فارس أحلام فتح نحو الدولة (المستقلة) فهو كذلك واضح بما فيه الكفاية، لكن فتح وقادتها الذين نراهم اليوم يدافعون باستماتة عن فياض لن يقولوا إن الرجل خيار أمريكا والغرب وشرطهم للموافقة على الحكومة الوحدوية أو التكنوقراط أو سمّها ما شئت، بل نراهم يجدون ضالتهم في تقارير مكذوبة منسوبة لجهات أوروبية، تؤكد أن الرجل لا يشق له غبار في الإنجازات الاقتصادية والتنموية في الضفة، رغم أن كل إنجازاته الموهومة لا تصبّ إلا في خانة تكبيل القرار الفلسطيني ورهن لقمة عيش المواطنين وشريان حياة السلطة كلّها في يد الاحتلال والممولين الغربيين، وتكفي فياض شهادة نتنياهو له بالنزاهة والنجاح · أما الحكومة المرتقبة والتي تأجل تشكيلها بفرمان عبّاسي فهي بحسب ذات الفرمان "الحكومة مسؤوليتي وأنا أشكلها كما أشاء وهي تمثلني وتمثل سياستي , وأنا من سأتحمل فشلها لا خالد مشعل" · أما ما يتعلق بنهج المفاوضات العبثي ورغم الصفعات المتتالية يصر عبّاس ويقول "وبالنسبة للمفاوضات مع الاحتلال قال: أنا مع المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً، وأنامستمر بالمفاوضات مع التوجه للأمم المتحدة" · وأخيراً وفي موقفه من المقاومة يقول عبّاس "الكفاح المسلح "خرب بيتنا" ودمر البلد ولهذا أرفض الإنتفاضة" ويبقى السؤال: على ماذا تم الاتفاق؟ وأين موقف حماس الرسمي من كل ذلك؟ لا يمكن لعاقل أن يقف في وجه وحدة الشعب الفلسطيني، لكن مع من؟ ولصالح من؟ وعلى أي أساس وثوابت؟ عبّاس ورهطه حددوا مواقفهم و"ثوابتهم"، وهم يعلنونها لاءاتهم: لا مقاومة، لا حكومة بغير بفياض، لا وقف للمفاوضات، لا وقف للاعتقال السياسي، لا نهاية لسياسة الاستئصال، لا شراكة في السلطة. حماس تجد نفسها اليوم وبسبب توقيع اتفاق المصالحة بشكله الذي تم قبوله بين أمرين كلاهما مر: الأول: القبول والانصياع لأوامر عبّاس ونواهيه، ولشروطه ومحدداته، وبالتالي أن تتحول لفرع من حركة فتح المختطفة، تطلب رضى العالم وقبوله، وبالتالي تكمل المشوار مع عبّاس في تشكيل حكومة يرأسها فيّاض وتتخلى عن أبنائها في الضفة ليعمل فيهم عبّاس سيف الاستئصال. الثاني: أن تقلب الطاولة على عبّاس وتعلن أن اتفاق المصالحة لم يعد له وجود إلا باعتذار عبّاس عن ما تفوه به، وبالتالي تتحمل وزر افشال اتفاق رفع آمال الكثيرين إلى السماء، وليطنطن عبّاس ورهطه بأن حماس من أفشل الاتفاق لأنها تصارع على المناصب! عنوان الموضوع هو خسرانة خسرانة ... إلا إذا – ما هي الإذا إذن؟ على الجميع – وليس حماس فقط – أن يدركوا تمام الادراك أن الطبع يغلب التطبع، وأن عبّاس ومن معه ليسوا سوى أدوات لا تملك من أمرها شيئا، وبأنهم موظفون وخدم لمن يدفع لهم راتب آخر الشهر، وبأنهم لا علاقة لهم بهموم الشعب الفلسطيني ومعاناته، والأهم أنه لا يمكن تحقيق مصالحة معهم على أسس وطنية وأخلاقية صحيحة. وعلى الجميع أيضاً أن يقتنع أن العالم لا يحترم إلا القوي الثابت على مبادئه، وبأن الغرب تحديداً تزداد شهيته أمام كل تنازل، وبأنه دون الإذعان التام والتسليم المطلق لن يرضوا عن حماس أو غيرها مهما أبدت من مرونة ودبلوماسية. حاولت حماس ومعها القوى الوطنية الأخرى إعطاء فرصة لهؤلاء أملاً في تحقيق مكاسب آنية منها فتح معبر رفح وتخفيف الضغوط على عناصرها في الضفة – لم يتحقق شيء من تلك المكاسب: المعبر لا زال يعمل بذات الآلية أيام مبارك وربما أسوأ، والضفة تأن وتصرخ. أما المكاسب بعيدة الأمد والمدى والتي هي في صالح الشعب وقضيته، فلن ترى النور مع عبّاس ومن معه. عبّاس لا ينفخ ريشه من فراغ، فتحت مظلة المصالحة استعاد شرعيته المزعومة بعد أن أصبح رئيسا للسلطة – غير منتهي الصلاحية – وبعد أن ثبت نفسه في منظمة التحرير الفلسطينية التي قبلها الجميع ممثلاً له ينتظر الإصلاح، وبعد أن أفرغ فتح من قادتها الصالح منهم والطالح وأصبح الحاكم بأمره. عبّاس كان ينتظر طوق النجاة قبل اتفاق المصالحة بعد أن فشل داخلياً وخارجياً، وسقط نهجه العبثي، لكنه وبعد التوقيع عاد ليطوف أمصار الأرض متحدياً متعنتراً مختالاً، يرفض وبوقاحة لقاء قيادات الطرف الآخر، ويعلن إملاءاته عبر وسائل الاعلام دون مراعاة لأي أخلاقيات أو أصول – ولا عجب ففاقد الشيء لا يعطيه. مرة أخرى ما هي الإذا؟ إلا إذا أعلنوا وبوضوح أنهم لن ينخدعوا مرة أخرى، وبأنهم لدغوا من ذات الجحر أكثر من مرتين، وبأن يضعوا شروطهم – نعم شروطهم – لمصالحة حقيقية وعلى أسس واضحة، وبعيداً عن السياسات المرنة والكلمات الفضفاضة واللجان التي لا ترى النور. المصالحة لا تكون بأي ثمن، والوحدة الوطنية لها مواصفاتها، وأطراف الحوار والمصالحة يجب أن تكون لهم مرجعية واضحة. نقولها بوضوح وصدق، أن حماس اليوم في موقف لا تحسد عليه، إن لم نقل ورطة، من ناحية وقعت اتفاق مع من لا يحترم توقيعه، ومن ناحية أخرى لديها ما يكفي من مشاكل بحكم وجود قيادتها في دمشق، وما أدراك اليوم ما دمشق! الإذا الحقيقة هي العودة للأصول والثوابت، إلى النهج الذي أوصلها للفوز في انتخابات التشريعي، وجعل شعوب الأرض تتضامن معها وتتسابق لنصرتها، ليس لأنها فصيل أو حزب، لكن لأنها كانت ترفع هموم وقضايا ومباديء وثوابت شعبها. صورة حماس لا شك أنها اهتزت، والمعارضة لرميها طوق النجاة لعبّاس، وانتهاجها سياسات مرنة مطاطة تأتي اليوم من داخلها لا من خارجها فقط، وعليها أن تستعيد موقعها الذي بدأت تفقده بتورطها مع عبّاس، وتماشيها مع ما يسمى الشرعية الدولية. لم يفت الأوان بعد، لكن الوقت يمضي. -------------------------------